البرلمان التونسي الجديد: كتل تستعد وتحالفات وشبهات مال سياسي

البرلمان التونسي الجديد: كتل تستعد وتحالفات وشبهات مال سياسي

08 فبراير 2023
يعد منصب رئاسة البرلمان الجديد نقطة خلاف قبل انطلاقة أشغاله (أرشيف- فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

احتدمت المشاورات والمفاوضات بين مكونات البرلمان التونسي الجديد استعدادا لانطلاقة عمله، مع وجود بوادر صدام ونزاع بين الكتل لاستقطاب المستقلين، وسط اتهامات بشبهات مال سياسي ومحاولات شراء ذمم البرلمانيين.

وتعيش الأحزاب والحركات السياسية والتحالفات الانتخابية التي شاركت في الانتخابات حراكا منذ إعلان نتائج الدور الثاني من انتخابات مجلس نواب الشعب في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، تكملة للدور الأول الانتخابي الذي جرى في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وارتفع نسق اللقاءات غير المعلنة والمشاورات بين قيادات المجموعات البرلمانية الفائزة منذ إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية في 30 يناير/كانون الثاني، فيما يرجح أن يعلن عن النتائج النهائية لهذه الانتخابات في 4 مارس/آذار 2023، بعد استكمال البت في الطعون من قبل المحكمة الإدارية، بما يشير إلى أن انطلاقة البرلمان الجديد ستكون خلال ربيع العام الحالي منقوصا بـ154 نائبا فقط (الجملة 161 مقعدا) لتبقى مقاعد الخارج السبعة مؤجلة (لم تجر فيها انتخابات لغياب أي ترشحات) إلى حين تنظيم انتخابات جزئية بعد انتصاب المجلس الجديد وانتخاب رئاسته وتنظيم هياكله. 

وتعد رئاسة البرلمان الجديد نقطة خلاف قبل انطلاقة أشغاله، بالإضافة إلى منصبي نائب رئيس البرلمان الأول والثاني ورئاسات اللجان الهامة، وتسعى المجموعات الفائزة إلى تشكيل كتل برلمانية وازنة لحسم المواقع الرئيسية عند انتخابات الرئاسة وللتفاوض على باقي المناصب.

ويحتاج انتخاب رئيس البرلمان الجديد نسبة حسم 50 +1، أي أن الكتلة أو التحالف البرلماني بحاجة إلى 78 نائبا لحسم منصب رئيس البرلمان.

ويطمح رئيس مبادرة "لينتصر الشعب" عميد المحامين السابق إبراهيم بودربالة، المقرب من الرئيس قيس سعيد، للظفر بمنصب رئيس البرلمان الجديد. ولم يخف بودربالة مسعاه للتنسيق مع بقية البرلمانيين لتكوين كتلة موسعة قادرة على قيادة البرلمان الجديد.

من جانب آخر، يطفو اسما مرشحين عن "حركة الشعب" لرئاسة البرلمان المقبل، وهما: رئيس المجلس الوطني للحزب عبد الرزاق عويدات، والقيادي البارز بالحزب مسعود قريرة، في انتظار أن تنتهي هياكل الحزب في تقديم مرشحها.

وفي سياق متصل، أعلن القيادي بـ"حركة الشعب" هيكل المكي، في تصريح صحافي، أن "الحزب لن يزكي بودربالة لرئاسة البرلمان حتى وإن رشحه سعيد"، مشيرا إلى أن "حركة الشعب ترى في أبنائها من هو أجدر وأكفأ لرئاسة البرلمان الجديد"، بحسب تعبيره.

اتهامات بشراء ذمم البرلمانيين وسط مساع لتكوين كتل برلمانية

وتزايدت الاتهامات حول شبهات شراء ذمم برلمانيين وإغراء النواب الجدد بالمال السياسي للالتحاق بكتل دون غيرها وتدخل رجال أعمال لاستقطاب مستقلين. وأكد النائب عادل البوسالمي في تصريح تلفزيوني، رفضه عرضا بقيمة 40 ألف دينار للالتحاق بإحدى الكتل، دون الكشف عن أسماء من حاولوا إرشاءه.

وأعلن أمين عام "حركة الشعب" زهير المغزاوي في مؤتمر صحافي، أمس الثلاثاء، أن "الحركة فازت بـ31 مقعدا في الانتخابات، فيما تسعى لتكوين كتلة برلمانية مكونة من 45 نائبا عبر مشاوراتها مع عدد من النواب".

وبين المغزاوي أن "الحركة لن تقدم الدعم المطلق للرئيس قيس سعيد"، قائلا "لن نكون ذراع الرئيس في البرلمان، نحن نتفق معه في نقاط ونختلف معه في أخرى"، وتابع ''نحن مؤيدون لقرارات 25 يوليو/ تموز لكننا متحفظون على إدارة المرحلة... كان بالإمكان أفضل مما كان".

وأكد المتحدث باسم "حركة الشعب" أسامة عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "أولوية الحركة عند انطلاق عمل البرلمان الجديد ستكون اقتصادية اجتماعية، وبشكل خاص حول المحاور التي عملت عليها وقدمت فيها مقترحات إلى رئيس الجمهورية".

كما أكد أن حركته ستطرح من جديد مبادرات تشريعية على غرار مقترح الإصلاح التعليمي، وتمويل صندوق المجلس الأعلى للتربية، وقانون البنك المركزي، ومجموعة من النقاط الأخرى بـ"هدف إعادة بوصلة 25 يوليو/ تموز إلى مدارها عبر الاهتمام بالموضوع الاجتماعي".

وحول المشاورات البرلمانية بين الفائزين، قال عويدات إن "هناك مشاورات ونقاشات، وربما يقود ذلك في المستقبل إلى كتلة برلمانية موسعة بالالتقاء حول مجموعة من الأهداف المشتركة وبعد اتضاح المشهد البرلماني المقبل، وسيتم الإعلان عن ذلك في وقته".

وعن ترشيح شخصية من الحركة والتفاوض حول مساندة شخصية لرئاسة البرلمان المقبل، بيّن عويدات أن "أمر رئاسة البرلمان متروك للنقاش داخل الحزب وفي هياكله على مستوى المجلس الوطني للحركة، باعتبار أن أي قرار مصيري يجب أن يقره المجلس الوطني للحزب".

وأشار عويدات إلى أن "هناك نائبين تحدثا عن موضوع شبهات تلقي رشاوى للالتحاق بكتل أخرى"، نافيا "أي اتصال بنواب حركة الشعب في هذا الخصوص"، فيما دعا النيابة العمومية للتحرك إذا ثبت وجود هذه الشبهات.

من جهته، أكد رئيس المكتب السياسي لحراك 25 يوليو/ تموز عبد الرزاق الخلولي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فوز الحركة بنحو 97 مقعداً تقريباً في مجلس نواب الشعب بـ"احتساب نتائج الدورين الأول والثاني".

وشدد الخلولي على وجود ظاهرة محاولة الاستيلاء على نواب من الكتلة البرلمانية للحراك، متهما العديد من الأطراف في هذه المحاولة، سواء من الأحزاب أو رجال أعمال تسعى لتكوين كتل مستقبلا في البرلمان للحفاظ على مصالحها.

وقال "نحن ضد هذا التمشي وضد هذه الظاهرة غير الصحية؛ بل إنها ستنمي الفساد". وبين الخلولي أنه "من بين 97 مقعدا وحتى في حالة التأثير على النواب فإن الكتلة سيكون بها 80 نائبا".

وأضاف الخلولي "رغم شهادة النائب عادل البوسالمي حول محاولة إغرائه أو شهادات نواب آخرين ممن أعلموا الحراك بهذه المحاولات، فإننا نأمل أن لا يخضع النواب لهذه الممارسات وهذا التحرش السياسي".

وبين الخلولي أن "هناك مشاورات واتصالات في توجه تكوين عائلة موحدة تجمع المساندين لمسار 25 يوليو/ تموز لتكوين كتلة كبرى.. ما زلنا في بداية المشاورات، ولكن هناك اختلافا في خصوص رئاسة المجلس والنائبين الأول والثاني لرئيس البرلمان وحول تكوين اللجان، ومن المتوقع أن نتجاوز هذه الاختلافات قريبا".

إلى ذلك، أعلن أمين عام "حزب التيار الشعبي" زهير حمدي، خلال لقاء إعلامي لـ"مبادرة لينتصر الشعب"، أمس الأول، عن تكوين كتلة "لينتصر الشعب" النيابية (يرأس المبادرة عميد المحامين السابق المقرب من الرئيس سعيد إبراهيم بودربالة).

وأكد حمدي أن "مشروع الكتلة هو حاليا بصدد التكوين ويضم في الوقت الراهن 42 نائبا مع إمكانية انضمام 16 نائبا إضافيا"، مشيرا إلى وجود رجال أعمال فاسدين ولوبيات يعملون على "مواجهة النواب من أجل المحافظة على سلطتهم على البرلمان لتمرير القوانين الفاسدة"، داعيا "النيابة العمومية للتدخل من أجل حماية البرلمان ضد محاولات اختراقه"، بحسب وصفه.

من جانبه، قال رئيس حزب "صوت الجمهورية" علي الحفصي، في تصريح صحافي، إن حزبه فاز بـ30 مقعدا في البرلمان، مبينا أن "الحزب يسعى لتكوين كتلة حزبية متماسكة ومتجانسة ولا يبحث عن التوسع واستقطاب نواب للانضمام إليه".

وزادت تصريحات الكيانات السياسية الصاعدة إلى المجلس الجديد من غموض المشهد البرلماني، حيث أعلنت المجموعات البرلمانية الكبرى عن عدد نواب كتلها بشكل يفوق إجمالي مقاعد البرلمان الجديد المحدد بـ154 مقعدا، فبحساب تقديرات حجم كتلة حراك 25 يوليو/ تموز 97 مقعدا، و"حركة الشعب" بـ45 مقعدا، و"لينتصر الشعب" بـ42 مقعدا، و"صوت الجمهورية" بـ30 مقعدا، علاوة على عدد من المستقلين وغير المنتمين لأي كتل.