الانهيار الكبير لمعسكر النظام السوري: الفصائل المسلحة تتقدم في إدلب وحلب وحماة

01 ديسمبر 2024
قوات من الفصائل في معرة النعمان أمس (عبد الله العزيز كتاز/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تقدم الفصائل المسلحة في شمال غرب سوريا: شهدت الأيام الأخيرة انهيارًا لقوات النظام السوري، حيث سيطرت "هيئة تحرير الشام" وفصائل أخرى على مناطق واسعة في إدلب وحلب وحماة، مما أثار تساؤلات حول غياب الدعم الروسي الفاعل للنظام.

- ردود الفعل الدولية والإقليمية: فوجئت إدارة بايدن بعملية "ردع العدوان"، بينما لم تتخذ تركيا موقفًا واضحًا. أبدت روسيا موقفًا خجولًا مع وعود بمساعدات عسكرية إضافية، مما قد يفرض واقعًا جديدًا في سوريا.

- التداعيات المستقبلية والسياسية: السيطرة على مناطق حيوية قد تعزز موقف المعارضة السورية سياسيًا، وتؤثر على العلاقات الإقليمية، حيث يمكن لتركيا أن تكون المستفيد الأكبر، مما قد يدفع النظام السوري وحلفاءه لإعادة تقييم استراتيجياتهم.

تواصل أمس السبت، انهيار قوات النظام السوري شمال غربي سورية، لتنجح عملية "ردع العدوان" التي أطلقتها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل مقاتلة منخرطة في غرفة عمليات "الفتح المبين" العاملة في إدلب ومحيطها، في تحقيق تقدم كبير لم يقتصر على حلب، بل امتد أيضاً إلى إدلب وحماة، وسط تساؤلات عن غياب الدور الروسي الفاعل في دعم قوات النظام لوقف هذا الهجوم وتداعيات تغير الخريطة الميدانية مستقبلاً على سورية.

قوات النظام السوري متهالكة

وأعلنت الفصائل المقاتلة، أمس، سيطرتها على كامل محافظة إدلب بعد سيطرتها على مدينة معرة النعمان، وفق وكالة رويترز. وقالت مصادر عسكرية من غرفة عمليات "ردع العدوان"، لـ"العربي الجديد"، إن الفصائل سيطرت على مدينة معرة النعمان (أكبر مدن محافظة إدلب) بشكلٍ كامل، وسيطرت على 45 بلدة وقرية في ريفها الشرقي، بالإضافة إلى السيطرة على معسكر وادي الضيف، أكبر معسكرات النظام في المحافظة. كذلك سيطرت في وقت لاحق على كفرنبل، وكانت تتجه نحو خان شيخون للسيطرة عليها.

مسؤول أميركي لـ"أكسيوس": إدارة بايدن فوجئت بالعملية

وسيطرت الفصائل المقاتلة أمس على "غالبية مدينة حلب"، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقال المرصد أمس إن هذه الفصائل "سيطرت على غالبية مدينة حلب ومراكز حكومية وسجون". في السياق، تمكنت فصائل "ردع العدوان" من السيطرة على مدن عندان وحريتان وحيان وبلدات كفر حمرة وبيانون وزيتان بريف حلب الشمالي الغربي، وذلك بعد انسحاب قوات النظام منها. وأفاد المرصد أمس بمقتل 16 مدنياً على الأقل في غارة "روسية على الأرجح"، استهدفت "سيارات مدنية لدى عبورها عند دوار الباسل في مدينة حلب". كذلك أعلنت غرفة عمليات "ردع العدوان" سيطرة مقاتليها على بلدات استراتيجية في ريف حماة الشمالي، منها مورك واللطامنة وكفرزيتا وكفرنبودة.

واعترف النظام السوري في بيان، أمس، بأن العشرات من جنوده قتلوا في الهجوم، وأن الفصائل تمكنت من دخول أجزاء واسعة من أحياء مدينة حلب، ما اضطر الجيش إلى إعادة الانتشار. وقالت وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري أمس: "تمكنت التنظيمات الإرهابية خلال الساعات الماضية من دخول أجزاء واسعة من أحياء مدينة حلب" بعدما نفذ الجيش عملية "إعادة انتشار هدفها تدعيم خطوط الدفاع". وجاء ذلك بحسب المصدر بعد "معارك شرسة على شريط يتجاوز 100 كيلومتر لوقف تقدمها، وارتقى خلال المعارك العشرات من رجال قواتنا المسلحة شهداء".

وكانت طائرات حربية قد شنّت ليل الجمعة ـ السبت، غارات على أحياء مدينة حلب للمرة الأولى منذ عام 2016، وفق المرصد السوري. وقال في بيان، إن الغارات استهدفت حيّ الفرقان قرب حلب الجديدة من الجهة الغربية للمدينة، تزامناً مع وصول تعزيزات عسكرية كبيرة لقوات الفصائل المسلحة إلى المنطقة، مشيراً إلى أن الضربات الجوية وعمليات القصف البرّي والمقاومة المحدودة لعناصر قوات النظام أدت إلى مقتل 20 عنصراً من "تحرير الشام".

القيادي في فصيل جيش العزة، أحد فصائل غرفة "الفتح المبين"، العقيد مصطفى بكور، أجاب عن سؤال "العربي الجديد"، بشأن حدود عملية "ردع العدوان"، بالقول، إن "حدودها حيث توجد المليشيات الإيرانية، وبما يضمن تأمين المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة". وعن الانهيار الكبير لقوات النظام السوري، وأسبابه من خلال ما يواجهونه على الأرض، قال بكور إن "النظام متهالك أساساً، لكن كنا نتوقع مقاومة أكثر من المليشيات الإيرانية، وهذا لم يحدث".

أما عن الموقف التركي مما يجري، فذكرت مصادر دبلوماسية تركية لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمكن القول إن هناك موافقة تركية على عمل عسكري لأي فصيل مسلح، وحتى الآن لم تقم القوات التركية بأي تحرك أو استهداف أو تدخل، وبالوقت نفسه هناك متابعة للتطورات المتسارعة والمتلاحقة التي تعتبر مفاجئة، وبناءً على ذلك تتواصل تركيا مع الفصائل السورية التي تنسق معها بالمناطق الآمنة من أجل أي تطورات قد تحصل. ويسود اعتقاد في أنقرة بأن روسيا قد تستعد لحملة عسكرية كبيرة لاحقاً، لفرض علوّها الميداني في سورية.

أما عن الموقف الأميركي، فقال مسؤول أميركي لموقع "أكسيوس" الإخباري، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن فوجئت بعملية "ردع العدوان"، مضيفاً أن الولايات المتحدة لا تشارك في العملية. يُذكر أن عملية "ردع العدوان" بدأت فجر الأربعاء الماضي، غربي حلب، وكانت التوقعات بأن الفصائل تنوي استرداد المناطق التي خسرتها في المعارك التي اندلعت بين عامي 2018 و2020، تدريجياً، ابتداءً من ريفي حلب الغربي والجنوبي. وتلك المناطق، بمجملها، تقع ضمن ما يعرف بمنطقة خفض التصعيد الرابعة، التي تضم كامل محافظة إدلب، وريفي حلب الغربي والجنوبي، وريف حماة الشمالي، وريف إدلب الشرقي. لكن الانهيارات المتوالية لقوات النظام السوري غربي حلب وجنوبها، شجّع المعارضة على ما يبدو، للتوسع بعد السيطرة على غرب حلب، ففتحت محوراً في شرق أدلب وجنوبها، وسرعان ما دخلت مدينة حلب، مخترقة بذلك حدود منطقة خفض التصعيد الرابعة.

مصطفى بكور: لم تحصل مقاومة كبيرة من المليشيات الإيرانية

وكان النظام السوري والروس قد التفوا على اتفاق مناطق خفض التصعيد الأربع، فسيطروا من خلال سياسة التسويات والأرض المحروقة على 3 منها في كل من درعا والقنيطرة، ريف دمشق، حمص وريفها، وتقريباً نصف المنطقة الرابعة (إدلب ومحيطها)، مع ضرب الحائط بكل التفاهمات والاتفاقات التي خصّت هذه المنطقة دون غيرها، ولا سيما بين تركيا وروسيا، وتحديداً اتفاق سوتشي 2018.

السيطرة على محافظة حلب والامتداد جنوباً لاستعادة مناطق هامة في ريف إدلب، ولا سيما بالوقوف على الطريق الدولي حلب ـ دمشق المعروف بطريق أم 5، من خلال السيطرة على معرة النعمان، كبرى مدن جنوب إدلب، وسراقب في الريف الأوسط من المحافظة التي تُعَدّ عقدة تلاقي الطريقين الرئيسيين حلب ـ دمشق (أم 5)، والحسكة ـ حلب ـ اللاذقية (أم 4)، قد يشجع المعارضة على المضي جنوباً مع "ظهر محمي"، ما يعني الوصول إلى محافظة حماة.

لكن التطورات الحالية ستفرض واقعاً ميدانياً وسياسياً جديداً في البلاد، ولا سيما مع إدراك المحيط الإقليمي والعربي والدولي، عدم استفادة الرئيس السوري بشار الأسد من الفرص الممنوحة له إقليمياً وعربياً من خلال عمليات التطبيع، التي كانوا ينتظرون منه إكمالها بعد اللجوء إلى تغيير حقيقي في بنية النظام، وفكّ ارتباطه تدريجياً بإيران. لكن الأسد فهم كل عمليات التقارب على أنها انتصارات متتالية له، فأوقف المسار السياسي من دون إيجاد حلول، حتى أولية، لأي من الملفات المطلوب منه حلها عربياً وإقليمياً. ويبدو أن الفصائل المسلحة، ولا سيما "هيئة تحرير الشام"، تريد أن تربط التطورات الأخيرة بالحلّ السياسي الشامل في البلاد، وبدا ذلك واضحاً من خلال الرسالة التي وجهتها عبر "حكومة الإنقاذ"، الذراع المدنية للهيئة في إدلب، والتي دعت روسيا إلى رفع اليد عن النظام والمشاركة في الحل السياسي في البلاد.

وعلى الرغم من أن إدارة الشؤون السياسية لدى "حكومة الإنقاذ"، استنكرت في بيانٍ لها، مساء الجمعة، "التصعيد العسكري والقصف الذي طاول المدنيين في محافظتي إدلب وحلب، ما أوقع خسائر بشرية ومادية كبيرة"، ولا سيما من قبل الطيران الروسي، إلا أنها قالت إن "الثورة السورية لم تكن يوماً ضد أي دولة أو شعب، بما في ذلك روسيا. وليست طرفاً كذلك بما يجري في الحرب الروسية الأوكرانية، بل هي ثورة انطلقت لتحرير الشعب السوري من العبودية والذل، وتهدف إلى بناء بلد كريم حرّ بعيداً عن النظام المجرم". ودعت "حكومة الإنقاذ" في بيان، "روسيا إلى عدم ربط المصالح بنظام الأسد أو شخص بشار، بل مع الشعب السوري بتاريخه وحضارته ومستقبله"، مشددةً على أن "الشعب السوري يسعى لبناء علاقات إيجابية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع كل دول العالم، بما في ذلك روسيا التي نعتبرها شريكاً محتملاً في بناء مستقبل مشرق لسورية الحرة".

وحيال الموقف الروسي الخجول في مساندة النظام، نقلت "رويترز" عن مصدرين عسكريين في قوات النظام السوري قولهما، مساء الجمعة، إن النظام تلقى وعداً بمساعدات عسكرية روسية إضافية لمساعدة القوات في منع فصائل المسلحة السورية من الاستيلاء على محافظة حلب شمال غربي البلاد. وأضافا أن النظام يتوقع بدء وصول العتاد العسكري الروسي الجديد إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية قرب مدينة اللاذقية الساحلية خلال 72 ساعة، وكان ذلك قبل توغل الفصائل بشكل كامل في أحياء مدينة حلب.

وأعلن الكرملين أول من أمس، أنه يريد "أن تستعيد الحكومة السورية النظام في منطقة حلب في أقرب وقت ممكن". وقال المتحدث باسمه دميتري بيسكوف: "في ما يتعلق بالوضع في محيط حلب، هذا هجوم على السيادة السورية، ونريد من السلطات السورية أن تستعيد السيطرة والنظام الدستوري هناك بأسرع ما يمكن". ورداً على سؤال بخصوص تقارير روسية على منصة تليغرام ذكرت أن الأسد غادر إلى موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعلن بيسكوف أنه "ليس لديه ما يقال" في هذا الشأن.

وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قد أطلقت أحكاماً عامة، من دون التعليق مباشرة على تطورات المعارك في الشمال السوري. وقالت في تصريح إن "قوى الغرب الكبرى تواصل ممارساتها وهجماتها العدائية على سورية"، مضيفة أن "محاولات استهداف الدولة السورية وسيادتها واستقلالها مستمرة منذ سنوات من قبل الأنظمة المعادية للسلم والأمن الدوليين بصورة عامة، وقد اختارت سورية وما زالت تتشبث بها هدفاً لعدوانها المستمر والمتواصل". لكن في الميدان، أخلت القوات الروسية مواقعها ونقاطها العسكرية في منطقتي تل رفعت بريف حلب الشمالي ومعصران بريف إدلب الشرقي، فجر الجمعة، وذلك عقب التقدم السريع للفصائل في المنطقة.

وحول التطورات السريعة لعملية "ردع العدوان"، رأى الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية، عمار فرهود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة خُطِّط لها منذ منتصف 2022، وليس من شهر كما يشاع، والمختصون العسكريون رصدوا ذلك. أما بالنسبة إلى الانهيارات، فلها ثلاثة أسباب: الأول عسكري، حيث إن المهاجمين طبّقوا تكتيكات جديدة منعت المدافعين من الاستفادة من الأفضلية النارية التي يمتلكونها، وأبرز تلك التكتيكات التقدم للتماس الذي أعطى المهاجم ميزة المفاجأة وأربك المدافع وكذلك تكتيك الإسقاط بالتطويق بدل المواجهة الجبهوية. الثاني معنوي، فبعد خسارة حزب الله في لبنان، لم تعد الحاضنة العسكرية والمدنية السورية المناصرة لحزب الله ومليشيات إيران ترى أن الحزب هو ذاك القوة التي لا تقهر والقادرة على تحقيق تغيير في الميدان إن دخلت أي معركة. أما الثالث، فأمني، فحالة الخوف التي تتملك المليشيات الايرانية من تسريب معلوماتها وتحركاتها في سورية من قبل خلايا إسرائيل داخل أجهزة الأسد الأمنية، دفعها إلى عدم تحريك قوات كبيرة لها لدعم العمليات القتالية في الميدان".

عمار فرهود: المعركة خُطِّط لها منذ منتصف 2022، وليس من شهر كما يشاع، والمختصون العسكريون رصدوا ذلك

وعن رؤيته لأفق المعركة، أشار فرهود إلى أن "قوات المعارضة تحاول الاستفادة من حالة الانهيار الكبير في صفوف النظام السوري وحلفائه، لتمديد سيطرتها قدر المستطاع، مع التنبه المستمر للسيطرة على نقاط حاكمة لحماية ما تمّت السيطرة عليه، لذلك لا أعتقد أن خرائط السيطرة ستقف عند حدود أستانة أو سوتشي، وهو ما كُسر فعلياً بعد دخول مدينة حلب"، مضيفاً: "من المؤكد أن الأسد وحلفاءه يستجمعون قواتهم لشنّ هجوم معاكس على قوات المعارضة، إن لم يكن لاستعادة بعض المناطق، فمن أجل رد اعتبارهم أمام جنودهم وحاضنتهم الشعبية".

من جهته، رأى المحلل السياسي درويش خليفة، أن السيطرة على مدينة بحجم حلب، من المؤكد ستغير المعادلة السياسية في البلاد، لكن لا يتوقع أن يكون للتطورات الأخيرة تأثير كبير في المشهد الإقليمي السياسي. وأضاف خليفة لـ"العربي الجديد" أن "حلب بثقلها السكاني والاقتصادي، تمتلك كل المقومات لتكون مؤثرة في المشهد بعد السيطرة عليها، ولا سيما لجهة محاذاتها لتركيا، وهناك الكثير من الصناعيين والتجار لا يزالون ضمن مشاريعهم الضخمة داخل مدينة حلب، وبالتالي يمكن وضع إطار لإعادة الانطلاق والنهوض بالمدينة معهم من جديد".

لكن الأهم بحسب خليفة، أن "السيطرة على حلب، ستجعل المعارضة في موقف أقوى، وتجعل في يدها أوراقاً لفرض شيء من رؤيتها على الأسرة الدولية، وعلى المبعوث الأممي إلى سورية (غير بيدرسون)، فأنا لو كنت مكان النظام السوري لاستدعيت فوراً بعد سقوط حلب المبعوث الأممي لتفعيل العملية السياسية". وشدّد خليفة على أنه "بدا واضحاً أن غرفة عمليات ردع العدوان تتعامل بشكل مؤسسي ومنظم دون فوضى أو تجاوزات، وهذا يساعد في فرض رؤية المعارضة على المجتمع الدولي، وفي الإقليم أيضاً". ومن جهة موقف تركيا، قال خليفة: "إذا كان هناك بعد إقليمي للتطورات الحالية، فبالتأكيد ستكون تركيا المستفيد الأكبر، لكون حلفائها هم من الذين قاموا بالسيطرة على المساحات الكبيرة، ما يمكنها من فرض وجهة نظرها على الحل السياسي إقليمياً".

المساهمون