الانقسام السياسي يقوّض التضامن مع المعتقلين في تونس

21 فبراير 2025
وقفة تضامنية مع المعتقلين السياسيين، تونس، 25 فبراير 2024 (حسن مراد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الجدل حول التضامن مع المعتقلين السياسيين في تونس يعكس انقسامات بين الأحزاب والمجتمع المدني، حيث تتباين الآراء بين الدفاع عن الحقوق والحريات والتحفظ بسبب الانتماءات الفكرية.
- الانقسامات السياسية تؤثر على التضامن، حيث تختلف مواقف الأحزاب مثل جبهة الخلاص الوطني والحزب الجمهوري، الذي يدعو للإفراج عن جميع المعتقلين بغض النظر عن الانتماءات.
- التحديات تشمل تأثير الانقسامات على تعزيز السلطة، حيث يرى البعض ضرورة الدفاع الشامل عن الحرية، بينما يتحفظ آخرون بسبب الخلافات الأيديولوجية.

يثير موضوع التضامن مع المعتقلين في تونس من مختلف الأطياف السياسية، لا سيما المعارِضة منها، جدلاً بين الأحزاب، وحتى بين مكونات المجتمع المدني. وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن الدفاع عن الحقوق والحريات مبدأ لا يتجزأ مهما كان الانتماء، فإن البعض الآخر يتحرّج في التعبير عن تضامنه مع سجين سياسي بسبب توجهه أو انتمائه الفكري والأيديولوجي.
في هذا الإطار، يبرز الجدل حول موضوع التضامن مع رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، بسبب التضييق الذي تواجهه في سجنها (معتقلة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 بتهم من بينها الاعتداء المقصود به الفوضى بالبلاد) بين من يرى أنه واجب أخلاقي، وبين من يعتبر أنها كانت سبباً في سقوط التجربة الديمقراطية التونسية. يأتي ذلك بعد جدل حول التضامن مع قيادات حركة النهضة المسجونين، لا سيما بتهم "التآمر على أمن الدولة"، وصمت مكونات سياسية عن التضامن الصريح معها.

خلافات حول التضامن مع المعتقلين في تونس

تتجلى هذه الانقسامات بشكل واضح من خلال البيانات والتدوينات الأخيرة بشأن التضامن مع المعتقلين في تونس بعد صدور أحكام في بعض القضايا. وكان الخلاف واضحاً أيضاً في الوقفات الاحتجاجية التي كانت تشهد بدورها انقساماً بين جبهة الخلاص الوطني المعارض، خصوصاً أنها تضم في مكوناتها حركة النهضة، والشبكة التونسية للحقوق والحريات التي تضم بدورها أحزاباً كـ"الجمهوري" و"العمال" و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" و"التيار الديمقراطي" و"القطب" وعدة منظمات ومكونات مدنية ديمقراطية. تلك الأحزاب لا تتفق مع حركة النهضة، وتعتبر أن التظاهر معها في الشارع أو التضامن مع أحد قادتها كفيل بأن يضعها في موقف محرج.

غير أن الحزب الجمهوري كان واضحاً في تضامنه المطلق مع جميع المعتقلين في تونس حتى مع خصومه السياسيين، إذ أكد في بيان، الأربعاء الماضي، أن "الدفاع عن الحقوق والحريات قيم ومبادئ لا تخضع للتمييز أو التفرقة بين شخص وآخر، أو بين مجموعة سياسية وأخرى حتى عند اختلاف المواقف والمواقع". ودعا إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن رئيسة الحزب الحر الدستوري، عبير موسي، وتمكينها من الرعاية الصحية العاجلة، خصوصاً في ظل تدهور حالتها الصحية". وطالب الحزب بـ"وقف كل أشكال التضييق والانتهاكات ضد كل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي". وكان الحزب الجمهوري واضحاً أيضاً في إدانته للأحكام الصادرة ضد قيادات من حركة النهضة، في ما يُعرف بقضية "استالينغو" (شركة إعلامية) التي تعود إلى عام 2021 وتتعلق بـ"الاعتداء على أمن الدولة". وصدرت، في 5 فبراير/شباط الحالي، أحكام قضائية مشدّدة في القضية، شملت أكثر من 40 شخصية سياسية وإعلامية ومدونين، من بينهم زعيم "النهضة" راشد الغنوشي المعتقل منذ إبريل/نيسان 2023، والذي حكم عليه بالسجن 22 سنة في هذه القضية.

صراعات أيديولوجية

حول الانقسام بشأن التضامن مع المعتقلين في تونس يقول القيادي في الحزب الجمهوري، مولدي الفاهم، إن "الاختلاف في المواقف لم يعد خافياً، فالساحة التونسية تشهد انقساماً واضحاً في التضامن مع المعتقلين السياسيين"، مبيناً أن "مخلفات الصراعات الأيديولوجية أثرت كثيراً، وأصبح المطلوب في المسألة الديمقراطية العادية هو توفير الحد الأدنى من الحريات العامة والفردية".

مولدي الفاهم: الانقسام يخدم السلطة ويزيدها شراهة في التخلص من جميع المعارضين

وتعاني الساحة السياسية، وفق مولدي الفاهم، "من هذه الانقسامات، كما أن هناك اختلافاً بين مكونات الشبكة التونسية للحريات، وجبهة الخلاص"، موضحاً أنه "في الوقت الذي يجب توحيد الجهود وضمان الحد الأدنى المطلوب من التضامن، هناك انقسام". في المقابل، يشير إلى أن "جبهة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي تكونت في سنة 2005 ضد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، كان لها السبق في توحيد الساحة السياسية رغم الاختلاف الشديد، بعد أن راكمت النضالات ووحّدت الساحة السياسية، وجمعت الخصوم على الحد الأدنى المطلوب، ما ضمن تضافر الجهود حينها".

أما المطلوب في ظل جدل التضامن مع المعتقلين في تونس والانقسام حوله، وفق مولدي الفاهم "هو ضمان الحد الأدنى من الجهد، خصوصاً في ظل المحاكمات السياسية التي يتعرض لها عديد النشطاء والمدونين والسياسيين"، إذ "لم تستثنِ السلطة أي انتماء في ظل شراسة غير مسبوقة واستهداف لكل معارضيها، معتبراً أن "هذا الانقسام في الحقيقة يخدم السلطة ويزيدها شراهة في التخلص من الجميع (المعارضين)". ويرى أن "الديمقراطية لا تعني السكوت عن ظلم المنافسين"، مشيراً إلى أنه "طالما لم تتخلص الساحة السياسية من هذه الانقسامات فستظل المعاناة مستمرة للعائلات وللمناضلين". ويضيف أنه "لا يمكن التضامن حسب الانتماء وكأن النخب السياسية في تونس لم تستبطن (معنى) الديمقراطية ولا الدفاع عنها، ما يجعل الخطر يتربص بالجميع".

الأمين البوعزيزي:  هناك برود في التعاطف مع النهضويين والإسلاميين عموماً

من جهته، يقول الناشط السياسي والحقوقي، الأمين البوعزيزي، إن "المدافع عن الحرية لا يمكن أن يستثني أحداً حتى لو كان خصمه"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الدور آتٍ على الجميع، ومن يفرح اليوم لسجن خصمه، فدوره قادم". ويذكر في هذا الإطار أن "موسي كانت ممن هللوا لـ25 يوليو (إجراءات الرئيس قيس سعيّد عام 2021 بما يشمل حل البرلمان ومجلس القضاء الأعلى ولاحقاً تغيير الدستور عام 2014)، وهللت لسجن خصومها من حركة النهضة، إلى أن جاء الدور عليها فسُجنت". الدفاع عن قضية أو التضامن مع خصم ما، وفق البوعزيزي "لا يعني أن تكون معه، بل لا بد من الاختلاف ومن مساحات للصراع السياسي والفكري"، لكنه يقول إن "هناك بروداً في التعاطف مع النهضويين والإسلاميين عموماً، وكأن هناك خجلاً وتردداً في هذا التعاطف".

ويشير إلى بعض الشخصيات التي قد تعبّر عن تضامنها من دون تحفظ، مثل "رئيس جبهة الخلاص الوطني، نجيب الشابي، الذي يدافع مثلاً عن عبير موسي، رغم أنها من ألد خصومه، ورغم اختلافه الكبير معها، ومثل الرئيس السابق المنصف المرزوقي". فهؤلاء وفق البوعزيزي "يعتبرون أن الحرية لا تتجزأ، ولا يستثنون أحداً حتى لو كان من ألد خصومهم، بينما عديد الشخصيات الأخرى تخشى التعبير عن تضامنها، وكأنها تخشى النقد والترهيب الذي سيطاولها، وسرعان ما نراهم يتراجعون"، معتبراً أنه "في النهاية المستفيد هو الاستبداد الذي يحكم".

نجلاء قدية: الاختلاف مع "النهضة" هو اختلاف معها كحركة وكفكر وأداء

أما القيادية في حزب القطب نجلاء قدية، فترى أن "هناك موقفاً من النهضة نظراً لأداء الحركة طيلة السنوات العشر التي تلت الثورة (2010)"، موضحة في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "رغم ذلك وعلى مستوى مكونات الشبكة التونسية للحقوق والحريات فقد تم الاتفاق ومنذ البداية على أن الحريات لا تتجزأ، وأنه لا وجود لتفرقة، والدفاع عن أي مظلوم مهما كان انتماؤه". مع ذلك تقول قدية "إنهم لا يلتقون مع النهضة في الشارع، ولا في اجتماعات ولا يتم التنسيق معها"، مشيرة على أنه "في صورة وجود تظاهرة فالكل من حقه التعبير لأن الشارع يتسع للجميع، لكن لا يمكن التنسيق أو الالتقاء معاً لاعتبارات فكرية وأيديولوجية". وتوضح أن "هذا الاختلاف هو اختلاف مع النهضة كحركة وكفكر وأداء، لأنه لا يمكن نسيان ما حصل في البرلمان ولا الاغتيالات السياسية"، مشيرة إلى أنهم (الشبكة) "مع المحاسبة القضائية ولكن ليس مع الطريقة الحالية، أي السجون والحرمان من الحقوق والحريات".

المساهمون