الانضباط الذي أسقط الأسد

08 ديسمبر 2024
احتفالات فصائل المعارضة في مدينة حماة، 6 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أظهرت فصائل "ردع العدوان" بقيادة أبو محمد الجولاني انضباطاً غير مسبوق، حيث حرصت على تقديم صورة إيجابية أمام سكان المدن السورية الكبرى، مما قلل من الخسائر البشرية والمادية ومنع الصدامات.
- شكلت السيطرة على مدينة حلب تحدياً كبيراً، لكن الانضباط والتعامل الإيجابي مع السكان ساهم في تغيير المواقف الدولية لصالح المعارضة، مما عزز الثقة بضرورة التخلص من النظام السوري.
- الانهيار غير المتوقع لقوات النظام وقصفه للمدنيين، مقابل تسامح المعارضة، أدى إلى ترحيب المناطق المتنوعة عرقياً ودينياً بالمعارضة، مما ساهم في رفع الغطاء الدولي عن النظام.

أظهرت فصائل عملية ردع العدوان المعارضة في سورية، بقيادة قائد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني، انضباطاً غير مسبوق، سواء على مستوى التزام الأفراد بتعليمات قادتهم أو على مستوى الحرص الشديد على إظهار أنفسهم بأحسن صورة أمام سكان المناطق التي دخلوا إليها، خصوصاً سكان المدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة. بالإضافة إلى الرسائل التطمينية التي وجهت إلى جميع مكونات الشعب، والتي ترافقت مع تكتيك استوعب الجميع وسمح بالانسحاب لمن يريد، سواء من عناصر قوات النظام أو الشبيحة وعائلاتهم، الأمر الذي جعل الخسائر البشرية والمادية في الحدود الدنيا، ومنع أي صدام داخل المدن.

وشكّلت طريقة التعاطي مع سكان مدينة حلب التحدي الأكبر لفصائل "ردع العدوان"، كونها أول مدينة كبيرة تسيطر عليها المعارضة، وأكبر المدن السورية سكاناً وأكثرها تنوعاً عرقياً وطائفياً ودينياً لناحية المكونات، إضافة إلى التنوّع الثقافي الكبير في تلك المدينة العريقة. وكانت تحرّكات فصائل المعارضة ضمن مدينة حلب تحت مجهر المجتمع الدولي بأسره، ومنظمات المجتمع المدني الدولية، منذ اللحظة الأولى لدخول تلك الفصائل المدينة، إذ فوجئ الجميع بالسرعة التي دخلت فيها الفصائل للمدينة، فيما كانت هناك مخاوف من حدوث صدامات يمكن أن تؤدي إلى مجازر، ومخاوف من انتهاكات بحق السكان. إلّا أن الإشارات الإيجابية التي نقلتها التقارير الغربية عن انضباط فصائل المعارضة وطريقة تعاطيهم مع السكان، كانت من الأسباب المهمة، إن لم تكن الأهم، في تغير المواقف الدولية إيجابياً تجاه تلك العملية.

ومما عزّز ثقة المجتمع الدولي بوجوب استكمال هذه العملية والتخلّص من النظام السوري، هو الانهيار الكبير وغير المتوقع لقواته أمام فصائل المعارضة من ناحية، وقصفه للمدنيين في المناطق التي كان ينسحب منها فور انسحابه. الأمر الذي أظهر للعالم مقارنة بين طرفين، الأول يقصف المدنيين في مناطق كانت تحت سيطرته قبل ساعات، فيما الثاني يستوعب الجميع ويغفر لمن حملوا في وجهه السلاح مجرد أن يسلموا أنفسهم. كذلك ساهم الانضباط الذي أبدته المعارضة بترحيب العديد من المناطق التي تسكنها أقليات دينية أو عرقية بدخول المعارضة إليها حتى قبل وصولها إلى تلك المناطق، ما خفف كثيراً من عبء صدامات كان من الممكن أن تؤدي إلى خسائر كارثية. وتحوّل المشهد إلى حفلات استقبال لفصائل المعارضة، الأمر الذي ساهم بشكل تدريجي في التعاطي الدولي بإيجابية معها وببدء رفع الغطاء الدولي عن النظام، تمهيداً لإسقاطه والتخلص من أكثر الأنظمة إجراماً في العصر الحديث.

المساهمون