لم تكد تصدر لجنةٌ شكّلتها غرفة عمليات "عزم" التابعة للجيش الوطني السوري المعارض، للنظر في انتهاكات فصيل "سليمان شاه" في ريف عفرين، شمال غربي سورية، إدانتها لمتزعمي هذا الفصيل، في فبراير/شباط الماضي، حتى قتل مدني في الشهر ذاته، تحت التعذيب، على يد مجموعة تتبع "فيلق الشام"، أبرز فصائل المعارضة السورية.
وعلى الرغم من أن "فيلق الشام"، أحال مرتكبي هذا الفعل في ريف عفرين أيضاً، إلى لجنة تحقيق، أواخر فبراير، إلا أن هذه الجريمة أكدت أن ملف الانتهاكات واسعة النطاق بحق المدنيين، لم يغلق بعد في المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام".
ويتحدر القتيل على يد "فيلق الشام"، من ريف حماة، وكان يعمل تاجر سيارات في مكان إقامته في بلدة جنديرس بريف عفرين، التي كان نزح إليها عقب سيطرة النظام السوري على بلدته في ريف حماة. واعتقلت مجموعة أمنية تابعة لـ"فيلق الشام"، الرجل، الخميس الماضي، وأعادته إلى مشفى عفرين قتيلاً وعلى جثته آثار تعذيب وُصفت بـ"الوحشية".
وهذه هي ليست المرة الأولى التي تقتل فيها مجموعات أمنية تابعة لـ"فيلق الشام" مدنيين تحت التعذيب، حيث كان قتل شاب نازح يتحدر من منطقة القصير بريف حمص الغربي على يد مجموعة تابعة لهذا الفيلق مطلع عام 2019 في عفرين.
تتعدد الانتهاكات من اعتقال للشبهة إلى فرض إتاوات إلى السطو على ممتلكات، وصولاً للقتل تحت التعذيب
ويُنظر إلى فصيل "فيلق الشام" الذي شُكّل في عام 2014 بعد اتحاد نحو 20 فصيلاً ذات صبغة إسلامية، على أنه الذراع العسكرية لحركة الإخوان المسلمين في سورية. ويتمركز الفيلق في بعض المناطق في محافظة إدلب، إضافة إلى منطقتي "غصن الزيتون" و"درع الفرات" (نسبة إلى العمليتين التركيتين في الشمال السوري)، وهو من الفصائل المنخرطة في مباحثات مسار أستانة.
انتهاكات متعددة في مناطق المعارضة السورية
وتتعدد هذه الانتهاكات من قبل مجموعات محسوبة على فصائل المعارضة السورية، من اعتقال للشبهة إلى فرض إتاوات على أصحاب المحال التجارية، إلى السطو على ممتلكات. وتصل هذه الانتهاكات، إلى حد القتل تحت التعذيب، كما حدث منذ أيام على يد المجموعة التابعة لـ"الفيلق".
وكانت لجنة ثلاثية شكّلتها غرفة عمليات "عزم" التابعة للجيش الوطني المعارض، دانت الشهر الماضي، متزعم فصيل "سليمان شاه"، محمد الجاسم الملقب "أبو عمشة"، مع عدد من معاونيه، والمسيطر على منطقة الشيخ حديد في عفرين. وأصدرت اللجنة قراراً بنفي الجاسم "مدة عامين هجريين" إلى خارج منطقة عمليات "غصن الزيتون" (عفرين وريفها).
ومارس هذا الفصيل انتهاكات واسعة النطاق بحق سكّان منطقة الشيخ حديد من أهال ونازحين، منذ سيطرة فصائل المعارضة السورية على عموم منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية مطلع عام 2018. وتراوحت هذه الانتهاكات ما بين جمع إتاوات ومقاسمة الناس محاصيلهم، وخصوصاً محصول الزيتون الذي تشتهر به عفرين، والاستيلاء على الأراضي، وكيل اتهامات باطلة أبرزها الاتهام بالتعاون مع "الوحدات" الكردية، للحصول على أموال من المتهمين.
ولم تكن الانتهاكات حكراً على هذا الفصيل، بل مارست فصائل أخرى متعددة، منها فصيل "أحرار الشرقية" الانتهاكات ذاتها في كل المناطق التي تسيطر عليها في شمال سورية، وهي: منطقة غصن الزيتون، ودرع الفرات (ريف حلب الشمالي)، ونبع السلام (تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي).
وحاول الجيش الوطني السوري مرّات عدة، ضبط الأمن ومنع التجاوزات والعبث بأمن المدنيين من خلال مجموعات خارجة عن القانون، إلا أنه فشل في ذلك. ونتيجة الفلتان الأمني، وجدت جهات عدة منافذ لها لإرسال سيارات مفخخة تفجرت في العديد من المدن والبلدات ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين، أقساها التفجير الذي ضرب عفرين في إبريل/نيسان 2020، وأدى الى مقتل وإصابة أكثر من مائة مدني.
لجنة ردّ المظالم: الوضع أفضل
وكانت تشكلت أواخر العام الماضي، لجنة "رد المظالم" بدعم من المجلس الإسلامي، ومن فصائل الجيش الوطني، والتي نظرت منذ تشكيلها بمئات الدعاوى المقدمة إليها من السكّان، وأعادت إلى عدد كبير منهم أملاكهم، وفق مصادر من داخل اللجنة. كما حلّت اللجنة العديد من النزاعات حول منازل ومحال تجارية ومنعت فرض الضرائب على المواطنين.
غزوان قرنفل: السبيل الوحيد للحل إعادة بناء المنظومة العسكرية تحت سلطة الحكومة المؤقتة
وتعليقاً على مقتل مدني على يد مجموعة "فيلق الشام" قال المتحدث باسم اللجنة، وسام القسوم، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تعذيب أي إنسان بهذه الطريقة الوحشية مرفوض ثورياً وأخلاقياً ودينياً". وأضاف: "نحن في اللجنة المشتركة لرد الحقوق قمنا مباشرة بالتدخل وأسهمنا بتوقيف المشاركين بجريمة التعذيب وإحالتهم إلى الشرطة العسكرية لتقديمهم للقضاء، وما زلنا على تواصل مع الجهات المعنية من أجل محاسبة كل من يثبت تورطه بهذه الجريمة".
وأقرّ القسوم بأن الوضع الأمني في المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية "دون المأمول"، مستدركاً بقوله إن "الوضع حالياً أفضل من ذي قبل، بسبب وجود جهات رقابية متعددة تحاسب المعتدين".
واعتبر أنه "حتى نصل إلى وضع أمني مستقر، فإننا نحتاج إلى مزيد من الوقت كوننا لا نزال نعيش في آثار الحرب. المنطقة لا تزال تتعرض لحملات قصف متكررة، سواء من قبل قوات النظام أو الأحزاب الانفصالية"، (في إشارة إلى "قوات سورية الديمقراطية" - قسد).
من جهته، رأى نقيب المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن لجنة ردّ المظالم "غير قادرة على تحقيق أثر ملموس في ما يتعلق بجرائم وانتهاكات مليشيات الجيش الوطني بحق المدنيين والسطو على ممتلكاتهم". وبرأيه، فإن القرار "هو لحملة السلاح الذين يتخذوا منه حصانة لأفعالهم وجرائمهم".
وحول السبل الأفضل للحد من الانتهاكات في مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية، اعتبر قرنفل أن "السبيل الوحيد لحل جذري، يكون بإعادة بناء المنظومة العسكرية وفق تراتبية إدارية وعسكرية صرفة، وأن تكون تحت سلطان الحكومة المؤقتة (تابعة للائتلاف الوطني السوري) ومسؤوليتها".
وشدّد على أنه "لا يجوز أن تعمل المؤسسات والمجالس والهيئات في الشمال السوري من دون أن تكون تحت سلطة ورقابة الحكومة المؤقتة"، داعياً إلى "دعم المؤسسة القضائية بالضابطة العدلية وحماية استقلال عملها وقرارها بعد إخراج المنتمين للجيش الوطني خارج المدن والبلدات، أما دون ذلك، فلا يمكن ضبط الأوضاع في تلك المناطق".