الانتخابات النيابية في لبنان: معركة تثبيت أحجام

الانتخابات النيابية في لبنان: معركة تثبيت أحجام بين قوى السلطة والمجموعات المدنية

15 مايو 2022
يُسجل تبدل نسبي في المزاج العام للناخب بفعل الأزمة الاقتصادية (حسين بيضون)
+ الخط -

تُجرى اليوم الأحد الانتخابات النيابية في لبنان على مستوى 15 دائرة، تختلف بتلاوينها السياسية والطائفية، وحساباتها الانتخابية، التي تعدّ في هذا الاستحقاق غامضة، نظراً لظروف استجدّت قد تقلب المعادلة وتفرز مفاجآت.

وأبرز هذه الظروف ضبابية موقف الناخب المنتمي إلى "تيار المستقبل"، بعدما اختار زعيمه سعد الحريري مقاطعة الانتخابات للمرة الأولى، في موازاة ارتفاع حدة الخطابات الدينية والسياسية لدعوة الطائفة السُنية للمشاركة الكثيفة في العملية الانتخابية حتى وصل الأمر إلى تخوين المقاطعين لترهيبهم.

كذلك، يُسجَّل تبدلٌ نسبي في المزاج العام للناخب في لبنان بفعل الأزمة الاقتصادية التي طرقت باب جميع الطبقات الاجتماعية، وسرقة ودائع الناس، و"انتفاضة 17 تشرين" (17 أكتوبر/تشرين الأول 2019)، وانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020.


ظهرت حماسة المجموعات المدنية على الانخراط في المعركة

في موازاة ذلك، ظهرت حماسة المجموعات المدنية للانخراط في المعركة رغم تشتتها، إضافة إلى أصوات المغتربين، التي أربكت المنظومة بدعمها لوائح المستقلين وفق استطلاعات للرأي، وهي عوامل من شأنها أن تتيح بظهور كتلة نيابية لا بأس بها للمستقلين في البرلمان المؤلف من 128 نائباً. وتجرى الانتخابات على أساس النظام النسبي. ويقسم لبنان إلى 15 دائرة، ويكون الاقتراع عاماً وسرياً ولمرة واحدة، وتجرى الانتخابات في يوم واحد. واعتمد قانون 2017 الصوت التفضيلي، وطبق للمرة الأولى في دورة 2018، الأمر الذي أدخل التنافس إلى اللائحة الواحدة، وبين المرشحين الحلفاء لا فقط الخصوم.

وضع "التيار الوطني" وباسيل بخطر

وفي وقت يعتبر "حزب الله" من أبرز المستفيدين من مقاطعة "تيار المستقبل" للاستحقاق، إلا أن وضع حليفه الأبرز، التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل (صهر الرئيس ميشال عون)، يعدّ في خطر، سواء باسيل شخصياً، في ما يعتبره "معقله" البترون شمالاً أو حزبه المتوقع أن يتراجع عدد نوابه في الكتلة. 

ويأتي ذلك في ظل منافسة شرسة ستكون مع غريمه حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، الذي يبني حملته الانتخابية على إسقاط باسيل، والوقوف بوجه "حزب الله" و"الاحتلال الإيراني" كما يصفه. 

وتتجه الأنظار إلى طامحين من داخل السلطة السياسية التي تسعى لقلب المعادلة، وانتزاع الأكثرية من "حزب الله" وحلفائه، وأبرزهم "القوات اللبنانية"، ورئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة الذي خرج من عباءة الحريري، واختار دعم عدد من اللوائح، وخوض تحالف مع "القوات" رغم الخلاف الكبير بينها وبين الحريري. 

وتحاول "القوات" بدورها استمالة الأصوات السُنية لصالحها لكسب عدد أكبر من المقاعد. وهو الأمر الذي تقوم به أيضاً شخصيات سياسية تسعى لتثبيت نفسها، مثل الوزير الأسبق أشرف ريفي، وفؤاد مخزومي، وآخرين.

في جولة على الخريطة الانتخابية، تتنافس اليوم 103 لوائح، العدد الأكبر منها في دائرة الشمال الثانية (طرابلس – الضنية – المنية) التي رست على 11 لائحة، والتي تعدّ من الدوائر التي ستشهد معركة قوية، غير محسومة النتائج. 

وقد تشهد مفاجآت فيما لو اختار الناخب "المستقبلي" الاقتراع. وتعود النسبة الأكبر من هذه اللوائح للمجموعات المدنية، التي تشتتت في غالبية الدوائر الانتخابية، باستثناء دائرتي الجنوب الثانية والثالثة، حيث اتحدث بلائحة واحدة بوجه الثنائي "حزب الله" و"حركة أمل" (بزعامة نبيه بري) ما يرفع من حظوظ خرقها أحد المقاعد، رغم أن المعركة غير متكافئة من حيث الموارد المالية والبشرية والماكينات الانتخابية، عدا الضغوط التي مارسها الثنائي في معاقله وخطابات الترهيب والتجييش للتأثير على الناخب من الطائفة الشيعية.

أما أحزاب السلطة فاختارت تحالفات هجينة مصلحية تبعاً لمتطلبات القانون الانتخابي النسبي، الذي يقوم على الحاصل الانتخابي والصوت التفضيلي. وحتى أنها تحالفت في دوائر، واختارت التنافس في أخرى.

التنافس على الأحجام

مع الإشارة إلى أن كل الدوائر مرتقب أن تقع فيها معارك محتدمة، باعتبار أن التنافس اليوم هو على الأحجام، ولا سيما "حزب الله" الذي يريد أن يُظهِر أن لديه تمثيلا شعبيا وازنا، وهو مكوّن أساسي في البلاد، كما حال الحزبين المسيحيين، "القوات" و"التيار"، اللذين يخوضان معركة رئاسة الجمهورية مبكراً والحصول على كتلة نيابية وازنة من شأنها أن تعزز حظوظهما، ولو أن اختيار الرئيس دائماً ما يكون بالتسويات. مع العلم أن ولاية الرئيس الحالي ميشال عون تنتهي في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ويقول الكاتب السياسي رضوان عقيل، لـ"العربي الجديد"، إن التنافس في هذه الدورة يصبّ أكثر في الدوائر المسيحية، خصوصاً في دائرة الشمال الثالثة (البترون – بشري – الكورة – زغرتا)، ودوائر المتن وبعبدا وجبل لبنان حيث سنشهد حماسة أكثر، خصوصاً أن هناك سباقاً بين "القوات" و"الوطني الحر "على الموقع المسيحي الأول، لما لذلك من اعتبارات في الخريطة البرلمانية ورئاسة الجمهورية، مع العلم أن الأرقام متقاربة بين الطرفَيْن، و"التيار" سيستفيد من تعاونه مع "حزب الله" للحصول على مقاعد نيابية أكثر.

أما في الدوائر حيث الغالبية الشيعية، فيرى عقيل أن النتائج شبه معروفة، سواء في الجنوب الثانية (قرى صيدا والزهراني وصور)، أو الثالثة (بنت جبيل والنبطية ومرجعيون وحاصبيا)، وبعلبك الهرمل، وكذلك في البيئة الدرزية.

ويشير إلى أن السؤال الأكبر يبقى في كيفية تعاطي الناخبين السُنة مع الاستحقاق، وبتقديري أنه رغم كل الدعوات التي وجهت إليهم من أئمة المساجد ودار الفتوى والشخصيات السياسية لأوسع مشاركة، فبحسب مراقبتي لن نصل إلى أرقام كبيرة لمشاركة الطائفة، خصوصاً في المدن، بيروت، وطرابلس وصيدا، بينما في البقاع وعكار سنشهد رقماً أكبر لاعتبارات عائلية، فضلاً عن وجوه نيابية مرشحة في عكار تمثل هذه البيئة، مع العلم أن الضغوط التي مورست أخيراً على الحريري قد تدفع الجزء الأكبر من قواعده لعدم التوجه إلى صناديق الاقتراع. 

ويشير عقيل إلى أن أكثر الفرقاء من القوى السياسية والحزبية والشخصيات والعائلات يتعاطون مع هذا الاستحقاق من باب حجز أكبر عدد من المقاعد، بالوقت الذي يغرق فيه الشعب اللبناني بأزمات اقتصادية واجتماعية جمّة. 

ويلفت إلى أن هذه الدورة من أسوأ الدورات الانتخابية في لبنان، أقلّه من عام 1992، نظراً إلى وجود عامل المال وشراء الأصوات في أكثر من دائرة، وقيام جهات باستغلال أوجاع اللبنانيين وضائقتهم الاقتصادية، وعدم حصولهم على ودائعهم في المصارف. وهذا عامل أساسي يتم استعماله بغية الضغط. ويوضح أنه من هنا نرى أكثر من قواعد انتخابية همّها كيف تُحصّل المال وفتات من الدولارات بغية بيع أصواتها، وهو ما لن يؤدي إلى إيصال نواب حقيقيين جديرين إلى الندوة البرلمانية.

لا حماسة في بيروت للمشاركة بالانتخابات

وفي جولة لـ"العربي الجديد" في الطريق الجديدة في بيروت، لوحِظ عدم حماسة الناخبين في المشاركة بالعملية الانتخابية اليوم، خصوصاً المنتمين إلى "تيار المستقبل". ويؤكد أكثر من شخص أنه يلتزم بالمقاطعة انسجاماً مع موقف الحريري، كونه هو الممثل الوحيد لهم في الطائفة، كما أنهم يفقدون الثقة بأي شخصية سياسية أخرى. 


يعتبر وضع "التيار الوطني الحر" ورئيسه جبران باسيل في خطر 

في المقابل، لا يوافق آخرون على خيار المقاطعة لأن "هذا حق ديمقراطي يرفض أن يسلبه أحد منه" كما يقول أحدهم، مشيراً إلى أن هذا الحق هو الوحيد المتبقي لديه بعدما سلبوا منه كل حقوقه وهجروا أولاده. لكنه فضّل عدم البوح باللائحة التي سيقترع لها. 

ومن الأمور التي يمكن ملاحظتها خلال الجولة في بيروت، أن الكثير من المواطنين يريدون التغيير والتصويت للوائح مجموعات مدنية، خصوصاً لامتعاضهم من السلطة بعد انفجار مرفأ بيروت، وما اعتُبِر استفزازاً بالنسبة إليهم بترشيح نائبي حركة "أمل"، المتهمين في قضية الانفجار، علي حسن خليل الصادرة بحقه مذكرة توقيف غيابية، وغازي زعيتر، لكنهم لا يعرفون عنها شيئاً وضائعون في الاختيار مع تشتت المجموعات بلوائح عدّة.

"السلاح" عنوان أساسي بالانتخابات

من جهة ثانية، يقول عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني عمران فوعاني، لـ"العربي الجديد"، إن ما يميّز انتخابات 2022 هو عنوان "السلاح" المرفوع من طرفي السلطة بهدف شدّ العصب الطائفي قدر الإمكان، والشعارات المُستخدَمة سواء المطالبة بنزعه أو حمايته. 

ويلفت إلى أن موضوع السلاح غطّى على الهموم المعيشية والاقتصادية، والفساد والانهيار المالي والنقدي، والوضع المعيشي المتردّي وانفجار مرفأ بيروت، وغيرها من الملفات التي تتّصل بالمواطن. 

ويعتبر أن هذه عدّة شغل القوى السياسية، التي هي، في النهاية، وجهان لعملة واحدة، وإن لم يكن لأي طرف نقيض لأوجده، سعياً لشدّ العصب الطائفي واستقطاب أصوات الناخبين، لا سيما الذين كانوا قرّروا المقاطعة لعدم ثقتهم بالأحزاب المسؤولة عن إيصالهم إلى جهنّم. 

معركة 2022 تختلف عن انتخابات 2018، يقول فوعاني، فمنذ الاستحقاق الماضي حتى اليوم مرّت البلاد بأزمات كثيرة، ولو أنها كانت امتداداً لسنوات سبقت عام 2018. 

ويوضح أن أبرزها التغييرات الكثيرة التي حدثت بعد 17 أكتوبر 2019، سواء على صعيد الانهيار الذي أصاب الدولة ومؤسساتها، وضرب النقد والاقتصاد والمعيشة وشلّ البلد، في مشهد ترافق مع انتفاضة جابت كل الأراضي والمناطق اللبنانية وشملت جميع الطوائف، وخرجت لمواجهة السلطة.

تفصيل القوانين على قياس السلطة

ويشير إلى أن الانتفاضة خرجت تحت شعار إسقاط المنظومة الطائفية وبناء الدولة العلمانية الديمقراطية واستقلالية القضاء واستعادة الأموال المنهوبة وغيرها من العناوين، التي من الطبيعي أن تترجم في صناديق الاقتراع، ولو أن القوانين الانتخابية لطالما فصّلت على قياس السلطة، بغية إعادة إنتاج نفسها، بالتكافل والتضامن بين أطرافها، فإنتاج حكومة شاملة تبقي سلطتها على الدولة ومؤسساتها. 

ويرى أن "تأثيرات انتفاضة 17 تشرين ظهرت في انتخابات 2022، ولو أن بعض القوى التغييرية، على تنوّعها، تشتّتت في لوائح عدة ضمن الدائرة الواحدة، إذ خرجت كقوّة لخوض الاستحقاق بمواجهة جميع الأحزاب، وأحدثت ديناميكية جديدة لم تعهدها الانتخابات الماضية فأعطت هذه الدورة نكهة خاصة".

في المقابل، يشير فوعاني إلى أن الخروقات من قبل المجتمع المدني أو "القوى التغييرية" متوقعة واحتمالاتها كبيرة، خصوصاً أنّه بحسب المعطيات المتوفرة لدينا أصوات الاغتراب، التي تضاعفت في هذه الدورة 3 مرّات عن السابقة، وصبّت بنسبة تتراوح بين 50 و60 في المائة للوائح التغيير على مختلف تشكيلاتها، بحسب تقديرات غير رسمية، ما من شأنه أن يعطيها دعماً لتأمين الحاصل أو العتبة الانتخابية التي تمكنها من خرق لوائح السلطة في دوائر عدّة.

ويضيف فوعاني أن دائرة الجنوب الثالثة (بيت جبيل – النبطية ــ مرجعيون - حاصبيا) على سبيل المثال، انحصرت فيها المواجهة بين لائحتين، "معاً نحو التغيير"، ولائحة السلطة التي تمثل الثنائي "حزب الله" و"أمل". 

ويعتبر أن هذا الأمر عامل مهمّ لتأمين الأولى الحاصل وإحداث الخرق المنتظر، إضافة إلى عوامل عدة تصبّ في هذا الاتجاه، منها الامتعاض الشعبي من ممارسات قوى السلطة، بمختلف تلاوينها ونتائج سياساتها المالية والاقتصادية والنقدية، إلى جانب مقاطعة وعزوف القوى الأخرى عن تشكيل لوائح تسمح باكتساب أصوات إضافية تصب في مصلحة "معاً نحو التغيير"، إلى ترشح المصرفي مروان خير الدين بما يمثل من أصحاب المصارف المشاركين، إلى جانب القوى السلطوية، في تحمل المسؤولية عن الانهيار الحاصل والنقمة الشعبية عليهم.

انتخابياً، يجري الاستحقاق اليوم تحت أنظار مراقبين عرب وأوروبيين، بعد جولات ثلاث حصلت في أيام سابقة: انتخابات المغتربين التي سجلت نسبة اقتراع نحو 63 في المائة وسط حماسة الشبان الناخبين للتغيير، والموظفين الذين يشاركون في العملية الانتخابية، وقد بلغت نسبة اقتراعهم 84 في المائة. بيد أن المشاهدات وتقارير المراقبين لم تكن مطمئنة، وتدفع إلى التشكيك بشفافية ونزاهة العملية الانتخابية.


يرى رضوان عقيل أن السنّة لن يشاركوا بكثافة في الانتخابات

ويقول عضو الهيئة الإدارية في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات حسين مهدي، لـ"العربي الجديد"، إن الملاحظة الأساسية المشتركة بين الجولات الثلاث هي أن رؤساء الأقلام ليسوا على دراية كافية بآلية الاقتراع، وهذا الأمر ظهر كثيراً في انتخابات الموظفين، وهذا مؤشر خطير جداً، باعتبار أن هؤلاء الناخبين غير الملمين بالقانون الانتخابي هم رؤساء الأقلام والكتاب وهيئات القلم، الذين يناط بهم مساعدة الناس، وشرح آلية الاقتراع لهم والمخالفات التي عليهم ألا يقعوا بها.

ويشير مهدي إلى أننا وثقنا حالات ناخبين موظفين لا يعرفون أين يضعون علامة "أكس" أو الصح، وهذا يعود إلى أنهم لم يتلقوا التدريبات اللازمة من وزارة الداخلية، التي اكتفت بفيديو وتقرير "بي دي أف" PDF يشرح العملية، مع العلم أننا أبلغنا الوزير (الداخلية) بسام مولوي، بذلك وقال إنه سيأخذ بالملاحظات، لكن الوقت تأخر جداً.

خطورة هذه الواقعة، بحسب مهدي، أنها ستنعكس فوضى في مراكز الاقتراع، وسيستغل المندوبون هذا الأمر للسيطرة على رؤساء الأقلام. ومن المخالفات التي تم رصدها، العوازل المكشوفة، واستخدام الهاتف وتصوير النتيجة، في مخالفة لسرية الاقتراع، مع الإشارة إلى أن وزارة الداخلية منعت استخدام الهاتف وإلا سيلغى الصوت. كما أن المخالفات تتضمن الدعاية الانتخابية على صعيد المغتربين، والضغط عليهم، خصوصاً في فرنسا وبريطانيا وسيدني، بالنسبة إلى "القوات اللبنانية"، وفي ألمانيا على صعيد حركة "أمل" وغيرها من المخالفات التي تصب في خانة الضغط على الناخبين والتأثير على قرارهم. 

ويؤكد مهدي أن الكثير من المخالفات التي حصلت في العام 2018 من الصعب أن تتكرر اليوم، نظراً للرقابة اللبنانية والدولية والعربية، خصوصاً ما حصل في بيروت عندما ضاعت الصناديق، من هنا حرصنا هذه الدورة على أن نكون موجودين في لجان القيد العليا.

المساهمون