الانتخابات المغربية: هاجس العزوف يؤرق الأوساط السياسية

05 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
من الانتخابات المغربية في الرباط، 8 سبتمبر 2021 (جلال المرشدي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه المغرب تحديًا كبيرًا مع اقتراب انتخابات 2026 يتمثل في العزوف الانتخابي، مما يهدد شرعية العملية الديمقراطية ويعكس فقدان الثقة في العمل السياسي.
- أطلقت الأحزاب السياسية تحذيرات من العزوف، داعية إلى تعبئة واسعة، بينما تدرس وزارة الداخلية إصلاحات للمنظومة الانتخابية لتجنب تكرار سيناريو انتخابات 2007.
- يعزو الباحثون العزوف إلى انعدام الثقة في الأحزاب بسبب الوعود الكاذبة، مما يتطلب تحسين الأداء السياسي، مع محاولات لترشيح وجوه جديدة واستخدام التواصل الرقمي.

عاد هاجس العزوف عن المشاركة في الانتخابات المغربية لصيف 2026 ليلقي بظلاله على التحضير لها باعتباره التحدي الأكبر للأحزاب والدولة معاً، خصوصاً من جهة تهديده شرعية خامس انتخابات تجرى في عهد الملك محمد السادس، ولكونها مؤشراً بارزاً يعكس مدى ثقة المغاربة بالعمل السياسي. وتتكرر في كل محطة من الانتخابات المغربية مخاوف الفاعلين الحزبيين، وحتى في دوائر السلطة، من عزوف انتخابي كبير يضرّ بالعملية السياسية، لا سيما في ظل سياقٍ سياسي دقيق وصعب، يتسم بفقدان المواطن الثقة بالعملية السياسية والانتخابية، كما بالقوى السياسية المرتبطة بها. وقبل نحو سنة من موعد الانتخابات المغربية الرابعة منذ إقرار دستور "الربيع العربي" في عام 2011، يبقى إقناع الناخب المغربي بالذهاب إلى صناديق الاقتراع والتسجيل في اللوائح الانتخابية هاجساً يؤرق الأوساط السياسية في المغرب، وهو ما بدا واضحاً خلال الأيام الماضية من خلال توالي إطلاق أحزاب في الأغلبية، كما المعارضة، تحذيرات من خطر العزوف الانتخابي.

المشاركة في الانتخابات المغربية

في السياق، كان لافتاً إطلاق المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي، تحذيراً من العزوف الانتخابي، داعياً في بيان له، الأسبوع الماضي، إلى التعبئة الواسعة من أجل ضمان مشاركة كثيفة في الانتخابات المقبلة، ومؤكداً أن العزوف يشكل "خطراً على الديمقراطية، ويعد خسارة جماعية لا تعوضها النتائج أو المقاعد". وتأتي تلك التحذيرات والمخاوف بالتزامن مع دخول التحضير للتشريعيات المقبلة مرحلة شروع وزارة الداخلية في دراسة المقترحات والتصورات التي قدمتها، نهاية الشهر الماضي، الأحزاب السياسية لإصلاح المنظومة الانتخابية. ويصبّ ذلك في سياق ما اعتاد المشهد السياسي في البلاد أن يشهده عشية كل محطة انتخابية، عبر إطلاق مشاورات سياسية بين الأحزاب ووزارة الداخلية بهدف إنجاز تعديلات للقوانين والمقتضيات المؤطرة للانتخابات، من قبيل اللوائح الانتخابية العامة والتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع والتمويل وعدد أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).


عاطف الصالحي: أخطر شيء يهدد مستقبل البلاد هو العزوف عن المشاركة في الانتخابات

وتمثل الانتخابات المغربية المقبلة امتحاناً حقيقياً للدولة وللأحزاب، على اعتبار أن أي عزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع سيعيد إلى الأذهان سيناريو انتخابات العام 2007 التي شهدت تدني نسبة المشاركة إلى 37%، بواقع مشاركة 4 ملايين و700 ألف ناخب من أصل 15 مليوناً ونصف مليون من الناخبين. وهي النسبة التي شكلت عنواناً بارزاً لماً اعتبر مساراً تراجعياً مقلقاً، بعد أن كانت النسبة قد وصلت إلى 51.6% في انتخابات 2002 وقبلها في عام 1997، نسبة 85.30%. وبينما بدأ مؤشر المشاركة في الانتخابات المغربية في التعافي بشكل تدريجي في عام 2011 بنسبة مشاركة وصلت إلى 45.4%، إلا أن ذلك المؤشر عاد للتراجع قليلاً في تشريعيات 2016 مسجلاً 43%. ومع أن انتخابات سبتمبر/ أيلول 2021 شكلت نقطة تحول بارزة مع بلوغ نسبة المشاركة 50.35%، إلا أنه قبل نحو سنة من موعد تشريعيات 2026، يبقى إقناع الناخبين المغاربة، خصوصاً الشباب منهم، بالذهاب إلى صناديق الاقتراع والتسجيل في اللوائح الانتخابية هاجساً يؤرق الأوساط السياسية، لا سيما أن نسب التسجيل في اللوائح الانتخابية تراجعت من 30% سنة 2011 إلى 27% سنة 2021، قبل أن تتدنى إلى 20% فقط، وفق الأرقام التي أوردتها وزارة الداخلية في مارس/آذار 2024.

وبحسب الطالب المغربي عاطف الصالحي (23 عاماً)، فإن" قطاعات واسعة من الناخبين، خصوصاً الشباب، تتعامل بفتور شديد وعدم اكتراث مع الانتخابات المغربية المقبلة بسب الثقة المفقودة بالأحزاب، والوعود الكاذبة لمرشحيها، وتقديمهم مصلحتهم الشخصية على المصلحة العامة، وتزكية قيادة الأحزاب للفاسدين وأصحاب الشكارة (المال) والأميين". وأكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه "سيبقى وفياً لقرار عدم التسجيل في اللوائح الانتخابية والتصويت، في ظل استمرار السلوكات والأسباب نفسها التي لا تغري الشباب بالمشاركة". في المقابل، رأى محمد المغراوي أن "أخطر شيء يهدد مستقبل البلاد هو العزوف عن الممارسة السياسية والمشاركة في الانتخابات"، موضحاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه "من الواجب على الشباب الانخراط بقوة في الانتخابات المغربية واختيار من يمثلهم في البرلمان، حتى لا نترك قلة قليلة من الانتهازيين يتحكمون في مصير المغاربة".

انعدام ثقة الشباب

أما الباحثة شريفة لموير فذكرت، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن انعدام الثقة لدى المواطن المغربي والشباب على الخصوص هو المحرك الرئيسي للعزوف، معتبرة أن الدعوات الصادرة أخيراً من أجل مواجهة تلك الظاهرة تشكل أولوية للأحزاب التي تستعد للانتخابات المقبلة، لكونها تشكل تهديداً لرهانها وعامل إرباك لحساباتها. ورأت لموير أن العزوف عن المشاركة في الانتخابات المغربية هو في حد ذاته تعبير عن عدم الرضا لدى المواطنين عن أداء الأحزاب، وهو ما يجعل مواجهة تلك الظاهرة غير منفصلة عن تجويد الأداء السياسي للأحزاب السياسية داخل المؤسسات التشريعية.

من جهته، رأى الباحث حفيظ الزهري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك وعياً في الأوساط الحزبية بأن ظاهرة العزوف عن المشاركة ستكون قوية في الانتخابات المغربية المقبلة، إن لم يكن هناك تحرك من قبل الفاعل السياسي بشكل عام والسلطات، موضحاً أن الأحزاب التي تدق حالياً ناقوس الخطر واعية لما خلفته الحكومة الحالية من سياسات أضرت كثيراً بالمواطن المغربي، الذي قد يعتقد أنع بذهابه إلى مكاتب الاقتراع سيرتكب جريمة في حق نفسه وفي حق الوطن. وأعرب الزهري عن اعتقاده أن العزوف الانتخابي هو نتاج ممارسات غير ديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، معتبراً أنه "أصبحنا أمام مقاولات شبه عائلية متحكمة في كل التزكيات وفي هيئة التعيينات وحتى في المناصب العليا، ما يجعل المناضل الحزبي بعيداً عن نيله ما يستحق في مسيرته النضالية داخل التنظيم السياسي". واعتبر أن الأحزاب المغربية تعيش "هروباً للقاعدة الانتخابية إن لم نقل عزوفاً عن الممارسة الحزبية، ما سيؤثر لا محالة على نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة".


محمد شقير: هناك حرص من مختلف مكونات المشهد السياسي لتجنب سيناريو انتخابات 2007

في المقابل، لفت الباحث محمد شقير إلى أن "هناك حرصاً من مختلف مكونات المشهد السياسي لتنظيم انتخابات لا يعكر صفوها أي عزوف قد يضر بشرعيتها ومصداقيتها، وبالتالي، تجنب سيناريو انتخابات 2007". وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "هذا الحرص قد ينعكس في محاولة الأحزاب البحث عن ترشيح وجوه سياسية جديدة قد تجتذب الحياة الناخبة خصوصاً الجيل الانتخابي الجديد، واستخدام آليات التواصل الرقمي لإقناعها بضرورة المشاركة في الانتخابات المقبلة"، متوقعاً أن تتخذ حكومة عزيز أخنوش خلال السنة الأخيرة من ولايتها إجراءات ملموسة لصالح الفئات الشابة تقنعها بأهمية المشاركة الانتخابية. وفيما توجه أصابع الاتهام عشية كل محطة انتخابية في المغرب إلى الأحزاب بالوقوف وراء العزوف الانتخابي وتنامي الشكوك في جدوى العملية الانتخابية، قال القيادي في حزب العدالة والتنمية المعارض حسن حمورو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "أول من يتحمّل المسؤولية السلطة المنظمة الانتخابات من خلال طريقة تدبيرها لعلاقتها مع المواطنين خصوصاً على مستوى الحقوق والحريات وتدبيرها علاقات المواطنين بمختلف فئاتهم بعضهم مع بعض".

سبب لامبالاة المواطنين

وأوضح أنه "كلما استشعر المواطنون أن هناك تحيزاً من السلطة لصالح فئة محددة، قابلوا ذلك باللامبالاة السياسية والامتناع عن المشاركة في الانتخابات، وبالتالي، إحراج السلطة وخدش مشروعية النظام الانتخابي والسياسي". ولفت حمورو إلى أن "العزوف يرتبط بعوامل أخرى، منها التضييق على المؤسسات التي تفرزها الانتخابات، إما بعرقلة ممارستها اختصاصاتها أو سلبها هذه الاختصاصات، وكذلك مستوى دمقرطة النظام الانتخابي ومدى احترامه معايير النزاهة والشفافية، بحيث كلما كان هذا النظام يسمح بعكس الخريطة الحزبية والسياسية الحقيقية، استقطب المواطنين وحفزهم على المشاركة في الانتخابات، والعكس بالعكس". وقال حمورو إن اتهام الأحزاب بالتسبب في العزوف الانتخابي "فيه تجنٍ كبير، ويدخل في إطار الحرب القائمة عليها لتهميشها وإبعادها والضغط عليها لإفقادها استقلاليتها، لأنها تكاد تكون الحلقة الأضعف في الانتخابات رغم أنها المعني الأول بها". وتابع: "إذا كان لا بد من تحميلها (الأحزاب) المسؤولية في العزوف، فمسؤوليتها لاحقة، من خلال صمتها على تجاوزات السلطة والإدارة المشرفة على الانتخابات، أو التماهي معها أو ربما لعب دور وظيفي في محاصرة أحزاب أخرى، خصوصاً الأحزاب الجماهيرية الأيديولوجية".