الانتخابات المحلية الأردنية بلا نكهة سياسية

الانتخابات المحلية الأردنية بلا نكهة سياسية: غياب حزبي وتوقعات بمشاركة ضعيفة

22 مارس 2022
يهيمن البعد الخدمي والعشائري على انتخابات اليوم (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

ينتخب الأردنيون، اليوم الثلاثاء، ممثليهم في المجالس المحلية وفي مجالس المحافظات والمجالس البلدية ومجلس أمانة العاصمة عمّان وفق القانون الجديد الصادر في سبتمبر/أيلول الماضي، في ظلّ تنافس عشائري ومناطقي وفئوي، بلا نكهة سياسية حقيقية. 

ووفق الهيئة المستقلة للانتخابات، يبلغ عدد من يحق لهم الاقتراع أربعة ملايين و600 ألف و135 ناخباً وناخبة، فيما بلغ عدد المرشحين 4646 مرشحاً ومرشحة، يتنافسون على رئاسة 100 بلدية و1018 مقعداً لمجالس البلديات و289 مقعداً لمجالس المحافظات. 

ضعف المشاركة الحزبية في انتخابات الأردن

وفي مؤشر على ضعف المشاركة الحزبية في الانتخابات المحلية، فقد بلغ عدد المرشحين الحزبيين 74 مرشحاً ومرشحة من أصل 4646 مرشحاً، وهي نسبة لا تتجاوز 2 في المائة من العدد الإجمالي للمرشحين. وأعلن حزب "جبهة العمل الإسلامي"، أكبر الأحزاب الأردنية، في يناير/كانون الثاني الماضي، تعليق مشاركته في الانتخابات المرتقبة اليوم، ‏لما ‏اعتبره "تراكماً للممارسات السلبية من قبل الجانب الرسمي واستمرار نهج الإقصاء ‏والتضييق والاستهداف ‏السياسي، بما يقوض ‏البيئة المناسبة للمشاركة السياسية". 

يقاطع حزب "جبهة العمل الإسلامي"، أكبر الأحزاب الأردنية، الانتخابات المرتقبة اليوم

ويتوقع مراقبون ومختصون أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات قريبة من 30 في المائة، خصوصاً في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعمّق فقدان الثقة على مدار عقود في المؤسسات الانتخابية والرسمية وعملية الإصلاح السياسي. وقد لا يكون أدلّ على ذلك من العزوف عن المشاركة الذي سُجّل في الانتخابات النيابية (نوفمبر/تشرين الثاني 2020) والمحلية السابقة (2017). وبلغت نسبة الاقتراع النهائية 29.9 بالمائة في الانتخابات النيابية 2020، وهي أدنى نسبة تسجل بتاريخ الانتخابات النيابية، بينما سجلت نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات (اللامركزية) 31.7 في المائة في 2017.

سيطرة عشائرية ومناطقية

ويرى أستاذ القانون العام والإدارة المحلية في جامعة العلوم الإسلامية في الأردن حمدي قبيلات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجو العام المحيط بهذه الانتخابات المحلية لا يختلف عن الاستحقاق السابق الذي جرى في 15 أغسطس/آب 2017، فالقانون الجديد لم يحمل أي إضافات لتحفيز الناخبين. 

وحول الأبعاد السياسية لانتخابات اليوم، يشرح قبيلات أن "أي انتخابات تتضمن طابعاً سياسياً، فالانتخابات البلدية ومجالس المحافظات هي نوع من المشاركة السياسية وتجسيد للديمقراطية على المستوى المحلي، وتعزيز للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار". وذكّر بأن الكثير من رجال السياسة في العالم انطلقوا من المجالس المحلية، مثل الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، والرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وغيرهم. 

ويتوقع قبيلات أن تزيد نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية قليلاً عن الانتخابات البرلمانية السابقة والتي جاءت بحدود 30 في المائة، كونها انتخابات إقليمية، ويحمل الترشح لها أبعاداً عدة، منها الخدمي، إضافة إلى البعد العشائري المهيمن في الأردن، والذي لا علاقة له بالبعد الخدمي أو السياسي، إذ يتمّ الاختيار بشكل كبير على أساس الفرز العشائري المتجذر في الممارسات الانتخابية في البلاد.

ويلفت أستاذ القانون العام والإدارة المحلية إلى أن الدولة لم تتدخل خلال الفترة الماضية وهي تشاهد الفرز العشائري للمرشحين، ولذلك فإن النتائج لن تكون مفاجئة أو مختلفة عن الانتخابات الماضية. كما يشير إلى أن الانتخابات "هي في النهاية شأنٌ عام يتأثر بمزاج المواطنين، الذين يميلون من دون شك للعزوف عن المشاركة بالشأن العام نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والإحباط المتراكم لديهم خلال السنوات الأخيرة". 

وفي مقابل الحديث الرسمي في الأردن عن الإصلاح ودعم الشباب وتمكين المرأة، لم يرصد قبيلات نساء أو شباباً يتقدمون بشكل واضح للمشاركة في الانتخابات، إذ لم تترشح أي سيّدة لرئاسة بلدية مثلاً.

وبرأيه، فإن هذا يعني أنه في أول امتحان عملي لمخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية، بقيت المرأة على وضعها الحالي، ولا تترشح إلا للمنافسة على الكوتا، التي تشكل 25 في المائة بالمجالس المحلية. وتوقع ألا تحصل المرأة الأردنية في هذه الانتخابات حتى على ما حققته من نتائج في الانتخابات الماضية. ويختم قبيلات بقوله إنّ الانتخابات في الأردن هي استحقاق يُعاد كلّ أربع سنوات، وتكون مخرجاته ذاتها، وما يتغير هو أسماء المرشحين والفائزين فقط. 

يميل مزاج المواطن الأردني لعدم المشاركة بالشأن العام نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية المحبطة

بدوره، يلفت مدير مركز الحياة – راصد لمراقبة الانتخابات عامر بني عامر، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى المشاركة الحزبية المتواضعة في الانتخابات المحلية والتي هي أقل من التوقعات والطموحات، مشيراً إلى سيطرة العشائرية والمناطقية على هذا الاستحقاق. ويضيف أنّ أكثر من 31 حزباً أردنياً عجزوا عن تقديم مرشح واحد للانتخابات، ما يعني أن هذه الأحزاب غير فاعلة وغير موجودة على أرض الواقع. ويتساءل في هذا الصدد: "كيف لحزب لا يستطيع إفراز مرشح بلدية واحد، وليس الفوز بمقعد، أن يكون له أثر في عملية سياسية أكبر وأكثر أهمية؟". 

وبحسب دراسات أجراها المركز، كما يشرح بني عامر، فإن عدد الأحزاب التي رشّحت أعضاء لها للانتخابات المقبلة وصل إلى 24 حزباً من أصل 55 حزباً، ما يعني أن 57 في المائة من الأحزاب السياسية في الأردن ليس لديهم أي مرشحين أو مرشحات لاستحقاق اليوم. وبرأي بني عامر، فإنّ ضعف مشاركة الأحزاب في العملية الانتخابية يدلّل على ضرورة تعزيز الحياة الحزبية وتغيير النهج القائم، لأن مشاركة الأحزاب في أي عملية انتخابية تعطي مؤشراً على مدى قدرة الأحزاب على إنتاج قياديين سياسيين منتخبين على المستويين المحلي والوطني. 

أما لجهة الرقابة على الانتخابات، فإن ذلك يحصل، بحسب بني عامر، من قبل المجتمع المدني كجزء من قانون الهيئة المستقلة للانتخاب، ولم يعد عملاً تطوعياً تقوم الهيئة بالسماح به أو لا. وأشار إلى أنه سيكون لدى مركز "راصد" في يوم الانتخابات (اليوم) ألف مراقب ثابت ومائة فريق متحرك، يقومون بمراقبة الانتخابات في حوالي 49 في المائة من مراكز الاقتراع في المملكة، إضافة إلى وجود غرفة عمليات تتلقى الشكاوى وتقدّم تقارير متواصلة، وتعمل على إيصال الملاحظات والشكاوى إلى الهيئة المستقلة. 
وحول توقعاته لنسبة المشاركة في الانتخابات، يوضح بني عامر أنها اقتربت في إحدى الدراسات التي أجراها المركز قبل حوالي ستة أسابيع، من مشاركة 23 في المائة من الناخبين. في المقابل، بيّنت دراسة أخرى للمركز حول اتجاهات الشباب في التصويت، أجريت قبل أيام، أن المشاركة قد تصل إلى 29 في المائة.  

وفي هذا الخصوص، يلفت بني عامر أيضاً إلى دراسة أخرى أجراها المركز حول تفاعل الجمهور مع مرشحي انتخابات رئاسة البلديات على صفحات التواصل الاجتماعي. وبيّن أنه كان هناك حوالي 3 ملايين تفاعل مع هذه الصفحات، فيما بلغ عدد المعجبين بشكل مباشر 1.2 مليون معجب. ووفق ذلك، يرى أن جميع الدلائل تشير إلى أن نسبة المشاركة قد تكون كالمرة السابقة، والتي بلغت حوالي 30 في المائة.

ويؤكد المتحدث باسم الهيئة المستقلة للانتخاب محمد خير الرواشدة، لـ"العربي الجديد"، أن الهيئة جاهزة لإجراء الانتخابات، مشيراً إلى أنها "قامت بتغطية جميع المحافظات ومراكز الاقتراع بمتطلبات اليوم الانتخابي، منها جداول الناخبين موزعة على صناديق الاقتراع". كما تشمل الجاهزية، بحسب الرواشدة، مختلف جوانب العملية الانتخابية، مضيفاً أن "الهيئة جهّزت جميع مستلزمات ومتطلبات الاستحقاق، والتي شملت المواد الحسّاسة، والمتمثلة بكتيبات الاقتراع والحبر الخاص، وغير الحسّاسة من مستلزمات تتعلق بالعملية الانتخابية، كصناديق الاقتراع والقرطاسية وغيرها". 

وحول الرقابة على الانتخابات، يشير الرواشدة إلى وجود حوالي 3800 مراقب محلي وأجنبي، منهم من 8 مؤسسات دولية بعدد بلغ 81 مراقباً، كما أنّ حوالي 1200 صحافي من أكثر من مائة وسيلة إعلامية سيغطون الانتخابات، معتبراً أنّ الصحافيين مراقبون أيضاً، وستستقبل الهيئة ملاحظاتهم وأيّ شكاوى تتعلق بسير العملية الانتخابية.