الانتخابات العراقية: قوائم إبعاد المرشحين بواجهة قانونية وخلفيات إقصائية
استمع إلى الملخص
- أكدت مفوضية الانتخابات أن قرارات الاستبعاد تستند إلى تقارير رسمية وليست انتقائية، وهي قابلة للطعن قضائيًا، مع التنسيق لضمان نزاهة الانتخابات رغم الجدل حول دوافعها.
- يتوقع حضور قوي لمرشحي الفصائل المسلحة والأحزاب الدينية، حيث تُستخدم إجراءات المساءلة كأداة إقصاء سياسي، مما يعزز نفوذ القوى المسلحة في المشهد السياسي.
تزداد تباعاً أعداد الأسماء في قوائم المبعدين من المرشحين إلى الانتخابات العراقية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بموجب قرارات من مفوضية الانتخابات وهيئة المساءلة والعدالة، المسؤولة عن فحص سيَر المرشحين على المستويين الوظيفي والقانوني. وبحسب مصادر مسؤولة، فإن "قوائم جديدة ستصدر خلال الأيام المقبلة، تشمل مجموعات من المرشحين، كانوا محكومين بقضايا مخلة بالشرف وأخرى مرتبطة بانتماء لحزب البعث المنحل"، لكن مسؤولين آخرين وجدوا أن قرارات إبعاد كثيرة تقف خلفها ضغوط ومصالح وتحالفات سياسية لضرب خصوم سياسيين وأحزاب دون غيرها، الأمر الذي يدفع باستفادة واضحة لمرشحي قوائم الأجنحة السياسية التابعة للفصائل المسلحة.
جمانة الغلاي: قرارات الإبعاد قابلة للطعن أمام القضاء
قوائم الاستبعاد في الانتخابات العراقية
وتتصاعد التساؤلات بشأن قرارات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، باستبعاد أعداد كبيرة من المرشحين من قوائم الانتخابات العراقية قبل أشهر من الاستحقاق الانتخابي، خصوصاً أنها تبدو موجهة إلى خصوم محددين من دون المساس بمرشحين يتبعون الفصائل المسلحة في البلاد. وهو ما يؤشر إلى وجود دوافع سياسية خلفها، رغم أن المفوضية بررت قراراتها بأسباب تتعلق بمخالفة قواعد السلوك، وعدم استكمال الوثائق، وقضايا المساءلة والعدالة والفساد. مع ذلك، فإن الجدل لم ينته، بل زاد من مراقبين استغربوا تفعيل بعض أدوات المحاسبة والمراقبة والإبعاد في الانتخابات العراقية المقبلة، بصورة أكثر بكثير من محطات انتخابية سابقة.
وبحسب المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات العراقية، جمانة الغلاي، التي تحدثت لـ"العربي الجديد" فإن "إجراءات المفوضية وقراراتها ليست انتقامية أو انتقائية، بل تعتمد على بيانات وتقارير من جهات رسمية، من ضمنها وزارات التربية والتعليم والدفاع، وهيئات مثل الحشد الشعبي وجهاز المخابرات ومستشارية الأمن الوطني ومجلس القضاء ومديرية الأدلة الجنائية، وأن قرارات الإبعاد جاءت بعد تدقيق البيانات". وأضافت الغلاي أنّ "جميع قرارات الإبعاد لم تكن مقصودة ضد جهة معينة، وأن المفوضية لا تتأثر بالوضع السياسي، بل تعمل بالتنسيق مع أجهزة مختلفة من الدولة، وأن القرارات التي أعلنت أخيراً أو ما سيُعلن في وقت لاحق، قابلة للطعن أمام القضاء، وقد حدث مثل هذا الأمر في الانتخابات السابقة".
وبحسب أحدث بيان نشر على وكالة الأنباء العراقية واع يوم الأحد الماضي، فإن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، نشرت أسماء 253 مستبعدا من الانتخابات المقبلة، غالبيتهم من العاصمة بغداد ومحافظة نينوى وبعضهم من محافظة النجف وآخرون من صلاح الدين، فيما جرى استدعاء 400 آخرين للتحقق من شمولهم بقانون المساءلة والعدالة. وتوزعت أسباب إبعاد المرشحين ما بين جرائم السرقة والتجاوز وهدر المال العام، بالإضافة إلى الانتماء للبعث، ولكل الأحزاب بشكلٍ عام، لكنها تركزت عند أحزاب محددة، وكانت الأقل عند الأحزاب والكيانات التابعة للفصائل المسلحة. ووفق مصدر سياسي منتمٍ لتحالف "الإطار التنسيقي"، فإن "تفعيل اللجان المخصصة لمتابعة المرشحين للانتخابات ومراقبتهم وفحصهم أخذت خلال الأسابيع الماضية توجهاً صارماً، وتحديداً بعد تأكيدات نوري المالكي على ضرورة دعم هيئة المساءلة والعدالة وتحذيراته من صعود جيل جديد من البعثيين في الانتخابات العراقية المقبلة، ووجودهم في مؤسسات الدولة وفي مناصب مهمة، وهذا يُفسر قوائم إبعاد المرشحين التي قد لا تكون القائمتان الأخيرتان نهاية، بل قد تكون بداية لمراحل تصفيات هدفها الظاهر قانوني لكن ما خفي يرتبط بوجهات نظر وتوجهات سياسية بحتة".
وأكد السياسي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "التطور في هذا الملف مرتقب خلال الأيام المقبلة، وتحديداً بما يتعلق بشمول شخصيات سياسية بارزة قد تشكّل حالة صدمة للعراقيين". وأضاف المصدر أن "الأمر لن يقف عن حد إبعاد المرشحين عن الانتخابات، بل رفع الحصانة عن بعض النواب الحاليين من أجل محاسبتهم، وفي الحقيقة أن الغاية هي عقوبات انتخابية بدفع سياسي يقوده زعماء أحزاب كبيرة". واعتبر المصدر السياسي، أن "الانتخابات العراقية المقبلة ستؤدي إلى هزّات داخل الوضع السياسي سيتأثر بها وزراء ومسؤولون ونواب وقادة عسكريون، وهذا الأمر يساهم في إضعاف المشاركة الشعبية بالانتخابات وعدم الثقة بها، من جهة، وعمق الخلافات الداخلية في العراق من جهة ثانية، والمستفيدون هم المرشحون الذين يتبعون الأحزاب التي تمتلك فصائل مسلحة، لأنهم سيكونون على الأغلب خارج دائرة المحاسبة أو الشمول بقرارات الإبعاد والعزل".
محي الأنصاري: سيخوض مرشحو الفصائل والأحزاب الدينية الانتخابات بشكل غير مسبوق
مرشحو الفصائل والأحزاب الدينية
من جهته، بيَّن رئيس حراك "البيت العراقي" (حركة مدنية)، محي الأنصاري، أن "الانتخابات العراقية المقبلة مرشحة لأن تشهد حضوراً غير مسبوق لمرشحي الفصائل المسلحة والأحزاب الدينية لعدة أسباب، أبرزها أن إجراءات المساءلة والعدالة، التي كان يفترض أن تكون أداة للإنصاف التاريخي كما هو الحال في أي منظومة عدالة انتقالية، تحولت إلى أداة إقصاء سياسي تخدم أطرافًا بعينها على حساب مبدأ تكافؤ الفرص". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أحد أبرز الأسباب التي عطّلت إغلاق ملف المساءلة والعدالة هو وجود إرادة سياسية سنية، بتواطؤ شيعي، للإبقاء عليه، من أجل استخدامه في تصفيات سياسية داخل المكوّن السني نفسه، ومنحه ورقة ضغط وانفراد في تمثيل المشهد السني السياسي، وهو ما يصب في نهاية المطاف في مصلحة القوى المسلحة والأحزاب الدينية المهيمنة على السلطة في البلاد".
وكان زعيم حزب الدعوة الاسلامية، رئيس ائتلاف دولة القانون في العراق نوري المالكي، قد أصدر بياناً مطلع شهر أغسطس/آب الحالي، حذر فيه من محاولات إعادة حزب البعث أو التساهل مع رموزه. وأكد أن ذلك "يشكل تهديداً مباشراً لمسار الدولة الديمقراطية واستخفافاً بتضحيات العراقيين الذين قاوموا الاستبداد". وذكر في بيان أن "الدستور العراقي نصّ في المادة السابعة على حظر حزب البعث، ومنع رموزه من العودة إلى الحياة السياسية تحت أي مسمى أو عنوان، وأن الانتماء إلى هذا الحزب جريمة لا تسقط بالتقادم". يشار إلى أنّ رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني سبق أن طلب رسمياً من هيئة المساءلة والعدالة نقل ملفاتها إلى القضاء، في خطوة أولى لتنفيذ الاتفاق بحل الهيئة، إلا أن الطلب قوبل بالرفض من قبل رئيس الهيئة باسم البدري، ودعمته قوى من الإطار التنسيقي. وجاءت هذه الخطوة ضمن الاتفاقات والتفاهمات بين القوى الحاكمة في البلاد، ضمن ما يُعرف بائتلاف "إدارة الدولة"، وكان شرطاً من شروط تشكيل حكومة السوداني، أن تُحل هيئة المساءلة والعدالة وتحويلها إلى ملف قضائي.