الانتخابات العراقية... استدعاء العصبيات لتعويض غياب البرامج

19 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 04:15 (توقيت القدس)
خلال فرز الأصوات، بغداد 23 نوفمبر 2021 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد الانتخابات العراقية المقبلة تنافساً بين أكثر من 300 حزب، مع تصاعد الخطاب الطائفي والمناطقي، مما يعكس استمرار النهج التقليدي في السياسة العراقية.
- تعتمد الأحزاب على الولاءات القبلية والعشائرية بدلاً من تقديم برامج انتخابية حقيقية، مما يساهم في استمرار الانقسامات الطائفية والقبلية.
- يطالب الخبراء بتطوير برامج سياسية حقيقية وإشراك الشباب والفاعلين المدنيين، لتجاوز الممارسات التقليدية وتحقيق التنمية والاستقرار.

يتصاعد الاستقطاب السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية لاختيار برلمان جديد، إذ تتنافس مختلف القوى والكيانات السياسية بشكل حاد، وتشحذ الشارع بمختلف مكوناته لصالحها، مستخدمة الخطاب الطائفي والمناطقي والخدمي ركيزةً أساسية لجذب الناخبين، وهو الإجراء الذي لم يتغير في العراق منذ 22 عاماً. ويستعد العراق لإجراء سادس انتخابات تشريعية منذ الغزو الأميركي للبلاد وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، فيما يتنافس أكثر من 300 حزب وكيان وتجمع سياسي في هذه الانتخابات التي ستجرى في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ويسمح لأكثر من 25 مليون ناخب بالمشاركة فيها من أصل 46 مليون مواطن.

غير أن الصورة في مناطق شمال وغربي العراق ذات الغالبية العربية السنية، تتجه بشكل واضح في هذه الانتخابات إلى الخطاب القبلي والعشائري. يثير ذلك مخاوف لدى مراقبين وناشطين من تلك المناطق، ممن يعتبرون أن القوى السياسية لجأت إلى ضمان الأصوات في الانتخابات العراقية المقبلة بالعودة إلى القبيلة وإثارة النعرات العشائرية واستنهاض هذه الثقافة، بعد أن كانت متلاشية تقريباً في الفترة الماضية. يأتي هذا التوجه بالتزامن مع تفضيل العشائر تقديم مرشح واحد أو اثنين، إذ أجرى بعضها ما يشبه انتخابات تمهيدية لاختيار أحد المتنافسين وتقديمه بصفة مرشح عام ورئيس للعشيرة. في المقابل، تتنافس قوى سياسية على كسب هؤلاء المرشحين المدعومين من عشائرهم، وقد بلغت قيمة ما قدمته بعض الأحزاب المتنافسة مليار دينار عراقي (نحو 870 ألف دولار) للمرشحين لجذبهم إلى قوائمها.

مشهد متكرر في الانتخابات العراقية

غياب البرامج الانتخابية أو الطروحات الفكرية والثقافية عند الأحزاب في هذه المناطق يجعلها تتجنب تكرار شعارات ووعود سابقة أطلقتها في الانتخابات العراقية السابقة، في النسخ الثلاث الأخيرة منها، مثل ملف النازحين والتوازن داخل مؤسسات الدولة، وتعويض المتضررين من الإرهاب، وإطلاق سراح الأبرياء من السجون، إلى جانب الكشف عن مصير المختفين قسراً، ووعود كثيرة مماثلة غالبيتها ذات جانب حقوقي وإنساني من المفترض على أي حكومة، وفقاً للقانون، تحقيقها، فلا حاجة لمثل هذه الوعود.

وعلى الضفة الأخرى، تتبلور ملامح المشهد السياسي في الانتخابات العراقية ضمن مناطق وسط وجنوبي البلاد، حيث توجد القوى العربية الشيعية التي تميل إلى التكتل الحزبي والتنظيمي مستندةً إلى هياكل سياسية وقواعد شعبية شبه ثابتة. هذا التباين في أنماط التكتل والتحالف يعكس طبيعة الانقسام في المشهد الانتخابي العراقي، ويثير تساؤلات حول قدرة هذه الاصطفافات على إنتاج مسار سياسي جديد، أو إعادة تدوير المعادلات التقليدية نفسها التي حكمت المشهد لسنوات. يأتي ذلك وسط مخاوف من أن تتحول الانتخابات العراقية المقبلة إلى مجرد إعادة إنتاج للوجوه ذاتها والخيارات القديمة، ما يعني ضياع فرصة أخرى لبناء مشروع وطني يتجاوز الانقسامات الضيقة ويضع المصلحة العامة في مقدمة الأولويات.

التحشيد القبلي

في هذا الصدد، يحذّر الناشط السياسي عمر جابر، من نينوى وعاصمتها الموصل، شمالي العراق، من مآلات التحشيد القبلي داخل المناطق الشمالية والغربية قبيل الانتخابات العراقية. يقول جابر لـ"العربي الجديد"، والذي يعيش في منطقة تقطنها ثلاث عشائر عربية سنية عُرفت تاريخياً بتناحرها والثارات العديدة بينها، إن "أحزاباً أثارت النعرات بين العشائر، وبدأت تتحدث عن أهمية أن يكون لدينا برلماني، وأنه من المعيب أن يفوز مرشح العشيرة الفلانية ويخسر مرشحنا".

عمر جابر: التحشيد عشائرياً محصور في المناطق العربية السنية

وفي رأيه، فإن هذا الأمر هو "نكسة في الطموح المدني للدولة التي نريدها، ولا يختلف كثيراً عن الخطاب الطائفي"، مؤكداً أن "التحشيد عشائرياً يوجد في المناطق السنية حصراً، بينما في المناطق المختلطة يبقى التحشيد طائفياً، ما يؤكد حالة فشل سياسي بعموم العراق للقوى الفاعلة في المشهد" السياسي.

من جهته، يرى النائب العراقي أحمد الشرماني أن "اعتماد بعض الكتل والأحزاب السياسية على البنية القبلية والعشائرية، يؤكد إفلاساً سياسياً واضحاً وإصراراً على تدوير الأزمات بدلاً من معالجتها، عبر خطوات كهذه همها فقط كسب الأصوات دون أي برامج انتخابية حقيقية". ويبيّن في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العودة إلى الاصطفافات العشائرية من دون تقديم برامج واقعية أو حلول جادة لمشاكل المواطنين تعني بقاء تلك المناطق رهينة للخلافات والانقسامات الضيقة، وحرمانها من فرصة بناء مشروع سياسي قادر على النهوض بالخدمات والتنمية".

لا يختلف المشهد كثيراً في مناطق شمال وغربي العراق، وفق الشرماني، عما يجري في الجنوب "من تكتلات حزبية شكلية أثبتت عجزها في السنوات الماضية عن تلبية أبسط طموحات العراقيين"، مضيفاً أنه "لهذا على الناخبين عدم الانجرار وراء الخطابات التقليدية، والضغط لاختيار قيادات تحمل رؤية وطنية شاملة، بعيداً عن الولاءات العشائرية والحزبية التي أرهقت البلاد لعقود".


رياض الوحيلي: الاعتماد على الولاءات العشائرية يعكس فشلاً في تقديم حلول حقيقية لمشاكل المواطنين
 

أما الخبير العراقي في الشؤون الانتخابية والسياسية رياض الوحيلي فيؤكد على "خطورة الاتجاه المتزايد لدى بعض القوى السياسية للاعتماد على الاصطفافات القبلية والعشائرية في الانتخابات المقبلة"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذا النهج عودة مدمرة إلى أساليب ما قبل الدولة، وتهديد حقيقي لمفهوم الديمقراطية". ويعكس الاعتماد على الولاءات العشائرية بدل برامج سياسية واضحة، وفق الوحيلي، "فشلاً متواصلاً للنخب السياسية في تقديم حلول حقيقية لمشاكل المواطنين، ويحوّل الانتخابات إلى مجرد مسرحية تقليدية تعاد سنوياً دون أي تقدم ملموس". ويعتبر أن "مثل هذه الممارسات لا تضر فقط بالناخبين، بل بالعملية السياسية في العراق ككل". ويعزو ذلك إلى أنها "تغذي الانقسامات الطائفية والقبلية، وتمنع بناء مؤسسات قوية قادرة على تحقيق التنمية والاستقرار، خصوصاً أن هذه الممارسات ستؤدي إلى تفاقم اللامبالاة الشعبية تجاه الانتخابات، وزيادة الفجوة بين المواطن والدولة، وإضعاف مؤسسات الحكم التي تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى دعم برامج سياسية واضحة وقادرة على تحقيق التنمية والاستقرار".

يوضح الوحيلي أن "الرهان على الولاءات القبلية والعشائرية لم يعد خياراً سياسياً مقبولاً في عالم اليوم، ويجب على الجميع العمل على تطوير برامج حقيقية، وإشراك الشباب والفاعلين المدنيين في صياغة مشروع سياسي حديث يضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات ضيقة". وفي رأيه، فإن ما يشهده شمال وغربي العراق "لا يختلف جوهرياً عن التكتلات الحزبية التقليدية في الجنوب، التي على الرغم من امتلاكها هياكل مؤسساتية، فشلت مراراً في تلبية احتياجات الناس الأساسية". ويقول إنه "بالمحصلة تتحول العملية الانتخابية إلى مجرد إعادة تدوير للوجوه والخطابات نفسها، بعيداً عن أي رؤية وطنية شاملة".

غياب البرامج

تتعلق الأزمة أيضاً في محتوى البرامج الانتخابية، إذ يقول أستاذ العلوم السياسية العراقي خالد العرداوي إن "المشهد الانتخابي في العراق يعاني من أزمة واضحة في محتواه البرامجي"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "غياب البرامج الانتخابية الحقيقية لدى غالبية الكتل السياسية يحوّل العملية الانتخابية إلى مجرد صراع على الأصوات بدلاً من التنافس على الرؤى والأفكار". ويعكس الاعتماد الكبير على العشائر والقواعد الشعبية الثابتة وسيلةً لكسب الأصوات، وفق العرداوي، "ضعفاً بنيوياً في الثقافة السياسية، إذ تتحول الانتخابات إلى معركة تقليدية قائمة على الولاءات القبلية أو المناطقية بدلاً من الاستجابة للقضايا الوطنية الحقيقية". ويضيف أن "هذا النمط من الأداء السياسي يضعف مشاركة المواطنين الواعية ويحد من فرص تطوير برامج تنموية واقتصادية واجتماعية متكاملة، إذ يغيب الحوار حول السياسات العامة ويُستبدل بالمكاسب الفورية للأصوات".

المساهمون