الانتخابات الرئاسية البيلاروسية: لوكاشينكو يجدد ولايته بغياب المعارضة

26 يناير 2025
من التصويت المبكر للرئاسة البيلاروسية في مينسك، 24 يناير 2025 (يفغينيا نوفوجينينا/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فاز الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بولاية سابعة في انتخابات بيلاروسيا، وسط غياب المعارضة، مع تعزيز التحالف مع روسيا والسماح بنشر أسلحة نووية روسية.
- ركز لوكاشينكو في برنامجه الانتخابي على التعاون مع روسيا والصين، وأفرج عن معتقلين سياسيين لتحسين صورته، مع تأييد شعبي كبير وفق استطلاعات الرأي.
- أرجع المحلل فيودور لوكيانوف هدوء الانتخابات إلى القتال في أوكرانيا وتطهير الساحة السياسية، مع تباين آراء الناخبين حول دور لوكاشينكو والنفوذ الروسي.

يتوجه الناخبون في بيلاروسيا، أمس الأحد، إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية البيلاروسية مع حسم النتيجة بفوز الرئيس ألكسندر لوكاشينكو البالغ من العمر 70 عاماً، بولاية سابعة في غياب أي زخم للمعارضة السياسية، على عكس الاستحقاق الرئاسي الأخير الذي جرى في عام 2020، وتخللته احتجاجات حاشدة على خلفية مزاعم التزوير ودعما لمرشحة المعارضة، سفيتلانا تيخانوفسكايا، المقيمة في المنفى حالياً. وبذلك بدت حملة الانتخابات الرئاسية البيلاروسية مختلفة كثيراً عن سابقتها، سواء داخلياً من جهة انعدام أي نشاط للمرشحين "المنافسين" الذين تكاد أسماؤهم تكون غير معروفة، أو خارجياً من جهة عودة بيلاروسيا إلى حضن روسيا، على خلفية توفير لوكاشينكو أراضي بلاده للقوات الروسية، لشن الهجوم على مناطق شمال أوكرانيا في الأيام الأولى من الحرب الروسية في 24 فبراير/شباط 2022 ونشر أسلحة نووية تكتيكية روسية في بيلاروسيا في عام 2023 والتوقيع على اتفاقية الضمانات الأمنية المتبادلة مع موسكو في نهاية العام الماضي.


أليس ميخاليفيتش: أستبعد احتمال تكرار سيناريو خروج الاحتجاجات على غرار عام 2020

لوكاشينكو في الانتخابات الرئاسية البيلاروسية

وفي برنامج الانتخابات الرئاسية البيلاروسية بعنوان "الزمن اختارنا"، أكد لوكاشينكو مواصلة "التعاون مع روسيا الاتحادية في إطار الاتفاقيات الدولية الموقعة لتوفير ضمانات أمنية موثوقة"، واستمرارية التوجه نحو تعميق الشراكة الاستراتيجية مع روسيا والصين، واعداً في الوقت نفسه باستئناف الحوار مع الدول الغربية. ولعل هذا ما دفع بـ"الديكتاتور الأخير في أوروبا"، لقب لوكاشينكو سابقاً، إلى الإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين عشية الانتخابات.

وفي اتصال هاتفي أجري بينهما في نهاية الأسبوع الماضي، تمنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجاح لوكاشينكو في الانتخابات الرئاسية البيلاروسية بينما أظهر استطلاع أجراه مركز الدراسات الاجتماعية - الإنسانية التابع للجامعة الاقتصادية الحكومية البيلاروسية، أن أكثر من 82% من المستطلعة آراؤهم ينوون التصويت لصالح الرئيس الحالي. وفي وقت تبلغ فيه مدة الولاية الرئاسية في بيلاروسيا خمس سنوات، أسفر استفتاء تعديل الدستور في عام 2022 عن تشديد الشروط الواجب توفرها بالمرشحين للرئاسة، بما في ذلك أن يكون المرشح مواطناً بيلاروسياً بحكم الولادة وألا يقل عمره عن 40 عاماً، وألا تقل مدة إقامته في البلاد قبل الانتخابات مباشرة عن 20 عاماً.

إلى جانب لوكاشينكو، يخوض سباق الانتخابات الرئاسية البيلاروسية أربعة مرشحين، بمهن فيهم ثلاثة عن أحزاب متمثلة بالبرلمان، أوليغ غايدوكيفيتش وسيرغي سيرانكوف وألكسندر خيجنياك، والنائبة السابقة آنا كانوباتسكايا التي عُرفت في العقد الماضي بترويجها لعلم المعارضة البيلاروسية المحظور حالياً (خطان أبيضان عرضيان يتوسطهما خط أحمر) وانتقاداتها للمشاركة في دولة الاتحاد مع روسيا، داعية إلى الدفع بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي (ناتو). إلا أنها عدلت في السنوات الأخيرة عن مواقفها السابقة، مقرة بأن "الاتحاد الأوروبي لا ينتظر بيلاروسيا اليوم".

واعتبر المرشح الرئاسي البيلاروسي السابق، نائب رئيس حركة "من أجل الحرية" المعارضة، أليس ميخاليفيتش، أن نتائج الانتخابات الرئاسية البيلاروسية محسومة سلفاً لجهة فوز لوكاشينكو، مستبعداً احتمال سيناريو خروج احتجاجات على غرار انتخابات عامي 2010 و2020 على ضوء إقصاء المعارضة المؤثرة من المشهد السياسي الداخلي إقصاءً كاملاً. وقال ميخاليفيتش الذي خاض الانتخابات الرئاسية البيلاروسية لعام 2010 واعتقل إثر مشاركته في الاحتجاجات الرافضة لنتائجها، في حديث لـ"العربي الجديد": "يمكن الجزم بأن نتائج الانتخابات محسومة سلفاً، ولوكاشينكو سيعلن نفسه فائزاً في ظروف حتمية التزوير وبقاء المعارضين المؤثرين إما خلف القضبان وإما في المنفى. أستبعد احتمال تكرار سيناريو خروج الاحتجاجات على غرار عام 2020، إذ تم فعلياً القضاء على المعارضة وإقصاء وجوهها وترويع السكان لأقصى درجة ممكنة".

ومع ذلك، أقر بأن قسماً هاماً من السكان سيصوتون للوكاشينكو خشية من تكرار سيناريو الحرب في أوكرانيا، قائلاً: "أظهرت روسيا بوضوح أن من يتصدى لإرادتها، قد يواجه حرباً وخسائر فادحة من أجل الاستقلال واختيار طريق يختلف عن الرؤية الروسية، ولذلك يقدر قطاع هام من البيلاروس أن بلادهم لا تعيش حرباً مباشرة وسيصوتون لصالح سياسة الموالاة لروسيا على اعتبار أن هذا هو أقل الشرين". وأوضح ميخاليفيتش أن وجود قطع من الأسلحة النووية الروسية على الأراضي البيلاروسية يعزز العامل الروسي للسياسة الداخلية البيلاروسية، مستطرداً: "يزيد هذا الوضع من إدراك السكان استحالة التخلص من النفوذ الروسي على وجه السرعة وقناعتهم بأنه خير عليهم العزوف عن إقدام على أي محاولات تغيير لن تجدي نفعاً".

وكان لوكاشينكو قد أقر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بوجود "عشرات" الرؤوس الحربية النووية الروسية على أراضي بلاده، موضحاً أن مينسك ستحدد عند الضرورة الأهداف لاستخدام السلاح النووي، على أن يكون "الضغط على الزر" بالمشاركة مع موسكو. في موسكو، أرجع رئيس تحرير مجلة روسيا في السياسة العالمية، فيودور لوكيانوف، هدوء الحملة الانتخابية في بيلاروسيا إلى سببين رئيسيين، أولهما استمرار أعمال القتال في أوكرانيا، وثانيهما "تطهير" الفضاء السياسي بشكل جذري بعد أحداث عام 2020. ونقلت صحيفة فيدوموستي الروسية عن لوكيانوف قوله: "أولاً، هناك أعمال قتال تجري على امتداد الحدود. على الرغم من أن بيلاروسيا نفسها لا تشارك فيها، إلا أن أي حملة جماهيرية في مثل هذه الظروف تختلف عنها في أوقات السلم. يرى قسم من الناخبين في لوكاشينكو ضماناً لعدم انجرار بيلاروسيا إلى نزاعات عسكرية".


فيودور لوكيانوف: يرى قسم من الناخبين في لوكاشينكو ضماناً لعدم انجرار بيلاروسيا إلى نزاعات عسكرية

لا مخاطر على موقع لوكاشينكو

وفي معرض حديثه عن السبب الثاني، أقر المحلل السياسي الروسي المقرب من الكرملين بانعدام التهديدات والمخاطر على موقع لوكاشينكو على الرغم من رغبة الغرب في زعزعة الوضع، مذكّراً بأن هذا السيناريو لم يتحقق حتى في جورجيا ذات حضور غربي أقوى مقارنة مع بيلاروسيا، في إشارة إلى فوز حزب الحلم الجورجي الداعم لتطبيع العلاقات مع روسيا في الانتخابات التشريعية الجورجية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفشل المعارضة الموالية للغرب في الطعن في نتائجها عبر الاحتجاجات.

تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة جرت في بيلاروسيا في 9 أغسطس/آب 2020، وأسفرت عن فوز لوكاشينكو بنحو 80% من أصوات الناخبين مقابل 10% لمرشحة المعارضة تيخانوفسكايا، وفق النتائج التي أعلنتها لجنة الانتخابات حينها. وشهدت بيلاروسيا موجة من الاحتجاجات الحاشدة بعد الانتخابات، بينما غادرت تيخانوفسكايا إلى ليتوانيا، وقد رُفعت قضايا جنائية بحقها. يذكر أن لوكاشينكو انتخب كأول رئيس لبيلاروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي في عام 1994، متوجهاً منذ انتخابه نحو التقارب والتكامل مع روسيا وبلدان رابطة الدولة المستقلة، مما مكّنه من الحصول على دعم اقتصادي هائل وأسعار مخفضة لموارد الطاقة من موسكو وتحسين الأوضاع الاقتصادية لبلاده بشكل كبير. وأثناء ولايته الثانية بعد إعادة انتخابه في عام 2001، نظم لوكاشينكو استفتاء على تعديل الدستور أسفر عن إلغاء الحد الأقصى لعدد الولايات الرئاسية، مما مهد الطريق لإعادة انتخابه في أعوام 2006 و2010 و2015 و2020 وترشحه في انتخابات اليوم، وسط انعدام أي منافسة سياسية حقيقية في البلاد.