الانتخابات الجزائرية: فرصة للتغيير في ظروف معقدة

الانتخابات الجزائرية: فرصة للتغيير في ظروف معقدة

12 يونيو 2021
ترقب لنسبة المشاركة في هذا الاستحقاق (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد الجزائر اليوم السبت أول انتخابات نيابية بعد الحراك الشعبي عام 2019، والسادسة منذ دخول البلاد عهد التعددية السياسية في 1989، وهي تأخذ أهمية بالغة بالنسبة لأكثر من طرف في المعادلة السياسية في البلاد، أكان السلطة والأحزاب والكتل المستقلة، أو قوى المعارضة التي تراهن على مقاطعة عالية لهذا الاستحقاق الذي سيعيد رسم التوازنات والمشهد الحزبي في البلاد. لكن هذه الانتخابات تبقى آخر فرصة ممكنة للسلطة لإثبات نواياها لإحداث التغيير والقبول بضروراته.

مع فتح مكاتب الاقتراع اليوم في الجزائر، يكون نصف باب للأزمة السياسية في البلاد قد فُتح، فيما النصف الثاني مرتبط بما سيأتي في نتائج ومآلات هذه الانتخابات. وأحصت السلطة المستقلة للانتخابات ما يزيد عن 24 مليون ناخب، بينهم 33 ألفاً من البدو الرحل، و980 ألف ناخب في الخارج كانوا قد بدأوا التصويت يوم الخميس الماضي، لانتخاب برلمان هو التاسع في تاريخ الجزائر، في أول انتخابات نيابية تتم بعد الحراك الشعبي الذي تفجّر في فبراير/شباط 2019. وستشارك في هذه الانتخابات 1483 قائمة، منها 646 قائمة حزبية تمثّل 30 حزباً سياسياً، و837 قائمة لمرشحين مستقلين.

وتم إدخال تغيير جذري على العملية الانتخابية من خلال تبنّي نمط انتخاب جديد، يتمثّل في طريقة الاقتراع النسبي على القائمة المفتوحة، لتمكين الناخب من التصويت لقائمة انتخابية مع التصويت لمرشح أو أكثر داخل القائمة التي يصوّت لصالحها. غير أنه لا يستطيع أن يصوّت لأكثر من قائمة أو لقائمة معينة ومرشحين في قائمة أخرى، أو أن يختار مرشحين من قوائم متعددة، إذ ستكون ورقة الاقتراع في هذه الحالات ملغاة. وتم تبني هذا النظام لاستبعاد وجود مرشح مركزي في كل قائمة، وكان بعضهم يوظف المال الفاسد لذلك.

تضع السلطة السياسية هذه الانتخابات، كثالث حلقة ضمن ما يُعرف بـ"المسار الدستوري" لإعادة تنظيم المشهد الجزائري عقب الحراك

وتضع السلطة السياسية هذه الانتخابات، كثالث حلقة ضمن ما يُعرف بـ"المسار الدستوري" لإعادة تنظيم المشهد الجزائري عقب الحراك الشعبي، والذي بدأ بتنظيم الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2019، ثم الدستور الجديد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ويعتبر الرئيس عبد المجيد تبون هذه الانتخابات بأنها "انطلاقة جديدة لمسيرة التجديد الوطني المبنية على قيم المصارحة والثقة والشفافية ومحاربة الفساد بكل أشكاله، وتثبيت أسس الاختيار الديمقراطي الحر الكفيل بإرساء دولة المؤسسات والحق والقانون وبناء الجزائر السيدة القوية".

وتبقى سياقات ما بعد الحراك الشعبي متحكّمة بشكل مباشر في ظروف سير الانتخابات وشفافية نتائجها، وفي حال كانت هذه الانتخابات نزيهة من دون تلاعب، فإنها ستشكّل تحوّلاً سياسياً كبيراً بالنسبة للجزائر، خصوصاً أن مجموع الاستحقاقات السابقة قبل الحراك الشعبي، كان مطعوناً في نتائجها وفي مصداقية المؤسسات المنبثقة عنها. وتتميّز هذه الانتخابات النيابية عن سابقاتها بعامل تنظيمي بارز، إذ إنها أول انتخابات نيابية تشرف عليها بالكامل هيئة مستقلة. ورفع تبون هذه المرة السقف عالياً بشأن نزاهة الانتخابات، وأعلن عن سلسلة التزامات تخص حماية أصوات الناخبين، متعهداً بقطيعة نهائية مع كل الممارسات السابقة التي كانت تُدار بها الانتخابات، خصوصاً ما يتعلق بالمحاصصة التي كانت تقررها المخابر وغرف السلطة بعيداً عن نتائج الصندوق. وقال تبون في زيارته إلى غرفة عمليات الهيئة المستقلة للانتخابات الخميس الماضي، إن "عهد الكوتا (المحاصصة)، ذلك كان في عهد الجاهلية، الانتخابات التشريعية ستكون فرصة للتمثيل الحقيقي ونجاح من يختارهم الشعب، صندوق الاقتراع سيكون الفاصل في تحديد من سيختاره الشعب لتمثيله في البرلمان، لن تكون هناك (محاصصة) ولا هم يحزنون، كل صوت له قيمته ومن لم يمنحهم الشعب الله غالب، هذا قرار الشعب سيادي".

يضع النائب السابق في البرلمان فاتح قرد مسألة نزاهة الانتخابات كرهان رئيس، ويقول لـ"العربي الجديد" إن هناك ثلاثة رهانات أساسية في السياق الانتخابي، الأول هو استعادة الثقة بين الناخب الجزائري والصندوق، خصوصاً في ظل إشراف سلطة مستقلة على الانتخابات لأول مرة، بعد أن كانت وزارة الداخلية هي التي تدير الانتخابات في السابق، واستحداث النظام الانتخابي الجديد الذي أنهى ترتيب المرشحين في القائمة، وبالتالي أتاح للناخبين اختيار من يرونه أهلاً بثقتهم وصوتهم من ضمن مرشحي القائمة التي اقتنعوا بها. أما الرهان الثاني، وفق قرد، فيبقى مرتبطاً بالبرلمان المقبل، وفي عهدته تصحيح صورة المؤسسة البرلمانية ومنح الجزائريين برلماناً حقيقياً يقوم بدوره الرقابي، وكذلك استكمال النصوص التشريعية لعملية الإصلاح السياسي والقانوني ومراجعة القوانين ذات الصلة مثل قانون الأحزاب وسائر القوانين العضوية المنظمة للحياة السياسية، على أمل خلق ديناميكية سياسية تمكن الجزائري من المشاركة في بناء المؤسسات السياسية للدولة.

ويضيف أن الرهان الثالث مرتبط بما بعد الانتخابات في السياق الحكومي، إذا انبثقت حكومة قوية من هذه الانتخابات يقع عليها بعث الآلة الاقتصادية والتنموية للتخفيف عن المواطن آثار نضوب الموارد النفطية وتراجع مداخيل المحروقات، ولن يتأتى ذلك سوى ببرنامج تنموي طموح وجريء يمكنه تجنيد قدرات الجزائر.

وتكتسي الانتخابات أهمية بالغة في تحديد نظام الحكم للسنوات الخمس المقبلة، وفقاً لما ستسفر عنه هذه الانتخابات من خريطة سياسية جديدة وتوازنات مغايرة لما كانت عليه الأمور قبل الحراك الشعبي، على الرغم من أن هذه التوازنات الجديدة نسبياً، لن تقلب الأمور رأساً على عقب على صعيد إتاحة الفرصة لقوى المعارضة لتشكيل أغلبية نيابية وتشكيل حكومة. وينص الدستور على أن يقود الحكومة وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية، ورئيس للحكومة في حال أسفرت عن أغلبية برلمانية، وتبدو الأمور في اتجاه وجود تفاهمات مشتركة على تشكيل أغلبية رئاسية تتيح للرئيس تبون، الذي لا يملك في الوقت الحالي حزباً خاصاً، تشكيل حكومة موسعة، وهو ممر يبدو إجبارياً بالنسبة لكل الأطراف، نتيجة الاختلالات الداخلية الكبيرة سياسياً واقتصادياً وتعقّد المشاكل الاجتماعية في البلاد وتراجع مداخيل النفط وتآكل احتياطي الصرف.

يذهب قطاع واسع من الفعاليات السياسية لاعتبار هذه الانتخابات معطوبة بوجود تيار سياسي معين غير مشارك

وفيما تعتبر القوى المشاركة استحقاق اليوم مدخلاً مهماً وبداية لمسار طويل يتيح أفقاً للخلاص السياسي والحوار بين الجزائريين، خصوصاً إذا انبثقت عنه أغلبية وحكومة ذات قاعدة سياسية واسعة، يذهب قطاع واسع من الفعاليات السياسية والقراءات للمشهد الجزائري إلى اعتبار أن هذه الانتخابات النيابية تبقى معطوبة ولن تخلص إلى رسم التوازنات السياسية بصورة كاملة، بسبب وجود تيار سياسي معين غير مشارك (أحزاب الكتلة الديمقراطية). يعني ذلك بحسب هذه القراءات، أن هذه الانتخابات وعلى أهميتها، لم تحظَ بالإجماع السياسي بين كل القوى والتيارات في البلاد على أنها الحل الأسلم للأزمة السياسية، وأنها تعد محطة ضمن هندسة السلطة بالأساس لترتيباتها الخاصة، تستكمل من خلالها الحلقة الثلاثية الأضلاع لخيارها السياسي المعلن منذ منتصف عام 2019، بعد اختيار رئيس في المحطة الأولى، والحصول على دستور جديد في المحطة ثانية. وتقلّل هذه الآراء من أهمية أن تشكّل هذه الانتخابات تأسيساً حقيقياً للتغيير، خصوصاً أن كامل هذا المسار الانتخابي بحلقاته الثلاث، لم تسبقه حوارات وطنية من شأنها خلق حد أدنى من الإجماع الوطني على الخيارات والأدوات، لا سيما أن تياراً سياسياً هاماً يغيب بالكامل عن هذه الانتخابات، وهو الكتلة الديمقراطية التي تغيب أحزابها الستة عن المشاركة.

ويذهب الباحث الأكاديمي وأستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة سطيف شرقي الجزائر نوري إدريس، في هذا الاتجاه، إذ يعتبر أن هذه الانتخابات رهان للسلطة لتثبيت خيارها. ويقول إدريس في تصريح لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن انتخابات بهذا الشكل هي رهان للسلطة الفعلية، ففي نظرها إجراء الانتخابات بشكل دوري في موعده، أو قبل الموعد بقليل، هو الرهان والغاية في حد ذاته، لأنه بإجرائها فقط يبطل مفعول التعددية اللعينة التي تم إقرارها بشكل خاطئ في دستور 1989". ويضيف أن "الثقافة السياسية للسلطة لا تزال نفسها قبل التعددية، وتصر على تسيير الحقل السياسي لما بعد 1989 بالأدوات نفسها والمنطق نفسه لما قبل التعددية، وهو ما تؤكده ممارسات السلطة، وتحديداً تحويل التعددية إلى تسيير للرأي الواحد عبر أحزاب متعددة ومنابر إعلامية متعددة، ما يعكس ندم السلطة على إقرار التعددية قبل ثلاثين عاماً، لأن ما نشاهده اليوم هو توبة وتراجع عن الانفتاح السياسي الذي تنظر إليه السلطة على أنه تهديد للوحدة الوطنية والإجماع الوطني".

ويرى إدريس أن هناك طرفين آخرين في هذه الانتخابات يختلف رهانهما، "الأحزاب المشاركة في الانتخابات، التي لا تراهن على الانتخابات للوصول إلى البرلمان والحكم، لأنها تدرك جيداً أن طريق البرلمان يمر عبر طرق أخرى، والحراك الشعبي، فالمقاطعة ليست رهاناً في حد ذاته ولا هو هدف، بل هو أقصى ما يمكن القيام به أمام الأمر الواقع". ويضيف: "نحن أمام سلطة تتصرف بطريقة غير مسؤولة ولا تنظر إلى المقاطعة كتعبير عن قطيعة وعن عدم اعتراف جزء من المجتمع بها، بل تعتبرها فعلاً عدائياً وتنشغل بتبرير المقاطعة لفترة، ثم تتجاوز الموضوع وتنتقل لتحضير نفسها لموعد آخر".