الانتخابات البلدية في لبنان: استعدادات حزبية وسط مخاوف أمنية

08 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 13:45 (توقيت القدس)
البرلمان اللبناني، 13 أكتوبر 2002 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتكثف التحضيرات في لبنان لإجراء الانتخابات البلدية في مايو، وسط تحديات سياسية وأمنية كبيرة، وتعتبر اختبارًا مهمًا لحضور الأحزاب التقليدية مثل حزب الله.
- البرلمان اللبناني مدد صلاحيات المجالس البلدية ثلاث مرات، وحددت وزارة الداخلية تواريخ الانتخابات وفقًا للمحافظات، مع استعداد الأحزاب السياسية للانتخابات في المناطق ذات الثقل الانتخابي.
- تواجه الانتخابات تحديات لوجستية وأمنية، بما في ذلك التهديدات الإسرائيلية، وهناك مخاوف بشأن نزاهة الانتخابات بسبب غياب الرقابة الكافية على الإنفاق الانتخابي.

تتكثف التحضيرات في لبنان لإجراء الانتخابات البلدية في مايو/أيار المقبل، خصوصاً لأهمية الاستحقاق بالمنظور السياسي في اختبار حضور الأحزاب التقليدية، على رأسها حزب الله، بعد الخسائر التي مُنيَ به، وتبدّل موازين القوى إبّان العدوان الإسرائيلي الأخير، وذلك في حال لم يطرأ أي جديد، يرجئ الاستحقاق للمرة الرابعة على التوالي، خصوصاً مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية والمخاوف المتواصلة من التصعيد العسكري. وعلى الرغم من تقديم النائبين في البرلمان وضاح صادق ومارك ضو اقتراح قانون لتأجيل الاستحقاق تقنياً لخمسة أشهر؛ لضرورة إنجاز إصلاحات طارئة على قانون الانتخاب، إلا أنّ أكثرية الأحزاب السياسية في لبنان متمسّكة بضرورة إتمام الانتخابات ضمن المواعيد المحدّدة، ورفض التأجيل مع انتهاء الولاية الأساسية للمجالس البلدية والاختيارية في مايو 2022، وذلك رغم التحديات، ضمنها على مستوى المناطق الحدودية جنوبي لبنان، والبلدات المدمّرة بالكامل.

وأقرّ البرلمان اللبناني تمديد صلاحيات المجالس البلدية والاختيارية ثلاث مرات، الأولى من عام 2022 حتى مايو 2023، لتزامُن الانتخابات مع موعد إجراء الاستحقاق النيابي، والثانية من عام 2023 لغاية مايو 2024، بسبب الشغور في سدّة الرئاسة الأولى، وثالثاً، من عام 2024 لغاية مايو 2025 بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان. وحدّدت وزارة الداخلية والبلديات تواريخ إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بحسب المحافظات، وذلك وفقاً للتالي؛ جبل لبنان في 4 مايو، لبنان الشمالي وعكار في 11 مايو، بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل في 18 مايو، ولبنان الجنوبي والنبطية في 25 مايو.

وبدأت الأحزاب السياسية تتحضّر للانتخابات، خصوصاً في المناطق ذات الثقل الانتخابي، منها في طرابلس شمالاً، وصيدا جنوباً، وبيروت، إلى جانب مناطق في المتن وكسروان والبقاع، بحيث تعوّل الأحزاب المعارضة لحزب الله على نتائج الحرب الإسرائيلية وتبدّل موازين القوى وهو انعكس داخلياً خصوصاً على المستوى الحكومي، علماً أن الأحزاب لا تظهر كل أسلحتها في هذا الاستحقاق بانتظار الانتخابات النيابية في مايو عام 2026، باعتبار أن التحالفات تختلف بين الاستحقاقَين إلى جانب عوامل أخرى منها الطابع العائلي. في المقابل، تؤكد أوساط حزب الله لـ"العربي الجديد" جهوزيّته للاستحقاق، رغم كل التداعيات، وتعتبر أنّ الانتخابات رسالة للخارج بأن الحزب لا يزال يتمتع بالحاضنة الشعبية، كما أنه لا يزال حاضراً في المعادلة، علماً أن المحطة الأبرز ستكون أيضاً في الانتخابات النيابية، مع الإشارة إلى أن تعويله سيكون أيضاً على التحالف الثابت مع حركة أمل.

أما التيار الوطني الحر، فعلى الرغم من الانتكاسات والانشقاقات داخله، وعدم مشاركته في الحكومة، إلّا أنه يتحضر للانتخابات خصوصاً في بيروت، والمناطق حيث يتمتع بشعبية منها في المتن، لكنّه سيتعاطى مع كل بلدة حسب خصوصيتها، ليركز أكثر الجهود نحو المعركة الكبرى المتمثلة بالانتخابات النيابية، وذلك بحسب ما تؤكد أوساطه لـ"العربي الجديد"، وهو حال تيار المستقبل الذي رغم إعلان رئيسه سعد الحريري العودة إلى الحياة السياسية والمشاركة في الاستحقاقات، إلّا أن التركيز الأكبر سيكون على المستوى النيابي لا سيّما أن العامل المالي هشٌ، كذلك العامل التنظيميّ على المستوى الحزبي.

وفي السياق، يقول وزير الداخلية السابق زياد بارود لـ"العربي الجديد" إنّنا ذاهبون لانتخابات بموعدها المؤجّل، وهذا أصبح واضحاً وأمراً واقعاً إلّا في حال أقرّ مجلس النواب قانون التمديد، لكن، بحسب خطاب قسم الرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري والتصريحات المتعددة، فإننا لسنا بصدد الذهاب إلى التأجيل. ويعتبر بارود أنّ وزارة الداخلية جاهزة لوجستياً لإجراء الانتخابات، والمال المطلوب متوفر أيضاً لإنجاز الاستحقاق، أما الإشكاليات المطروحة فلا أعتقد أنها كافية للتأجيل، مشيراً إلى أنه على مستوى الجنوب، هناك بلدات متضرّرة على مستوى البنى التحتية، ونحو 37 بلدة أصيبت بدمار شامل، وخسرت العديد من الشهداء، لكن في الوقت نفسه سمعنا من أهالي هذه البلدات أنهم يريدون إجراء الانتخابات لو في خيمة على ركام منازلهم.

وتبعاً لذلك، يرى بارود أنّ تأجيل الانتخابات في كل لبنان ليس وارداً، وإذا كان هناك ضرورة لمعالجة موضوع الـ37 بلدة، فإنّه يمكن من خلال قانون يؤجل الانتخابات فيها أسوة بما حصل عام 1998، أو يمكن لوزارة الداخلية أن تنظم مراكز اقتراع مجاورة لهذه القرى. كذلك، أثار البعض موضوع قوائم الناخبين، أي المسجلين على القوائم الانتخابية، واعتبرو أن هناك شهداء بينهم، ولم تنقح هذه القوائم، وهنا أهمية الرقابة المحلية. وحول المخاوف من الوضع الأمني والاغتيالات التي تنفذها إسرائيل في مناطق ستشهد انتخابات بلدية، يقول بارود إن "الحرب لم تتوقف في لبنان يوماً، منذ عام 1948، فهل ننتظر انتهاء الحرب بمعناها الواسع أو نمضي حياتنا العامة بالقدر الممكن؟"، مستشهداً بقول الشاعر سعيد عقل "من خطرٍ نمضي إلى خطرٍ ما همَّ نحن خلقنا بيتُنا الخطر"، وأشار، في المقابل، إلى أنّ الانتخابات لن تحصل طبعاً في حال عادت الحرب إلى ما كانت عليه قبل وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

من ناحية ثانية، يعتبر بارود أن الانتخابات البلدية ليست صورة مصغّرة عن الانتخابات النيابية، لكن لا شك أن هناك تداخلاً بالمعاني السياسية فيها أو في بعض الخيارات لا سيّما في البلدات الكبرى، مشيراً إلى أنّنا ذاهبون إلى انتخابات بلدية فيها مشاركة لأحزاب سياسية، لكن أيضاً لعائلات وشخصيات محلية، كما أن نمط التصويت يبقى مختلفاً عن الاستحقاق النيابي، من دون أن ننسى أن النظام الانتخابي في البلديات أكثريٌ، بينما هو نسبي في تلك النيابية، ما يعني أن هناك فوارقَ كبيرة، ويردف "بعض القوى السياسية تعتبر الانتخابات البلدية بالنسبة إليها بروفا أو قياساً لحرارة المياه محلياً لتعرف مكانها، لكن ليست تعبيراً حكمياً أو حتمياً ومباشراً بالأرقام ذاتها، لذلك لا يمكن ربط نتائج الانتخابات البلدية مباشرةً بتلك النيابية، ولو أن أهميتها تكمن بأن هناك مسافة سنة بين الاستحقاقَين".

من جانبه، يقول المحامي طوني مخايل لـ"العربي الجديد"، إنّ "أبرز العراقيل تتعلق أولاً بالتهديدات الأمنية، سواء الخارجية كالتي شهدناها في الأسابيع الأخيرة على صعيد الاعتداءات الإسرائيلية واحتمال توسّعها بأي لحظة في ظل استمرار الخروقات الأمنية، وعلى مستوى الحدود الشمالية الشرقية التي شهدت اشتباكات مع الجانب السوري، إضافة إلى الهاجس الأمني المرتبط بالتفلّت لاستخدام السلاح وسط ارتفاع ملحوظ في الإشكالات اليومية في مناطق عدة، من دون أن ننسى أن الانتخابات البلدية يدخل فيها الطابع العائلي، ما يفتح الباب أمام نزاعات عائلية، وهذه من الهواجس الأمنية التي تضاف إلى هواجس أخرى تتطلب أن يكون هناك عديدٌ كافٍ من القوى الأمنية في القرى والمناطق لوضع حدّ لأي إشكال ممكن أن يعكّر صفو الانتخابات".

ويضيف مخايل "هناك تحديات لوجستية أيضاً سيّما على صعيد التمويل، لكن وزارة الداخلية دائماً ما تعتمد على بعض التمويل أو المساعدات التي تأتي عبر منظمات الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي وغيره للمساهمة في التجهيزات اللوجستية لأقلام الاقتراع وغيره، وهناك خبرات موجودة على صعيد الكادر البشري والموظفين الذين شاركوا سابقاً في استحقاقاتٍ كهذه، ما يسهّل أي عراقيل تتعلق بالأمور اللوجستية، علماً أن التخوّف يبقى مرتبطاً بالموظفين الذين هم من القطاع العام، وهناك أجور عادلة يجب أن تشملهم للمشاركة في هذه العملية".

ويتابع "تنسحب العراقيل أيضاً على مسألة ضمان نزاهة الانتخابات، خصوصاً أن هيئة الإشراف على الانتخابات لا نصوص قانونية تجيز لها المشاركة في المراقبة، لا سيّما الإنفاق الانتخابي، إذ يشكّل المال الانتخابي خصوصاً في الانتخابات البلدية التي تعتمد النظام الأكثريّ عاملاً حاسماً في فوز المرشح ذي الإمكانيات المادية الكبيرة، ما يدفع القوى السياسية إلى دعمهم لتفادي خسائر محتملة، وهذا يخلق بيئة تشبه بازاراً للتسويات السياسية، إذ تُعتبر مصلحة المجتمع المحلي غالباً في المرتبة الثانية مقارنة بالمصالح السياسية"، مشدداً على أن "هذا الوضع يُبرز الحاجة إلى إصلاحات تهدف إلى تحقيق عدالة أكبر في العملية الانتخابية، وضمان أن تكون الأصوات والمصالح المحلية هي المحور الأساسي، بدلاً من الاعتبارات المالية والسياسية".

وبشأن الوضع في الجنوب، يقول مخايل "هناك استحالة في إجراء الانتخابات بالقرى الحدودية المدمّرة، أو وضع مراكز اقتراع فيها، وذلك للخطورة المستمرة على حياة المواطنين والناخبين والموظفين والمشرفين على الانتخابات، لذلك من الممكن أن يصار إلى تأجيل تقني فيها، أو إنشاء ميجا سنتر في مناطق جنوبية مثل صور وصيدا والنبطية، وكذلك في بيروت لتمكين أبناء هذه القرى من ممارسة حقهم في الانتخاب"، ومن المشاكل المطروحة أيضاً، التي لم تُحلّ بعد، مسألة المناصفة في بلدية بيروت، بحيث لا يوجد تمثيل طائفي قانوناً على صعيد توزيع أعضاء البلدية على الطوائف، لكنّ هناك أعرافاً طبّعت ذلك، وبدأت تخرج باقتراحات لإقرار المناصفة بقانون وذلك لضمانها، وهي من الخطوات التي قام بها نواب في التيار الوطني الحر. وهنا يشير مخايل إلى أن الحل يكون بالقانون لضمان المناصفة، فهذا موضوع سياسي، وهناك اقتراح قانون مقدّم بهذا الإطار، ولا نعرف ما إذا كان هناك وقت أو نية لدى الفرقاء لتمريره وفي حال لم يمرّ عندها تكون الضمانات باللوائح، علماً أن هذه تبقى غير كافية لضمان التوازن.