استمع إلى الملخص
- كثفت السلطات اللبنانية اتصالاتها الدولية لضمان حماية الانتخابات من الخروقات الإسرائيلية، مع تأكيد الأجهزة الأمنية قدرتها على تأمينها، بينما فاز حزب الله وحركة أمل بالتزكية في العديد من البلدات.
- شهدت الانتخابات تنافساً سياسياً حاداً، مع دعوات للمشاركة الكثيفة، واعتراضات ضد هيمنة الثنائي، واعتُبرت استفتاءً على خياراتهما، مؤكدة على أهمية التعددية في المجتمع اللبناني.
انطلقت في لبنان، اليوم السبت، المرحلة الرابعة والأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الجنوب والنبطية (النبطية في الجنوب جغرافياً أيضاً، لكنها منفصلة عنه إدارياً)، وسط ترقّب لمشهدين، الأول أمني في ظلّ استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتصعيد منسوبها في الساعات الماضية بشكل كبير، والثاني يصبّ في خانة صناديق الاقتراع وما إذا كانت الأصوات المعارضة قادرة على إحداث خرق وكسر هيمنة حزب الله وحركة أمل، خصوصاً أنهما يخوضان الاستحقاق بلوائح توافقية وازنة، وسبق للكثير من البلديات في الجنوب والنبطية أن فازت بالتزكية. وسبق أن أجريت الانتخابات البلدية في جبل لبنان في الرابع من مايو/أيار الحالي، وفي الشمال في 11 مايو الحالي، وفي بيروت والبقاع الأحد الماضي. ونقلت السلطات اللبنانية موعد انتخابات الجنوب والنبطية إلى اليوم السبت، بعدما كان مقرراً إجراؤها غداً الأحد، وذلك بسبب مناسبة عيد المقاومة والتحرير الموافق 25 مايو من كل عام، بمناسبة الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000. وشهد الجنوب إجراءات استثنائية لضمان إجراء الانتخابات البلدية ونجاحها، فقسّمت وزارة الداخلية مراكز وأقلام الاقتراع في المحافظتين، لتمكين الناخبين من القرى المدّمرة إبّان العدوان الإسرائيلي الأخير، التي تجاوزت 30 بلدة، من الإدلاء بأصواتهم، ومنها بلدات عيتا الشعب، عيترون، مارون الراس، الطيبة، بليدا، الخيام، وغيرها.
وأجرى الرئيس اللبناني جوزاف عون، صباح اليوم، جولة في الجنوب، حيث تفقد غرفة العمليات في مدينة صيدا، وانتقل بعدها إلى سراي النبطية للاطلاع على مجريات العملية الانتخابية. وزار عون مسقط رأسه بلدة العيشية في قضاء جزين، حيث أدلى بصوته في الانتخابات الاختيارية، في وقت لم تشهد البلدة انتخابات بلدية بعد التوافق الذي قاد إلى فوز البلدية بالتزكية. وقال عون خلال جولته الجنوبية: "أدعو الجميع إلى التصويت بكثافة لمن يمثّل تطلّعاتهم في إنماء المدينة، فالانتخابات في الجنوب تؤكّد أنّ إرادة الحياة أقوى من الموت، وإرادة البناء أقوى من الهدم"، مشدداً على أن المشاركة في بناء البلدة وبناء لبنان الغد لأجل جيل المستقبل هي واجب ومسؤولية، مؤكداً أن رئاسة البلدية ليست امتيازاً بل مسؤولية. بدوره، قال وزير الداخلية أحمد الحجار، الذي جال على عدد من المراكز الانتخابية في جنوب لبنان، إن الشعب الجنوبي لم ولن يستسلم، و"نحن هنا لنقول إن الدولة موجودة إلى موجودة إلى جانبه"، آملاً في أن تكون هذه الانتخابات أول خطوة لإعادة إعمار الجنوب ولبنان.
أمن الانتخابات البلدية
على الصعيد الأمني، علمت "العربي الجديد" أن لبنان كثف من اتصالاته الدبلوماسية الدولية في محاولة لضمان حماية العملية الانتخابية، وسط خشية من أحداث أمنية تهدد حياة الناخبين، لا سيما في ظل استمرار الخروقات الإسرائيلية، والاعتداءات التي تطاول مواقع ستجرى فيها الانتخابات البلدية اليوم. وكشفت مصادر أمنية لبنانية لـ"العربي الجديد" أن "لبنان لم يوقف اتصالاته الدولية، لا سيما على خط الولايات المتحدة وفرنسا راعيتي اتفاق وقف إطلاق النار، من أجل الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها، ورفع مستواها طبعاً من أجل وقف الخروقات خلال فترة الانتخابات البلدية عامة، وفي الجنوب والنبطية خصوصاً، ولكن مع العدو لا ضمانات، من هنا نأمل أن يمرّ اليوم الانتخابي بشكل هادئ". وأشارت المصادر إلى أن "الأجهزة الأمنية أثبتت، على مستوى الجولات الانتخابية التي أقيمت في محافظات جبل لبنان والشمال وعكار والبقاع وبعلبك الهرمل وبيروت، قدرتها على الأرض، ونجحت جميع الأجهزة المعنية في تأمين حسن سير العملية الانتخابية، وستبذل كل جهودها كذلك لإنجاح الجولة الأخيرة التي حددت في الجنوب والنبطية".
علي مراد: البلدات التي وقفت بوجه التزكية مثلت حالة اعتراضية صمدت بوجه ضغط حزب الله
وشدّدت المصادر على أن "السلطات الرسمية اتخذت قراراً بإجراء الانتخابات في كل لبنان، بعد تأجيلها ثلاث سنوات (كانت مقررة في عام 2022)، وأصرّت على أن تشمل الجنوب رغم التحديات الكبرى والظروف الدقيقة واستمرار احتلال إسرائيل مواقع لبنانية، من منطق فرض الدولة سيادتها على كامل أراضيها، ونتمنى من الجنوبيين الاقتراع بكثافة اليوم، هم الذين يظهرون للعالم مدى التمسّك بالأرض وعدم الاستسلام". وباشرت الوحدات العسكرية المنتشرة منذ الخميس الماضي اتخاذ التدابير الأمنية استعداداً لمواكبة العملية الانتخابية، وتشمل إقامة حواجز وتسيير دوريات، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى، بهدف حفظ الأمن والاستقرار ومنع وقوع إشكالات.
أما في المشهد السياسي ـ الانتخابي، وفي استحقاق جنوبي هو الأول بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، تمكّن الحزب وحركة أمل من الفوز بالتزكية في بلدات عدة، وذلك بفضل تحالفهما الثابت، وتفاهمات عائلية ومحلية، مع رفعهما عناوين الوحدة المحلية، ومواجهة التحديات بـ"استمرارية المقاومة مشروعاً تحريرياً"، ليُسجَّل بذلك أعلى عدد بلديات فائزة بالتزكية للوائح الثنائي في تاريخ الانتخابات البلدية وقد تخطّت عتبة المائة بلدة ومدينة من أصل نحو 170 بلدية.
دعوات لحزب الله وأمل
وعشية الانتخابات، دعا رئيس البرلمان نبيه بري (رئيس حركة أمل) لـ"الاقتراع بكثافة للوائح التنمية والوفاء، خصوصاً في القرى الأمامية، لإنتاج مجالسها البلدية والاختيارية وللتأكيد من خلالها للمحتل الإسرائيلي ولآلته العدوانية أن هذه القرى العزيزة لن تكون إلا لبنانية لأهلها ومساحة للحياة، وليست أرضاً محروقة، وسنعيد إعمارها ولن تكون شريطاً عازلاً مهما غلت التضحيات". كذلك، توجّه الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم إلى الجنوبيين بالقول: "يأتي استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية هذا العام تَحدّياً من تحديات الصمود وقوة الموقف والتمسُّك بالأرض وإعمارها بأهلها وبساتينها وبيوتها وكل أسباب الحياة فيها. كل المراهنين مع العدوان الإسرائيلي ينتظرون النتائج". وتابع: "لن نقبل ببقاء الاحتلال الاسرائيلي على أي شبرٍ من أرضنا ووطننا. إن مشاركتكم الكثيفة في الانتخابات البلدية والاختيارية جزءٌ من إعادة الإعمار التي سنواكبها مع البلديات المنتخبة، ومع الدولة اللبنانية التي يجب أن تتحمّل مسؤوليتها".
تسجيل امتعاض في جزين بسبب تحالف باسيل مع بري
في المقابل، برزت حالات اعتراضية في عددٍ من البلدات، من مستقلين ومدنيين ويساريين ومجموعات رافضة هيمنةَ الثنائي (حزب الله وأمل) ومحاولات الضغط التي يمارسها على الناخبين، سواء في حولا أو أنصار أو النبطية أو صور وغيرها من البلدات التي ستشهد معارك سياسية وعائلية وحزبية، ولم تنجح جهود الثنائي في الفوز بها بالتزكية، علماً أن التشتّت هو أيضاً عنوان هذه المجموعات كما وضعها في معاركها الانتخابية على مستوى كل لبنان.
على صعيدٍ ثانٍ، ستشهد مدينة صيدا معركة انتخابية رغم عدم تدخّل الأحزاب فيها بطريقة مباشرة، فيما تتجه الأنظار أيضاً إلى خيار مناصري تيار المستقبل (برئاسة سعد الحريري) الذي رغم عزوفه عن خوض الاستحقاق، بيد أن أصوات ناخبيه تشكل رافعة للوائح، وهو ما ظهر في انتخابات بيروت. وبالدرجة الأولى، هناك أربع لوائح رئيسية تتنافس في صيدا، لائحة "صيدا بدها ونحنا قدها" المدعومة من النائب عبد الرحمن البزري وبعض الشخصيات المدنية وفعاليات عائلية، ولائحة "نبض البلد" المدعومة من النائب أسامة سعد وعائلات وقوى منبثقة عن انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ولائحة "سوا لصيدا" المدعومة من رجال أعمال وفعاليات عائلية ومحلية وهي أقرب إلى تيار المستقبل ورئيسة مؤسسة الحريري بهية الحريري، بالإضافة إلى لائحة "صيدا بتستاهل" المدعومة من الجماعة الإسلامية وهي ذات علاقة أيضاً مع تيار المستقبل، قد تنعكس في صناديق الاقتراع.
كذلك، تتجه الأنظار إلى المعركة الكبرى على المستوى المسيحي في مدينة جزين، التي تُعدّ بمثابة امتحان أساسي للتيار الوطني الحر (يرأسه النائب جبران باسيل)، وقد اختار حركة أمل حليفاً قوياً فيها، خصوصاً أن هذه المدينة (مع قضائها الذي يحمل اسمها أيضاً) كانت تُعدّ من أبرز معاقله وتعرّض لضربة قاسية فيها في الانتخابات النيابية لعام 2022، فضلاً عن استقالة قيادات أساسية فيه. وقد رفع التيار في الأيام الماضية سقف الخطاب لشدّ العصب ومحاولة تحقيق الفوز بوجه حزب القوات اللبنانية (برئاسة سمير جعجع) الذي يحقق نتائج لافتة في المعارك ذات الطابع المسيحي، في الأسابيع الماضية، في جبل لبنان والشمال والبقاع.
ومع أن "التيار" و"القوات" تحالفا في العديد من اللوائح، وضمنها البترون (معقل باسيل) وبيروت، إلا أن طابع المعركة في جزين مختلف، وستتنافس فيها لائحتان. اللائحة الأولى "بلديتكم مستقبلكم" المدعومة من "القوات" وحزب الكتائب اللبنانية (يرأسه النائب سامي الجميل) وبعض العائلات الجزينية، ولائحة "سوا لجزين" المدعومة من التيار الوطني الحر وعائلات إلى جانب النائب السابق إبراهيم عازار المحسوب على حركة أمل، علماً أن هناك حالة امتعاض جزينية من هذا التحالف في ظل الخلافات القوية بين الفريقين، ما قد ينعكس سلباً على صناديق الاقتراع، إلا في حال الالتزام بالتصويت الكامل.
حسن الدر: الانتخابات استفتاء على خيارات الثنائي، وهي المقاومة
نكبة تواكب الانتخابات
في السياق، يقول الأكاديمي والحقوقي علي مراد، لـ"العربي الجديد"، إن "الجنوب يخوض اليوم الانتخابات البلدية وهو يرزح تحت نكبة غير مسبوقة، سواء على مستوى الدمار أو سقوط آلاف الشهداء أو وحدات سكنية سوِّيت بالأرض، وبالتالي، فإن الخسارات كبيرة على الصعيد العائلي إلى جانب تفكّك النسيج الاجتماعي، ومن الواضح أن مسألة العودة تبقى الأولوية والشغل الشاغل لأهل الجنوب إضافة إلى إعادة الإعمار في المرحلة المقبلة". ويضيف مراد: "في هذا الإطار، جدّد حزب الله وحركة أمل تحالفهما السياسي تحت شعار التوافق والتزكية، في ظل نظام أكثري للانتخابات البلدية يسهل التحكّم به، ويمنحهما موقعاً متقدماً للفوز، وتقصّدا بناء توافقات أفضت إلى لوائح تزكية إلغائية، وسوّق لها من بوابة تجنيب القرى صدامات انتخابية، لا سيما أن أهالي الجنوب، وتحديداً في القرى الأمامية، يعانون من خسارات وتعب، تُفقدهم ربما أي طاقة بعد الحرب وما نتج عنها".
ويشير مراد، وهو من قرية عيترون الحدودية التي تُعتبر من القرى التي دمرها العدوان بالكامل، إلى أن "البلدات التي وقفت بوجه التزكية مثلت حالة اعتراضية صمدت بوجه ضغط معنوي مورس من قبل حزب الله إلى جانب خلفيات قد تكون يسارية ونشاط مجتمعي يسمح للناس بأن تصمد، وقد فعلت أيضاً ذلك من بوابة فكرة النقاش العام في الجنوب، الذي هدف الثنائي من خلال نهج الإلغاء والاقصاء إلى تعطيله، خصوصاً حول المسؤوليات من قرار دخول الحرب، ومستقبل القرى، وكلفة الدمار وإعادة الإعمار، وما جرى وما سيجري". ويشدّد على أن "الجنوب ليس بحاجة اليوم للانقسام، بل لكل أبنائه حتى يناقشوا مستقبلهم وأولويات إعادة البناء، بعيداً عن منطق اختزالهم إلى أرقام في جداول انتخابية"، لافتاً إلى أن "حضور الثنائي شعبي ووازن ولكنه يفكر بمنطق الاحتكار والهيمنة الأحادية، وهو ما بات عبئاً على الجنوبيين". ويردف مراد: "هناك عدد من البلدات ستشهد نوعاً من المعارك مثل حولا، النبطية، أنصار، كفررمان، وغيرها، لا نتوقع المعجزات، لكن من المهم رصد نسبة المشاركة، وتوزع الأصوات، مع أن تبقى الأولوية لتخفيف جو الاحتقان، والضغط الحاصل على الناخبين، ومواجهة خطاب التخوين الذي يصوّر اللوائح المعارضة وكأنها تخدم العدو وتطعن دماء الشهداء، وذلك في وقت أن الانتخابات هي دليل حيوية للمجتمع وعلينا دائماً الدفاع عن التعددية وحق الترشح والاقتراع".
بدوره، يقول الكاتب السياسي حسن الدرّ، لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات اليوم هي استفتاء على خيارات الثنائي، وهي المقاومة، وهذا ثابت لا يمكن التراجع عنه بل سيكرس أكثر"، مضيفاً: "واضح أن للجنوب علاقة فارقة لأسباب مرتبطة بالحرب والدمار والتهجير والاعتداءات اليومية، في حين يحاول دائماً خصوم الحزب والحركة الضخ سياسياً وإعلامياً بأن بيئة الثنائي ضعفت، ولم يعد هناك التفاف حول القيادة، لكن الناس تعود وتظهر العكس وتحول الانتخابات إلى استفتاء كما حصل مثلاً في بعلبك". ويشير الدرّ إلى أن "البلديات التي فازت بالتزكية للثنائي مونة فيها، وعلاقات، ولم تكن فيها تعقيدات أو خلافات كبيرة عائلية، أو تمكن فيها من تقريب وجهات النظر، خصوصاً أن الانتخابات لها طابع عائلي، لكن في بلديات أخرى، هناك انقسامات وعِقد وعدم توافق العائلات على حصص أو توزيع الأعضاء في المجالس البلدية أو المخاتير، وستشهد بالتالي تنافساً، وهذا ليس نتيجة خلاف بين الثنائي". ولا يرى الدرّ أن هناك معارك بالمعنى الكبير، والأنظار طبعاً ستكون متوجهة إلى النبطية والمدن الكبرى، لكن بالأرقام لن يكون هناك تنافس.