الانتخابات البرلمانية في مصر: غموض في القوانين ومشهد بلا معارضة

21 ابريل 2025
في مركز اقتراع بالجيزة، 24 أكتوبر 2020 (خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الاستعدادات للانتخابات البرلمانية في مصر: اجتمع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مع اللجنة الاستشارية لبحث الانتخابات المبكرة، وسط تساؤلات حول البرلمان المقبل وإمكانية بروز قوى جديدة في ظل تضييق على المعارضة.

- التحديات القانونية والسياسية: لم تصدر القوانين المنظمة للانتخابات، مما يثير قلق الأحزاب. تتبع الدولة نمطاً مغلقاً، مع تجاهل توصيات "الحوار الوطني" لعام 2022، مما دفع البعض للانسحاب أو التحفظ.

- المال السياسي وتأثيره: أصبح المال السياسي بديلاً عن البرامج، مع استمرار "كراتين الانتخابات" كأداة لحشد التأييد، وسط غياب قوى معارضة حقيقية ومخاوف بشأن الشفافية.

يفتح اجتماع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مع اللجنة الاستشارية للشؤون السياسية، قبل أيام، لبحث الاستعدادات للانتخابات البرلمانية المبكرة، الباب أمام عدة تساؤلات بشأن شكل البرلمان المقبل وتركيبته. كما يطرح احتمالات حول بروز قوى جديدة، سواء من الموالاة أو المعارضة، أو أن يكون صورةً من البرلمان الحالي، الذي أفرزته الانتخابات البرلمانية في مصر عام 2020. وتتجه مصر خلال الأشهر المقبلة نحو استحقاق انتخابي مزدوج، وهو انتخاب مجلسي الشيوخ والنواب، وسط مشهد سياسي يزداد غموضاً وتضييقاً على القوى المعارضة. يأتي ذلك أيضاً في ظل تزايد الانتقادات بشأن تحوّل العملية الانتخابية إلى سباق محسوم سلفاً بين أحزاب موالية للسلطة، توظّف المال السياسي و"كراتين الغذاء" أدوات انتخابية، في غياب قواعد قانونية واضحة، وتعثر حقيقي في تحقيق التعدّدية السياسية.

موعد الانتخابات البرلمانية في مصر

رغم أن المدد الدستورية تفرض إجراء الانتخابات قبل نهاية الفصل التشريعي للمجلسين بمدة لا تقل عن 60 يوماً (تنتهي ولاية المجلسين في يناير/ كانون الثاني 2026)، لم تصدر بعد القوانين المنظمة للعملية الانتخابية. إلا أن معلومات تفيد بأن انتخابات مجلس الشيوخ ستُجرى في 15 أغسطس/ آب المقبل، ومجلس النواب في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، من دون أي إعلان رسمي لقانون الانتخابات الجديد، أو تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، ما يثير حالة من القلق في الأوساط الحزبية. يرى سياسيون أن ما يجري قبل الانتخابات البرلمانية في مصر تكرار لنمط تعامل الدولة مع المحطات السياسية، أي إدارة مغلقة، وإجراءات غير تشاركية، وتكريس نظام انتخابي مفصّل على مقاس السلطة، وذلك من دون إشراك حقيقي للقوى المدنية، أو حتى احترام الحد الأدنى من الشفافية المطلوبة في مثل هذه الاستحقاقات.

لم تكن مخرجات "الحوار الوطني" الذي أطلقته السلطة في 2022 بأفضل حال، فبعد توصية لجنته السياسية باعتماد نظام انتخابي مختلط (نصفه قائم على القائمة النسبية والنصف الآخر على الفردي)، والحد من المال السياسي، وضبط الدعاية الانتخابية، وفتح المجال أمام المعارضة، تجاهلت الدولة كل هذه التوصيات. دفع ذلك مشاركين كثيرين لإعلان انسحابهم أو تحفظهم على استمرار الانخراط في العملية الانتخابية. من أكثر الظواهر التي تثير قلق المهتمين بالشأن العام في مصر استمرار ظاهرة "كراتين الانتخابات"، وهي سلع غذائية تُوزع على الناخبين الفقراء لحشد تأييدهم. لم تعد هذه الممارسة، التي اتسعت منذ انتخابات 2015، هامشية، بل باتت أداة أساسية في حملة الأحزاب الموالية، وفقاً لتقارير ميدانية وشهادات مواطنين وسياسيين. تزداد المخاوف من تغوّل هذه الظاهرة قبل الانتخابات البرلمانية في مصر مع غياب سقف قانوني واضح للإنفاق الانتخابي، وعدم تفعيل صلاحيات الهيئة الوطنية للانتخابات في التحقيق أو شطب المخالفين.

عمرو هاشم ربيع: المال السياسي ليس فقط أداة للتأثير، بل صار بديلاً فعلياً عن البرامج

غموض في القوانين والقوائم

يقول عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، عمرو هاشم ربيع، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام لم يُبدِ أي جدية في إدخال تعديلات حقيقية تتيح تمثيلاً سياسياً أوسع"، مضيفاً أن "السلطة اختارت الاستماع لصوت نفسها، وتصر على الإبقاء على نظام انتخابي يضمن الهيمنة، وليس التداول أو التوازن". وبرأيه فإن المشهد الانتخابي المقبل سيشهد تصاعداً كبيراً في "حرب الكراتين" بين حزبي "مستقبل وطن" و"الجبهة الوطنية"، خصوصاً في الأرياف والمناطق العشوائية (العشوائيات). ويعتبر ربيع أن "المال السياسي ليس فقط أداة للتأثير، بل صار بديلاً فعلياً عن البرامج والحوارات السياسية".

تفيد مصادر حزبية بأن الخريطة الانتخابية أصبحت شبه جاهزة بالفعل داخل مكاتب الأجهزة المعنية، وتضم تحالفاً بين حزبي "مستقبل وطن"، المدعوم من دوائر القرار، و"الجبهة الوطنية"، الذي يُنظر إليه أداة لتمثيل البُعد القبلي في عدة محافظات، لا سيما في الصعيد وسيناء. يأتي ذلك وسط غياب واضح لأي قوى معارضة أو حتى شبه مستقلة تشارك حتى الآن في الانتخابات البرلمانية في مصر. في هذا الصدد يوضح الأمين العام لـ"الحزب المصري الاشتراكي"، أحمد بهاء الدين شعبان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الغموض لا يتعلق فقط بالقوانين، بل يشمل كل شيء، حتى القوائم التي ستخوض بها الأحزاب الانتخابات البرلمانية في مصر. مشهد يعكس، وفق شعبان، "تحرّكاً سياسياً في الظلام"، قائلاً: "كيف لحزب أن يستعد للانتخابات ولا يعلم حتى النظام الانتخابي أو حجم الدوائر أو قواعد الإنفاق؟ متسائلًا عن جدوى الحديث عن انتخابات في غياب قواعد التنافس.

مجدي حمدان: ما يُجهز الآن برلمان لتقنين القرارات الحكومية، لا لمراقبتها

يتفق محللون على أن البرلمان المقبل، في حال استمرار هذا النمط من الإعداد قبل الانتخابات البرلمانية في مصر سيكون، على حد وصف عضو الهيئة العليا لحزب المحافظين، مجدي حمدان، "أسوأ حتى من برلمان 2010 الذي أشعلت تزويره شرارة ثورة 25 يناير (2011)". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ما يُجهز الآن برلمان لتقنين القرارات الحكومية، لا لمراقبتها أو تعديلها". ويتوقع أن المعارضة لن تحصل على أكثر من بضعة مقاعد رمزية، وأن القانون، إذا لم يصدر قبل نهاية الشهر المقبل (مايو/ أيار) سيُبقي على الصيغة الحالية، أي القائمة المغلقة والنظام الفردي، ما يعني استبعاداً شبه كامل للقوى المدنية.

مع انتهاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات في يناير/ كانون الثاني 2024، لأول مرة منذ عقود، ستدير الهيئة الوطنية للانتخابات كامل العملية، من إعداد الجداول وحتى إعلان النتائج. يُفاقم ذلك المخاوف بشأن الشفافية، لا سيما في ظل محدودية صلاحيات الهيئة مقارنة بما يُفترض أن يتمتع به القضاء من استقلالية. ويرى خبراء أن غياب ضمانات حقيقية لحياد الهيئة سيزيد من الفجوة بين الدولة والمواطنين، خصوصاً في ظل مؤشرات متزايدة على التراجع في مؤشرات الحريات.

يرى أستاذ القانون الدستوري، عبد الله المغازي، أن هناك فرصة قانونية لتعديل القانون في الثلاثين يوماً المقبلة، إذا توفرت الإرادة السياسية، مشدّداً في حديث لـ"العربي الجديد"، على أهمية وضع سقف للإنفاق الانتخابي، وتعديل توزيع الدوائر بما يضمن التمثيل العادل للمواطنين. وبرأيه "لا يعقل أن يمثل نائب واحد دائرة يوجد فيها 600 ألف ناخب، وآخر يمثل بضعة آلاف فقط". ويحذر المغازي من أن الإبقاء على الوضع الحالي سيعني مزيداً من التراجع في ثقة المواطنين بالمؤسسات المنتخبة، وتكريس الانطباع بأن الانتخابات لا تحمل أي قيمة حقيقية، ما قد يدفع إلى عزوف واسع عن التصويت. وفي ظل هذه المعطيات، تبرز مخاوف حقيقية من أن يكون البرلمان المقبل مجرد غرفة للتمرير، بلا تمثيل شعبي حقيقي. مع العلم أن مصر تمر بأزمات اقتصادية واجتماعية حادّة، تتطلب مناخاً سياسيّاً مفتوحاً وقدرة على المراقبة والمحاسبة، لا إعادة إنتاج الأدوات والسياسات القديمة نفسها.