قبل أيام من توجه السويديين (7.5 ملايين ناخب)، إلى انتخابات برلمانية تشهدها البلاد يوم الأحد المقبل، باتت ملامح الخريطة السياسية أكثر تعقيدا بالنسبة لطرفي المعادلة في يمين ويسار الوسط، إثر تحقيق الحزب اليميني الشعبوي "ديمقراطيو السويد" تقدمًا في الاستطلاعات على حساب أكبر أحزاب يمين الوسط "الاعتدال"، الذي يرشح زعيمه أولف كريسترسون لمنافسة رئيسة حكومة الحزب الاجتماعي الديمقراطي ماغدالينا أندرسون على منصب رئاسة الحكومة.
في تنافس معسكري يسار ويمين الوسط على 349 مقعدا في البرلمان (ويسمى محليا ريكسداغ)، تبدو النتائج متقاربة، ما يجعل استمرار حكم يسار الوسط في السلطة، بدعم اليسار والخضر، أمرًا غير محسوم، ويفرض على يمين الوسط اللجوء إلى أصوات اليمين المتشدّد.
العنف لمصلحة اليمين المتشدد
الاستطلاعات الأخيرة في استوكهولم توضح معضلة ما بعد الانتخابات المقبلة؛ فبينما تؤكد الأحزاب اليسارية دعمها لحكومة يقودها "الاجتماعي الديمقراطي"، تجد أحزاب يمين الوسط نفسها وسط دوامة يفرضها تجاوز اليمين الشعبوي في حزب "ديمقراطيو السويد" لأحزابها من حيث النتائج، التي تتوقع حصوله على نحو 20 في المائة من الأصوات. وإذا حافظ هذا الحزب على تلك النتائج فإنه بذلك يتجاوز "الاعتدال" (Moderaterna)، أكبر أحزاب يمين الوسط، الذي تراجع إلى 17 في المائة. ويحل بذلك اليمين المتشدد ثانيا بعد "الاجتماعي الديمقراطي" الذي سيحصل على نحو 29 في المائة.
المشكلة التي يواجهها أولف كريسترسون، مرشح تلك الأحزاب التي تضم المسيحيين الديمقراطيين، بنحو 6 في المائة والليبراليين 5 في المائة، أنه لتأمين أغلبية برلمانية سيحتاج إلى أصوات اليمين المتشدد.
ففي السويد (10.7 ملايين نسمة)، ثمة اتفاق "جنتلمان" بين الأحزاب البرلمانية من كلا الكتلتين: الحمراء والزرقاء كما يُطلق عليهما محليا، على فرض فيتو على الحزب اليميني المتشدد "ديمقراطيو السويد"، لمنع لعب دور أو تأثير في الحياة السياسية. ومنذ أن تأسس الحزب المنتقد لسياسات الهجرة إلى البلد في 2005 بزعامة السياسي المثير للجدل جيمي أوكوسون وحتى انتخابات 2018 بقي الاتفاق صامدا.
الآن تغيرت أوضاع البلد، وبات ملف الهجرة والاندماج يناقش في أجواء مختلفة تماما عن تلك التي سادت السويد قبيل استقبال نحو 163 ألف لاجئ دفعة واحدة في 2015.
وعلى ما يبدو، فإن تصاعد شعبية أقصى اليمين تُربط محليا بتزايد منسوب عنف العصابات وانتشار عمليات القتل باستخدام الأسلحة النارية.
تصاعد شعبية أقصى اليمين تُربط محلياً بتزايد منسوب عنف العصابات وانتشار عمليات القتل باستخدام الأسلحة النارية
ظلت شعبية "ديمقراطيو السويد" تتأرجح خلال أسابيع قليلة مضت حول 15 إلى 17 في المائة، بيد أن النتائج الدامية التي خلفها عنف العصابات قفزت بشعبيته إلى تجاوز أحزاب عريقة في الكتلتين الزرقاء والحمراء.
"وقف العنف" ورغبة المواطنين بفرض "القانون والنظام" تحولا إلى شعار انتخابي عند معظم أحزاب السويد. فالحصيلة الثقيلة، بمقتل 47 شخصا حتى الآن، تجعل العام الحالي يتجاوز حصيلة 46 ضحية في 2021، الذي ظن السويديون أنه العام الأعنف. وعمليات القتل تلك تنجم عن مئات عمليات إطلاق النار، أي حوالي 366 إطلاق نار سنويا في المتوسط، وتشمل معظم الجغرافيا السويدية، وإن كان النصيب الأكبر لضواحي العاصمة استوكهولم وغوتيبورغ (غوتنبرغ) ومالمو (جنوب).
إذاً، تحول الناخب السويدي عن اهتماماته التقليدية في قضايا الرفاهية والرعاية والصحة، بل حتى عن أزمات التضخم والطاقة والخشية من تداعيات حرب أوكرانيا، إلى شعار "فرض القانون والنظام"، فرض نفسه على اهتمامات ووعود الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها.
صحيح أن العصابات تضم مجموعات سويدية، مثل "روك" وغيرها، لكن انتشار عصابات الضواحي من أصول مهاجرة يضع كل سياسات الهجرة والدمج على طاولة الأحزاب السياسية.
وبدا لافتا أنه حتى رئيسة حكومة يسار الوسط ماغدالينا أندرسون، وعلى غير عادة معسكرها، ذهبت إلى التصريح في أواخر الشهر الماضي بأن بلدها لا يريد رؤية "مقديشو مصغرة"، في إشارة إلى بعض الضواحي التي تعيش كمجتمعات "موازية"، كما يسمونها محليا.
إجمالا، بدا التنافس خلال الأسابيع الفائتة على "النظام والقانون" يصب، وغيره كثير، في مسيرة اليمين المتشدد. وذلك فرض أيضا تقاطر الشخصيات السياسية إلى أحد ملاعب الأطفال التي شهدت يوم 27 أغسطس/آب حادثة إطلاق 15 رصاصة في ضاحية تقع إلى الغرب من استوكهولم بنحو 90 كيلومترا، وجرحت خلالها امرأة وطفل، لتأكيد أنهم يولون اهتماما لمشاغل الناخبين بعد استعار حرب عصابات المخدرات، وتبوّء السويد المرتبة الأولى أوروبيا لعمليات القتل بالرصاص.
في كل الأحوال، بدون "معجزة" يبدو أن السويد مقدمة على ما يشبه أزمة 2018 في تشكيل حكومة، حيث اضطرت الأحزاب للتفاوض لأكثر من 130 يوما لتشكيل حكومة. فلوصول شخصية من يمين الوسط، كريسترسون، أو أندرسون من "الاجتماعي الديمقراطي"، يجب ألا تصوت أغلبية برلمانية ضد التشكيلة، أي 175 صوتا. وذلك يعني حاجة يمين الوسط إلى أصوات حزب جيمي أوكوسون، الذي يرى أن الرياح تهب بما تشتهيه سفن حزبه. فمرشح "الاعتدال" والكتلة الزرقاء، كريسترسون، سيكون مضطرا إلى استرضاء اليمين المتشدد بحقائب وزارية، ما يعني أن الاتفاق غير المكتوب لتهميش اليمين المتشدد سيصبح للمرة الأولى منذ انتخابات 2010 في مهب الريح، ويشكل مقدمة لخروج يسار الوسط من الحكم بعد 8 سنوات متواصلة.