الانتخابات الإسرائيلية الرابعة (1): لا جنرالات ولا يسار

الانتخابات الإسرائيلية الرابعة (1): لا جنرالات ولا يسار

24 ديسمبر 2020
أظهرت الاستطلاعات أن حزب ساعر يحظى بتأييد كبير (جاك كوز/ فرانس برس)
+ الخط -

صمدت الحكومة الجديدة 7أشهر تقريباً، مرت خلالها بأزمات متتالية

تراجعت قوة "كاحول لفان" إلى خمسة مقاعد خلال أسبوعين

تحرك ساعر خلط أوراق الخريطة الحزبية في إسرائيل

حلَّ الكنيست الإسرائيلي نفسه عند منتصف ليلة الثلاثاء الماضي تلقائياً، بعد فشل الحكومة، بقيادة بنيامين نتنياهو، في التوصل إلى تسوية، ولو مؤقتة، مع شريكه في الحكومة الجنرال بني غانتس (بعد سبعة أشهر فقط من تشكيل حكومة نتنياهو الخامسة التي أعلن عنها بأنها حكومة طوارئ وطنية لمواجهة الكورونا)، لتمديد فترة إقرار ميزانية الدولة، وتجنب الانتخابات في موعد الثالث والعشرين من مارس/ آذار المقبل.
وأصبح رسمياً توجه إسرائيل إلى انتخابات، هي الرابعة من نوعها، منذ الانتخابات التي جرت في التاسع من إبريل/ نيسان 2019، ولم يتمكن بعدها نتنياهو من تشكيل حكومة، وفضّل حل الكنيست على منح خصمه غانتس فرصة لتشكيل حكومة. وذهبت إسرائيل إلى الانتخابات الثانية في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، لكن نتائجها أيضاً أبقت على حالة من العجز عن تشكيل حكومة ائتلاف، سواء بقيادة نتنياهو أم غانتس، لتعيد إسرائيل الكرّة مرة ثالثة في مارس/ آذار الماضي، من دون حسم واضح بين معسكر نتنياهو ومعارضيه. ولولا دعم القائمة المشتركة للأحزاب العربية، وتوصيتها أمام الرئيس الإسرائيلي رؤبين ريفلين، بتكليف غانتس بتشكيل حكومة جديدة، لما كانت الحكومة قد تألفت، وهي التي انتهت ولايتها رسمياً عند منتصف ليلة الثلاثاء.

زادت سياسة نتنياهو من حالة التوتر في حزب غانتس

واستغل غانتس حصوله على تكليف بتشكيل حكومة جديدة وبديلة لنتنياهو، للمضي بالاتجاه المعاكس لوعوده الانتخابية، والاتجاه بالذات إلى الانسحاب من تحالف "كاحول لفان" مع حزبي "ييش عتيد" و"تيلم"، لبناء شراكة مع نتنياهو، تحت ذريعة مواجهة جائحة كورونا ومنع انهيار الاقتصاد الإسرائيلي، وبالأساس لرفضه، بفعل مواقف عنصرية، تشكيل حكومة بديلة تعتمد على دعم خارجي من القائمة المشتركة للأحزاب العربية.

وصمدت الحكومة الجديدة سبعة أشهر تقريباً، مرت خلالها بأزمات متتالية، كان أبرزها ومنذ البداية رفض نتنياهو إقرار ميزانية لعامين، بما يضمن بقاء الحكومة حتى نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2021، وهو موعد تنفيذ بند التناوب في رئاسة الحكومة بين نتنياهو وغانتس. وقد أثار هذا الأمر باستمرار مخاوف لدى "كاحول لفان"، بقيادة غانتس، من عدم عزم نتنياهو الالتزام بتطبيق اتفاقية الائتلاف الحكومي، وشكل أرضية خصبة لأزمات متعاقبة، رافقها استهزاء واستخفاف مقصودين ومعلنين من قبل نتنياهو بشريكه الرئيسي في الحكم، الجنرال غانتس، وتفرده باتخاذ القرارات، سواء في إدارة أزمة كورونا أم في تطبيق سياسة اقتصادية لمواجهة التداعيات المحتملة للجائحة. وانعكس هذا النهج الاستهزائي، والمستخف أيضاً، في إخفاء تحركاته السياسية والدبلوماسية عن غانتس، وعن وزير الخارجية الجنرال غابي أشكنازي، في كل ما يتعلق باتفاقيات التطبيع مع دول عربية، بدءا من الاتفاق مع الإمارات والبحرين وانتهاء بالاتفاق مع المغرب.

وزادت سياسة نتنياهو هذه أيضاً من حالة التوتر والغليان الداخلي في حزب غانتس. وانفجرت مساء الإثنين الماضي عندما صوّت ثلاثة من أعضاء حزب غانتس ضد قانون لتمديد فترة إقرار ميزانية الدولة حتى 23 ديسمبر/كانون الأول الحالي، ما قضى نهائياً على فرص تمديد عمر الحكومة، على الرغم من ميل نتنياهو وغانتس إلى تأجيل الانتخابات، بفعل التداعيات التي جاء بها انشقاق غدعون ساعر عن "الليكود" وتشكيله حزباً جديداً (أمل جديد - الوحدة لإسرائيل)، لخوض الانتخابات كمرشح لرئاسة الحكومة ضد نتنياهو.

المعركة الانتخابية ستكون على الحكم داخل صفوف اليمين
 

وأظهرت الاستطلاعات بشكل مباشر أن الحزب الجديد يحظى بتأييد كبير، يصل إلى 20 مقعداً، ويقضم ما تبقى من شعبية ومقاعد حزب "كاحول لفان" بقيادة الجنرالين غانتس وأشكنازي، وتراجع قوة حزبهما إلى خمسة مقاعد خلال أسبوعين لا غير من إعلان ساعر. كذلك أظهرت تغييراً في الخريطة الحزبية في إسرائيل، ينذر للمرة الأولى، منذ أشهر بسد الطريق أمام عودة نتنياهو للحكم، وإيجاد ائتلاف حكومي يميني يعتمد بالأساس على أحزاب اليمين القائمة، سوية مع الحزب الجديد، ومن دون حاجة حتى للتوصية من القائمة المشتركة للأحزاب العربية، ومن دون مجال يسمح لنتنياهو باتهام النجم الجديد، غدعون ساعر، بمواقف يسارية، خلافاً لما كان الحال عليه في المعارك الثلاث الأخيرة، التي كان يقود فيها غانتس المعسكر المضاد لنتنياهو.

تحرك ساعر خلط أوراق الخريطة الحزبية في إسرائيل. وبيّن بشكل سافر، ومن دون رتوش، أن المعركة الانتخابية المقبلة في إسرائيل ستكون على الحكم داخل صفوف اليمين الإسرائيلي، من دون أن تكون هناك فوارق جوهرية بين المعسكرين، في قضايا الأمن والسياسة والاقتصاد. بل إن المعسكر المضاد لنتنياهو، تحت قيادة ساعر، يُظهر تشدداً أكبر لجهة دعم الاستيطان ورفض حل الدولتين، وتطبيق وفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، سواء كانت داخل الكتل الاستيطانية أم خارجها.

تخوض إسرائيل انتخاباتها الرابعة وسط استمرار تداعيات كورونا، وفشل الحكومة بقيادة نتنياهو وغانتس في مواجهة الجائحة من جهة، وفي أوج أزمة اقتصادية تتجلى في وجود أكثر من 850 ألف إسرائيلي خارج دائرة العمل، مع تراجع كبير في حركة الاقتصاد ومديونية وعجز مالي للحكومة يقترب من 20 مليار شيقل (الشيقل يساوي 0.3 دولار). لكنها تخوض انتخاباتها الرابعة في أقل من عامين وسط سمات بارزة أيضاً على الصعيد السياسي، تتلخص في انهيار وتلاشي اليسار الإسرائيلي كلياً، وحصوله في الاستطلاعات الأخيرة على 5 أو 6 مقاعد فقط لحزب "ميرتس" من أصل 120 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، وحصول اليمين المعلن كيمين على 82-83 مقعداً، يضاف إليها بين 14-16 مقعداً لحزب "ييش عتيد" الذي يصف نفسه بأنه حزب وسط، مع أن مواقفه يمينية. وإذا صدقت الاستطلاعات المنشورة أخيراً فإنه باستثناء حزب "ميرتس" والقائمة المشتركة للأحزاب العربية، التي ستحصل على 11 مقعداً، فإنه يمكن القول إن الانتخابات المقبلة تشي ببرلمان إسرائيلي لا يوجد فيه أكثر من 16 نائباً في اليسار.

في المقابل، فإن انهيار "كاحول لفان"، مع ما يتردد عن إمكانية انسحاب قادته من الحزب، وعدم خوض الحزب الانتخابات، أو حتى خوضها، وحصوله على 5 مقاعد وربما أكثر بقليل، قد يشكل نقطة فارقة في بُعد آخر في السياسة الإسرائيلية، وهو افتقار الانتخابات المقبلة لجنرال يحتل مكانة الصدارة على رأس حزب كبير. خصوصاً في ظل ما يُقال عن تردُّد وتخبط رئيس الأركان الأسبق غادي أيزنكوط في دخول المعترك السياسي في الموقع الثاني في حزب ساعر. وبالتالي ربما وقف مسار تقليدي في السياسة الإسرائيلية، باعتبار المعترك السياسي هو المشوار الطبيعي المكمل للسيرة العسكرية لرؤساء أركان الجيش في قيادة الأحزاب.

المساهمون