استمع إلى الملخص
- يركز الحزب على القضايا الاجتماعية والشبابية لجذب الناخبين الجدد، مع بروز المرشحة الشابة هايدي رايشينيك، وتغيير تكتيكاته لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
- يواجه الحزب تحديات من الأحزاب الأخرى مثل حزب البديل لأجل ألمانيا، بينما يعاني الليبراليون والحزب الديمقراطي الاجتماعي من تراجع في شعبيتهم، مما يفتح المجال أمام دي لينكه.
تشير الحملة الانتخابية لحزب دي لينكه اليساري الألماني، في الولاية الشمالية السادسة عشرة شلايفسغ هولشتاين (نحو 3 ملايين نسمة)، إلى انتقال حزبييه ومناصريه من الحديث بثقة أقل حيال تحقيق نتيجة جيدة في انتخابات البرلمان الاتحادي (بوندستاغ)، غداً الأحد، إلى ثقة أعلى تقدمها لهم نتائج الاستطلاعات. ومع أن أقصى اليمين في حزب البديل لأجل ألمانيا يعيش لحظات نشوة استثنائية بتوقع استطلاعات الانتخابات الألمانية حصده لنحو 20% من أصوات الناخبين، فإن "دي لينكه" لديه أيضاً ما هو مبشِّر.
وخلال جولة "العربي الجديد" في مقاطعة شلايفسغ هولشتاين، الأربعاء الماضي، كان القيادي في فرع حزب اليسار هانز إيفالدت يصف كيف أنه خلال أسبوع فقط انضم إلى حزبه أكثر من ثلاثة آلاف عضو جديد "أغلبيتهم من جيل الشباب تحت سن الثلاثين". إيفالدت يشعر بحماسة أكثر حين يُظهر بالأرقام لـ"العربي الجديد"، كيف انقلب المشهد في غضون أسابيع قليلة، محققاً في أيام قليلة ثلاث نقاط مئوية في الاستطلاعات ليرتفع إلى 9%. ويؤكد إيفالدت أن هذه النتيجة تشير إلى أن "دي لينكه" يمكن أن يحقق أكثر مما حققه في انتخابات 2021، حيث راوح عند عتبة الحسم المقررة بـ5%.
أسباب تقدم "دي لينكه" في الانتخابات الألمانية
القفزة والثقة التي يعيشها "دي لينكه"، بعد أزمته الداخلية، مع خروج سارا فاغنكنشت مع آخرين منه، وتشكيلها حزب "تحالف سارا فاغنكنشت"، الذي تمنحه استطلاعات الرأي في الانتخابات الألمانية ما بين أربعة وخمسة في المائة، يفسرها من تحدث "العربي الجديد" إليهم بأنها ثمرة "تركيز الحزب على القضايا الاجتماعية والشبابية لمصلحة جذب ناخبين وأعضاء جدد إلى حزبنا".
بيورن ثورو: الوجه الشبابي لدي لينكه يلعب دوراً في اجتذاب المزيد من جيل سيصوت للمرة الأولى
في السياق، يؤكد عضو مجلس محافظة كييل عن الحزب بيورن ثورو أن "الوجه الشبابي لدي لينكه يؤدي دوراً في اجتذاب المزيد من جيل أكبر قليلاً من 18 سنة، والذين سيصوتون للمرة الأولى في حياتهم". ويضيف ثورو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بروز المرشحة الأولى للحزب هايدي رايشينيك (36 سنة)، باعتبارها نجمة على مستوى مخاطبة جيل الشباب عبر التواصل معهم على مواقعهم الشبابية "يؤدي دوراً في التحاق المزيد منهم بحزبنا".
ويعترفون في "دي لينكه" بأنهم غيروا بعض تكتيكاتهم، فمِنْ التسليط بصورة كبيرة على قضايا المناخ والبيئة، حولت رايشينيك النقاش إلى قضايا تهم فئات اجتماعية تشعر بقلق على مستوى معيشتها وأوضاعها الاقتصادية. وفي جولاتها الانتخابية تبدو رايشينيك أنها تتلمس مشاغل الألمان وقلقهم على جيوبهم ومستقبل أطفالهم وعلى هموم ومشاغل الشباب. فبلغة بسيطة تخاطب الجيل الشاب لتحذره من أن الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي يرشح فريدريش ميرز إلى المستشارية، والديمقراطي الحر (الليبرالي) يريدان "منح أغنى عشرة في المائة (في المجتمع الألماني) خمسين مليار يورو إضافية، بتخفيف الضرائب عنهم، بينما اليسار يعدكم بفرض ضرائب على أصحاب الملايين والمليارات وتخفيف العبء عن الـ90% من السكان".
وخلال أسابيع، سطع نجم رايشينيك، مجتذبة الراغبين في التعاطي مع قضايا أخرى غير التغيرات المناخية. وفي هذا الصدد، يؤكد بعض المتحدثين لـ"العربي الجديد"، أن "مسألة المناخ والتحول الأخضر مهمة، لكن هناك قضايا حيوية أخرى، وهو ما تناولته هايدي في الأيام الأخيرة من هذه الحملة"، كما توافق على ذلك ميريام وصديقتها آنا صوفي، في ضاحية غاردن، غير بعيد عن مدينة كييل، التي تقطنها كثير من الطبقات الاجتماعية الضعيفة، وبينها مَن هم من أصول مهاجرة. وتشير الصديقتان، اللتان ستصوتان للمرة الأولى في الانتخابات الألمانية، إلى أن "حقوق المرأة والتصدي بحزم للسياسات المناهضة للهجرة واللاجئين، ومواقف اجتماعية تقدمية تتعلق بنواح عديدة ومنها التعليم الشبابي وضد الحروب وتصدير الأسلحة، من الأمور التي تشغل جيلنا".
بعضهم يعترف بانتقاله من حزب الخضر إلى دي لينكه. فغير بعيد عن مقاطعة شلايفسغ هولشتاين يؤكد هارلد شيلدر، من مقاطعة مكلنبورغ على بحر البلطيق، أن التطور الإيجابي في شعبية اليسار "له أيضاً أسبابه المتعلقة بالانقسام والاستقطاب". ويوضح شيلدر، لـ"العربي الجديد"، أن تقدم اليمين وخسائر يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي)، تدفع كثيرين نحو التصدي النشط لتقدم اليمين المتطرف (البديل)، من خلال العمل السياسي والتصويت يساراً". ويُبرز في هذا الخصوص إمكانية ذهاب الخضر إلى حكومة ائتلافية برئاسة المحافظ ميرز. كما أن البعض يعتبر تصويته لليسار هذه المرة "شيئاً من الاحتجاج على الانعطاف اليميني الحاد لدى الأحزاب السياسية".
مناقشة المساواة في المجتمع
لا يعني تركيز "دي لينكه" من خلال الشخصية الكاريزمية الشبابية فيه هايدي رايشينيك على السوشال ميديا الإجحاف بحق قضايا أخرى، بحسب ما تراه مرشحة الحزب الأولى في كييل إلى الانتخابات الألمانية تامارا مازي في حديثها مع "العربي الجديد". وتشير مازي (من أصول ألمانية - بيروفية وعضو مجلس بلدي منتخب)، إلى أن فهم حزبها لقضايا المناخ والتحول الأخضر يتطلب أيضاً "مناقشة غياب المساواة في المجتمع، والتعامل مع مخاوف الناس من إمكانية التطبيع مع الفاشية". وشددت على أن ألمانيا لديها الكثير من المشاكل التي لم تحل منذ عقود، و"فوق كل ذلك استمرت الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الاتساع".
تامارا مازي: ألمانيا لديها الكثير من المشاكل التي لم تحل منذ عقود
ومن بين ما تحذر منه مازي هو "إشاعة أجواء كراهية ضد اللاجئين والمهاجرين، وهو ما ينعكس بصورة سلبية على المشاركة السياسية عند من هم من أصول غير ألمانية". وتعيش مازي في ضاحية ميتنهوف في كييل، حيث يعيش الآلاف من فئات اجتماعية ضعيفة، مؤكدة أن "نسبة المشاركة في التصويت للانتخابات البرلمانية عادة ما تكون متدنية، وتراوح بين 50 و60%، ما يعني أن كثيرين يشعرون بأن لا جدوى من تصويتهم". من ناحية أخرى، تؤكد مازي أن كييل مهمة لناحية الصناعات العسكرية وتصدير السلاح والغواصات "فنحن قمنا أثناء الحرب على غزة بفعاليات وتظاهرات كثيرة ضد مصانع راين ميتال العسكرية وتصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وقدمنا في المجلس المحلي مقترح قانون لوقف التصدير، على أن نستمر في الضغط بعد الانتخابات الألمانية لأجل إثارة هذه القضية على المستوى الفيدرالي".
إذا واصلت استطلاعات الرأي الثبات حتى مساء غد الأحد، فإن "دي لينكه"، بالطبع إلى جانب "البديل"، سوف يجنيان ثمار المتغيرات الأخيرة على مستوى شعبيتهما. واللافت في هذا الاتجاه أن الليبراليين يعانون من خسارة مدوية ربما تجعلهم خارج اللعبة تماماً، حيث لا تعطيهم الاستطلاعات فرصة القفز فوق عتبة الحسم بتحصيلهم أربعة وليس 5%، وهي خسارة هائلة من 11.5% في انتخابات 2021. الأمر نفسه ينطبق على حزب المستشار الحالي أولاف شولتز "الديمقراطي الاجتماعي" متراجعاً من 25.7% إلى حوالي 16%.