"الاستعداد 2030".. خطة دفاع أوروبية من 4 مشاريع كبرى

17 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 08:51 (توقيت القدس)
أعلام دول الاتحاد الأوروبي في مقره ببروكسل، 27 مايو 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تهدف خطة "الاستعداد 2030" إلى تعزيز الأمن والدفاع الأوروبيين عبر مشاريع مثل الدرع الجوي الأوروبي، مستفيدة من دروس حرب أوكرانيا، لكنها تواجه تحديات سياسية وتنسيقية.
- تعرقل الخلافات بين الدول الأعضاء تنفيذ الخطة، حيث تؤثر على وحدة القرار الدفاعي الأوروبي، مع تباين في مواقف الدول بشأن تمويل وتسليح أوكرانيا وتأثير الكلفة العسكرية.
- تتضمن الخطة جدولًا زمنيًا ضاغطًا لتحقيق جاهزية دفاعية بحلول 2030، مما يتطلب قيادة سياسية حاسمة وإقناع الشعوب بأهمية تحمل تكلفة الأمن الأوروبي.

في تحول نوعي في نهج الاتحاد الأوروبي تجاه الأمن والدفاع، أعلنت المفوضية الأوروبية، أمس الخميس، عن خطة "الاستعداد 2030"، وهي خريطة طريق شاملة تهدف إلى تجهيز القارة للدفاع عن نفسها من دون الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة. ووُصفت الخطة بأنها تاريخية، وتحمل رسائل واضحة مفادها أن زمن الشعارات قد انتهى، وأن الاتحاد أمام خمس سنوات حاسمة لترجمة طموحات الدفاع المشترك إلى واقع فعلي.

"يوم الإنزال الأوروبي": إعلان مرحلة جديدة

وأطلقت المفوضية الأوروبية على يوم إعلان الخطة اسم "يوم الإنزال" (D-Day)، في تشبيه رمزي بيوم الإنزال في نورماندي عام 1944 الذي شكّل نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية. المقصود أن لحظة التحول الأوروبي قد حانت، ولم يعد ممكناً الاكتفاء بالتصريحات؛ بات التنفيذ ضرورة عاجلة، وإلا فإن حلم "الاكتفاء الدفاعي الأوروبي" قد يتبخر بحلول عام 2030.

وقدّمت الخطة الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، كايا كالاس، قائلة: "هذه ليست مجرد خطة دفاع، بل خطة للسلام... روسيا قد لا تكون قادرة على مهاجمة الاتحاد اليوم، لكنها بالتأكيد تستعد لذلك في المستقبل".

مشاريع طموحة... وبصمة دنماركية

وجاءت الخطة استجابةً لمبادرات وضغوط من عدد من الدول، وعلى رأسها الدنمارك، حيث لعبت رئيسة حكومتها ميتا فريدركسن دورًا بارزًا في دفع بروكسل نحو تبني فكرة بناء قوة ردع أوروبية موحّدة، معتبرة أن أوروبا أضعف عسكريًا مما يعتقده الكثيرون، وأن الوقت لم يعد يسمح بالمماطلة.

وتتضمن الخطة أربعة مشاريع كبرى تُعرف بـ"المشاريع الرائدة"، وهي:

  • الدرع الجوي الأوروبي: نظام دفاع جوي مشترك يغطي القارة.
  • جدار الطائرات المسيّرة: شبكة منسّقة من المسيّرات والأنظمة الدفاعية المضادة.
  • درع الدفاع الفضائي: لحماية البنية التحتية الفضائية الأوروبية.
  • مراقبة الجناح الشرقي: تعزيز المراقبة والدفاع على الحدود الشرقية للاتحاد.

وتستند الخطة إلى دروسٍ استخلصتها أوروبا من حرب أوكرانيا، التي أظهرت أن الحروب الحديثة باتت أسرع وأكثر تكنولوجية وتعتمد على الطائرات المسيّرة والصواريخ. ويُنظر إلى النزاع هناك كحالة استعصاء في مواجهة الغرب لروسيا، وسط مخاوف من أن تكون دول أوروبية أخرى هدفًا لـ"حروب هجينة" يقودها الكرملين. ويميل كثيرون إلى اعتبار "الاستعداد 2030" محاولة أوروبية جادة لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، في ظل الغموض الذي يلف مستقبل حلف شمال الأطلسي ودور واشنطن الأمني في القارة.

الخطة ليست خالية من العقبات

رغم التوافق العام على ضرورة تعزيز الدفاع الأوروبي، إلا أن الخطة تصطدم بتباين الإرادات السياسية بين الدول الأعضاء. لا تملك بروكسل صلاحيات إلزامية لإجبار الدول على زيادة إنفاقها الدفاعي أو تنسيق مشترياتها، فالدفاع لا يزال ضمن صلاحيات السيادة الوطنية. وقالت كالاس في هذا السياق: "إحدى أكبر العقبات هي ضعف التنسيق في المشتريات العسكرية... لا يزال الإنفاق المشترك منخفضًا للغاية".

الطموح كبير، لكن التمويل غير مضمون. في حين تدفع بعض الدول نحو إنشاء آلية تمويل دفاعي مشترك على غرار صندوق التعافي من كورونا، تعارض دول مثل ألمانيا وهولندا والسويد بشدة أي حديث عن قروض أوروبية موحّدة. وتطرح المفوضية فكرة استخدام الأموال الروسية المجمدة كتمويل بديل، إلا أن ذلك لا يزال محل جدل قانوني وسياسي.

وخطة التسلّح الأوروبية لا تنفصل عن المشهد الأوسع، حيث تزداد حدة الخلافات بشأن دعم أوكرانيا. فرغم التوافق العلني، تختلف الدول حول حجم وشكل المساعدات، وهو ما ينعكس مباشرة على وحدة القرار الدفاعي الأوروبي، إلى جانب البيروقراطية الأوروبية المتمثلة في بطء الآليات الإدارية وصعوبة تنسيق السياسات بين 27 دولة عضواً.

خلافات تهدّد التنفيذ... وعوامل ترجّح النجاح

وتُظهر مواقف الدول الأعضاء تباينًا واضحًا يهدّد وحدة الموقف الأوروبي:

  • المجر تُعرقل تمويل تسليح أوكرانيا، مطالبةً بمراجعة العقوبات على روسيا.
  • ألمانيا تتردّد في تسريع دعم الذخائر.
  • تخشى دول جنوب أوروبا من تأثير الكلفة العسكرية على الإنفاق الاجتماعي.
  • أما دول وسط وشرق أوروبا فقد تتراجع بدورها إذا صعدت التيارات القومية في الانتخابات المقبلة.

ولا تقتصر التحديات على الجانب العسكري، بل تمتد إلى المساعدات الاقتصادية، وسط مخاوف من الفساد وسوء استخدام الأموال، ما يثير جدلًا حول الشفافية والرقابة. ورغم هذه العقبات، هناك مؤشرات مشجّعة: تنامٍ في الإدراك بأن أمن أوروبا لم يعد مضمونًا من الخارج، ووجود دعم شعبي متزايد — وإن كان هشًّا — خاصة في دول البلطيق وشرق القارة، إلى جانب ضغط الحرب في أوكرانيا الذي جعل التهديد الروسي واقعًا في أعين صانعي القرار.

خريطة الطريق... سباق مع الزمن

تقوم خطة "الاستعداد 2030" على جدول زمني ضاغط:

  • عام 2026: يجب على جميع الدول الأعضاء تقديم خطط دفاع وطنية تتضمن الميزانيات والمشاريع.
  • عام 2027: المستهدف رفع نسبة المشتريات الدفاعية المشتركة إلى 40% (مقارنة بـ20% حاليًا).
  • عام 2028: الموعد النهائي لتوقيع العقود وتأمين التمويل.
  • عام 2030: الهدف النهائي تحقيق "جاهزية دفاعية متكاملة".

في قلب هذه الخريطة، يُطلب من الدول الأعضاء الانخراط في تحالفات طوعية لتطوير قدرات عسكرية في تسعة مجالات تشمل الدفاع السيبراني، الذخائر، الطائرات المسيّرة، والتنقّل العسكري.

أوروبا القوية: واقع أم طموح مؤجل؟

رغم طموح الخطة ووضوح أهدافها، يرى كثيرون في بروكسل أن نجاحها مشروط بقيادة سياسية حاسمة واستعداد لإقناع الشعوب بأن أمن أوروبا لن يأتي بلا تكلفة. في ظل تصاعد التهديدات، وتراجع الاعتماد على حلف ناتو، وتعمق الانقسامات بين الدول الأعضاء، يواجه الاتحاد الأوروبي لحظة حاسمة: إما أن يتحرك بجدية، أو يُضيف "الاستعداد 2030" إلى قائمة الخطط التي لم تُنفّذ. فالاعتراف بالحاجة إلى دفاع أوروبي أقوى قائم، لكن السؤال الجوهري يبقى: هل الأوروبيون مستعدون لتحمّل ثمن هذه القوة قبل فوات الأوان؟ وإذا لم تُترجم هذه الخطة إلى أفعال، فقد تجد أوروبا نفسها عاجزة عن مواجهة خطر محتمل، والعين هنا، بطبيعة الحال، على روسيا.

المساهمون