الاستحقاقات كبيرة و"خيبة" الأميركيين أكبر

الاستحقاقات كبيرة و"خيبة" الأميركيين أكبر

26 مايو 2023
رفع سقف الدين العام تحول إلى بازار سياسي- انتخابي (Getty)
+ الخط -

يواجه الحزبان الديمقراطي والجمهوري استحقاقين كبيرين في آن: الترشيح لانتخابات 2024، وحاجة الخزينة لاقتراض المال لتفادي خطر ما يشبه الإفلاس. وبرغم خطورة العواقب والتداعيات في الحالتين، إلاّ أن الممارسة بقيت أصغر من التحدي بكثير، وبما أشاع أجواء الخيبة، وأدى إلى المزيد من هبوط ثقة الأميركيين بالاثنين، وبالتالي بالعملية السياسية مع كل ما ينطوي عليه ذلك من محاذير، حسب ما تعكسه استطلاعات الرأي.

رفع سقف الدّين العام تحوّل إلى بازار سياسي- انتخابي على حساب جدارته كمخرج إجباري لاستباق انهيارات اقتصادية ومالية، محلية وعالمية. وزيرة المالية جانيت يلين أكدت مراراً في الآونة الأخيرة أن إعلان العجز عن وفاء أميركا بالتزاماتها المالية وسداد المترتب من ديونها، صار بحكم تحصيل حاصل في أول يونيو/حزيران في حال بقي باب الاقتراض مقفلاً. المفتاح بيد الكونغرس، وبالتحديد بيد الغالبية الجمهورية في مجلس النواب التي تتحكم بها كتلة صغيرة من المتشددين الممانعين لزيادة الديون إلا بشروط عرقوبية حول خفض الإنفاق الحكومي، لا تقوى الإدارة على قبولها. حول هذه العقدة يجري التفاوض بين البيت الأبيض ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي الممسوك من المتشددين في حزبه. حتى اللحظة لا إشارة على حلحلة واعدة، حيث تستمر عملية العض على الأصابع برغم ضغط الوقت واقتراب الاستحقاق بعد 5 أيام. 

المفارقة أن البيت الأبيض لا يمسك بزمام المبادرة في مواجهة هذا الاستحقاق مع أن الدستور إلى جانبه، حيث ينص على أن سداد الدولة لديونها أمر "لا نقاش فيه". الجمهوري تمكّن من تسويق تفسيره بأن التسديد يجب أن يحصل من خلال الخفض في الموازنة وليس مراكمة الديون. حيلة وقع البيت الأبيض في شباكها وغرق في مفاوضات محكومة بتنازلات لصالح مكارثي.

العلّة كما يراها المراقبون تكمن في عجز "عضوي" لدى الإدارة في تسويق طروحاتها "الأقوى في المضمون" من عراقيل الجمهوريين. قصور أثار خيبة فريق من حزب الرئيس الديمقراطي يلوّح بالتصويت ضد أي تنازل في الموازنة، مما يهدد بأزمة الإفلاس.

نفس السيناريو يتكرر في افتتاح معركة الرئاسة. الرئيس بايدن يعاني من ركود في مقبوليته. ومؤخراً هبط رصيده إلى 40%. قبل أقل من شهر نزل إلى 36% حسب استطلاع شبكة "أيه بي سي" متقدماً بحوالي 6 نقاط فقط على المرشح الجمهوري دونالد ترامب، برغم كل أعطاب هذا الأخير السياسية ومشاكله في المحاكم. 

وما يضاعف من مخاوف الديمقراطيين أن علامات الاستفهام تتزايد حول ثمانينية بايدن، ما زاد من الريبة والتردد في تأييده، خاصة في صفوف المستقلين الذين يشكلون الرافعة الرئيسية للفوز بالرئاسة. يضاف إلى ذلك التشكي من ندرة حضوره الميداني ومخاطبة الناخب مباشرة أو إعلامياً، إذا لم يعقد منذ أشهر مؤتمراً صحافياً.

ومن المآخذ أن تواصله مع الناخب وحتى مع الإعلام "فقير في الأداء كما في حبك الأفكار وعرض المواقف"، كما يجري في معالجته لمسألة رفع سقف الدّين العام . يفاقم ذلك، غياب نائبته كامالا هاريس عن المشهد، أو تعثر أدائها عند حضورها. كل ذلك يثير قلقاً حقيقياً تعرب عنه صراحة جهات رأت من الأساس أن ترشيحه مغامرة "مهددة بكارثة انتخابية" ليست غير مستبعدة في ضوء معطيات معركته.

ومع ذلك، لم يبرز منافس ديمقراطي جدي لبايدن. وهنا الخيبة مزدوجة في أوساط وقواعد حزبه: من جهة لأنه أصر على خوض معركة من المفترض ألا يدخل ساحتها من هو بعمره. ومن جهة ثانية لأن الحزب كشف عن حالة من الترهل بعدم المجيء بمنافس له.

والخيبة تشمل الجمهوري أيضاً. مرشحه الطليعي دونالد ترامب محكومة محاولته بالخسارة إلا إذا حدثت مفاجأة عشية الانتخاب تبقيه كخيار إجباري. الأرقام وانقسامات الجمهوريين تنطق بذلك. مع هذا ما زال يتقدم على أقرب منافس له في انتخابات الترشيح، بنسبة اثنين إلى واحد. وهذا ما اتضح هذا الأسبوع عندما أعلن حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس ترشحه للانتخابات. من البداية كانت إطلالته بائسة. إعلانه جاء بصيغة وإخراج منفّرين، حاول من خلالهما تقليد ترامب في مخاطبته للمحافظين، لكن من دون كاريزما ترامب. فكان الإخفاق نصيبه، وحظي بتظهير فاقع في الإعلام ووسائل التواصل. الإشاعة عنه كنجم الجمهوريين في 2024 سرعان ما انكشفت أنها كانت منفوخة. في استطلاع جامعة كوينيبيك لم يصل إلى نصف رصيد ترامب لدى الجمهوريين، 26% مقابل 56%. وعندما يكون الإقلاع متعثراً وفاضحاً لهذه الدرجة، يصعب، بل يكاد يكون من المستحيل إحياء صاحبه، ولغاية اللحظة ليس في الأفق منافس أقوى لترامب.

مراهنة المرشحين الجمهوريين الباقين، ومنهم ديسانتيس، أن الأحكام القضائية المتوقع صدورها ضد ترامب قد تطيح بفوزه بالترشيح عن الجمهوري، وبالتالي تصبح الطريق مفتوحة إلى البيت الأبيض لو ترسخت القناعة لدى غالبية الناخبين بأن بايدن "عبء رئاسي" في ولاية يكون فيها بين 82 إلى 86 .

واقع الحال أن الحزبين في ورطة. كلاهما يمثله لغاية اللحظة، مرشح متفوق بنقاط الضعف والنفور- مع اختلافها النوعي بين الاثنين، كما لم يكن من قبل. كلاهما بايدن وترامب أسعفته الظروف مع قدر من الحظ في الوصول إلى الرئاسة. وإذا بقيت معادلة المرشحين على ما هي عليه الآن إلى مثل هذه الأيام بعد سنة؛ عندئذ ستكون أميركا مرة أخرى مع نسخة من انتخابات 2020. "ولو فاز ترامب تكون عودته خطيئة بايدن"، كما يقول أحد المراقبين، ولو أن ذلك فرضية تحتاج إلى ظروف خارقة لتتحقق.