الاحتلال يُدخل مستوطنين إلى حولا جنوبي لبنان تحت غطاء "زيارة دينية": دلالات ورسائل
استمع إلى الملخص
- أكد الجيش اللبناني أن دخول المستوطنين يمثل انتهاكًا للسيادة وخرقًا للقرارات الدولية، ويتابع الموضوع بالتنسيق مع اللجنة الخماسية ويونيفيل.
- تتواصل الجهود اللبنانية لمواجهة التحديات الأمنية، حيث بحث الرئيس اللبناني الأوضاع في الجنوب مع المسؤولين، وتستمر الوحدات العسكرية في دعم عودة الأهالي وإزالة الذخائر غير المنفجرة.
دخلت مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين، صباح اليوم الجمعة، موقع العباد عند حدود بلدة حولا جنوبي لبنان في زيارة وُصِفت بـ"الدينية" بمواكبة جيش الاحتلال الإسرائيلي في خرق لقرار وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يحمل في طيّاته دلالات ورسائل عدة خصوصاً أنه يأتي تحت عباءة "مدنيين" لا عسكريين.
ومهد الإعلام الإسرائيلي لهذه الجولة، أمس الخميس، وأشار إلى أن جيش الاحتلال يستعد لإدخال مئات اليهود الحريديم للصلاة في قبر الحاخام راب آشي الذي يقع جزء كبير منه داخل الأراضي اللبنانية، وهي المرة الأولى التي يؤدي فيها الحريديم طقوسهم الدينية عند القبر.
وقالت وسائل إعلام تابعة لحزب الله إنه "في محاولة لترميم ثقة المجتمع الإسرائيلي وإشعاره بالأمان عند الحدود مع لبنان لدفع المستوطنين إلى العودة الكاملة إلى الشمال الفلسطيني المحتل، استقدم جيش الاحتلال مجموعات من المتدينين إلى موقع العباد عند حدود بلدة حولا لزيارة ما يدّعون أنه قبر الحاخام آشي الذي يمر الخط الأزرق في وسطه"، مشيرة إلى أن "جيش الاحتلال كان أقام سياجاً عليه وأبقى نصفه داخل الأراضي اللبنانية وعند بناء الجدار الإسمنتي في الموقع بقي القبر بأكمله خارج الجدار".
ولفت مصدر نيابي في حزب الله لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "هناك رسائل عدة يريد الاحتلال إيصالها من خلال ما حصل اليوم، منها أمن المستوطنين، وأنه قادرٌ على حمايتهم، وإظهار نفسه قادراً على التحرّك كيفما وساعة يشاء بدعم أميركي واضح وضوء أخضر منه". وأشار المصدر إلى أن "الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية لقرار وقف إطلاق النار باتت فاضحة ولم يعد بالإمكان السكوت عنها، وننتظر من السلطات اللبنانية التحرك ووضع حد لها، إذ لا يمكن أن تبقى متفرجة على ما يحدث وعلى الخروقات التي أصبحت يومية وأمام أنظار رعاة الاتفاق".
ترجمة قدس| مصادر عبرية: جيش الاحتلال الإسرائيلي يسمح ل 800 من اليهود "الحريديم" الوصول إلى قبر مقام الشيخ العباد داخل الأراضي اللبنانية، تحديدا تلة العبّاد في بلدة حولا. pic.twitter.com/4VIvIcAENs
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) March 7, 2025
بدوره، قال الجيش اللبناني في بيان إنه "في سياق مواصلة العدو الإسرائيلي اعتداءاته وخروقاته لسيادة لبنان، عمد عناصر من القوات المعادية إلى إدخال مستوطنين لزيارة مقام ديني مزعوم في منطقة العباد - حولا في الجنوب، ما يمثل انتهاكاً سافراً للسيادة الوطنية اللبنانية". وأشار إلى أن "دخول مستوطنين من الكيان الإسرائيلي إلى الأراضي اللبنانية هو أحد وجوه تمادي العدو في خرق القوانين والقرارات الدولية والاتفاقيات ذات الصلة، ولا سيما القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار". وأكد أن قيادة الجيش تتابع الموضوع بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل".
وفي الإطار، قال رئيس الوفد اللبناني السابق في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني، بسام ياسين، لـ"العربي الجديد" إنّ "عشرات الخروقات الإسرائيلية تُرتكب يومياً في لبنان، بحراً وجوّاً وبرّاً، لكن هذه المرّة الأولى التي يأتي الخرق من مستوطنين مدنيين إسرائيليين، بعبورهم الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة"، مشدداً على أنّ هذا الخرق "كبير وأهم رسالة يحملها هي للمستوطنين على الحدود بأنّ المنطقة أصبحت آمنة بدليل أنهم عبروا اليوم الحدود ولم يتصدَّ لهم أحد".
ورأى ياسين أنّ "الخرق الذي حصل اليوم إضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، بما فيها على البقاع إلى جانب الجنوب، والاحتفاظ الإسرائيلي بالنقاط الخمس على الحدود مع توسع رقعة المنطقة العازلة أي (بافر زون)، كلها مؤشرات تدل على ذهاب الأمور إلى مكان سيئ في المستقبل". وأضاف أنّ "الإسرائيلي لا يخفي أطماعه في جنوب لبنان وضمنها مراكز يعتبرها ترمز إلى اليهودية، ما يمهد لتنفيذ عمليات توسعية كما فعل في جنوب سورية والجولان، وبالتالي إذا لم يتم ردعه ومنعه من إتمام هذا المخطط، فقد نرى على صعيد أكبر خروقات من هذا النوع وصولاً حتى إلى إضافة أراضي للاحتلال".
وشدد ياسين على أن هذه الخروقات والمخططات يجب التصدي لها بالدبلوماسية وغير الدبلوماسية، فما يحصل يثبت أنّ هذه الطريقة من الدبلوماسية لن توصل إلى أي مكان، والمطلوب هبة شعبية أيضاً وتحرك واسع لمنع الإسرائيلي من تحقيق أهدافه وأجنداته. وقال ياسين: "مع نهاية الحرب في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قلت إننا دخلنا في العصر الأميركي، كي لا أقول إننا في العصر الإسرائيلي، وأنا اليوم أيضاً غير مرتاح للأوضاع، المنطقة تتغير والإسرائيلي يتمدد، ويريد أن يحقق حلمه بإسرائيل الكبرى قطعة قطعة، ونرى كيف أن عملية التهجير الفلسطينية من غزة والضفة سارية على قدم وساق".
وحذر ياسين: "لا أخفي أن هناك قلقاً على منطقة جنوب الليطاني في المستقبل، التي يضعها الإسرائيلي أيضاً ضمن أهدافه، ولا سيما في هذه المرحلة حيث يعتقد نفسه مرتاحاً بتحقيق ذلك بعدما أصبحت المقاومة أي حزب الله بوضع عسكري غير مرتاح فيه، والذي في حال تحرك يحتاج إلى وقتٍ، الأمر الذي سيفتح الباب كذلك لمعركة كبرى في المنطقة كلها، عدا عن أن الإسرائيلي أخذ ما يُسمى قبة باط من الأميركي تجعله يفعل ما يريد".
ورأى ياسين أن "لبنان طبعاً لم يعط موافقة على استمرار الوجود الإسرائيلي على أراضيه لأسابيع أو أشهر، كما ذُكر في موقع أكسيوس الأميركي، لكن السلطات اللبنانية السياسية والعسكرية في المقابل هي غير قادرة على الوقوف بوجه الأميركي والإسرائيلي في ظل وجود فرق في موازين القوى. وبالتالي، وإن نفت الأوساط الرسمية القبول، فإن النتيجة الميدانية تظهر أنه بات هناك أمر واقع بحيث يتصرف الإسرائيلي بكل أريحية في المنطقة من دون أن يردعه أحد ولا أعتقد أنه ممكن أن يردعه أحد في وقتٍ قريبٍ".
على صعيد ثانٍ، شرح الباحث اللبناني خالد الحاج لـ"العربي الجديد" أنه في التراث اليهودي هناك فرق بين النصوص المكتوبة وتلك الشفهية، فالمكتوب يسمى بأسفار موسى الخمسة، أما الشفهية فهي تحمل التفسيرات والشروحات للشريعة اليهودية، لافتاً إلى أن هناك تناقضات بين التوراة الأورشاليمية وتلك البابلية، مع الإشارة إلى أن الأخيرة أتت من بلاد بابل، العراق اليوم، والأولى مرتبطة بالقدس. وتابع الحاج أن "التفسير الأوسع لمعظم الطقوس الدينية وغيرها من المواضيع حصلت في أكاديمية سورة، وهي واحدة من أهم الأكاديميات في التاريخ بحسب اعتقاد اليهود، وفيها جرت عمليات جمع ومناقشات وفتاوى للحاخامات خلال الأجيال وكان على رأسها الحاخام راب آشي وهو مهم جداً بالتراث اليهودي".
وأشار الحاج إلى أن "لا دليل تاريخياً يؤكد أن القبر يعود له ولا دراسة أركيولوجية تربط النقوش أو الأشغال المرتبطة بالقبر على أنها تعود للقرن الرابع أو الخامس ميلادي، وبالتالي ومن ناحية المنطق التاريخي، فإن هذا الشخص كبير في السن، وقد دفن في المكان الذي مات فيه. لكن بسبب الأسلوب الإسرائيلي المعتمد ومحاولة ربط أنفسهم بهذه المنطقة الجغرافية فهم يذهبون باتجاه هكذا إسقاطات لكن تاريخياً لا دليل أو دراسة أو وثيقة تثبت أن هذا القبر يعود للحاخام راب آشي".
مواكبة عودة الأهالي إلى جنوب لبنان
وفي سياق متصل بالأحداث الميدانية، استقبل الرئيس اللبناني جوزاف عون، قبل ظهر اليوم الجمعة، في قصر بعبدا رئيس مجلس النواب نبيه بري وتم التداول في الأوضاع العامة في البلاد ولا سيما في الجنوب. كما أطلع عون رئيس البرلمان على "نتائج زيارته إلى المملكة العربية السعودية بدعوة من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، كما وضعه في أجواء اللقاءات التي عقدها على هامش القمة العربية غير العادية التي انعقدت في القاهرة تحت عنوان قمة فلسطين"، بحسب الرئاسة.
إلى ذلك، عرض عون، اليوم الجمعة، مع وزير الدفاع الوطني ميشال منسى الأوضاع الأمنية في البلاد والتطورات في الجنوب وانتشار الجيش في المدن والقرى الجنوبية، كما تطرق البحث إلى حاجات المؤسسة العسكرية. وقال الجيش اللبناني، أمس الخميس، إن إمعان جيش الاحتلال الإسرائيلي في اعتداءاته يهدد استقرار لبنان وينعكس سلباً على الاستقرار في المنطقة، كما يتنافى مع اتفاق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن "العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على سيادة لبنان براً وبحراً وجواً، وآخرها سلسلة عمليات استهداف لمواطنين في الجنوب والبقاع، إلى جانب استمرار احتلاله لأراضٍ لبنانية، وخروقاته المتمادية للحدود البرية".
وفي موازاة ذلك، تستمر الوحدات العسكرية في مواكبة عودة الأهالي إلى المناطق الجنوبية من خلال معالجة الذخائر غير المنفجرة وإزالة الركام وفتح الطرقات، فيما تتابع قيادة الجيش الوضع وتتخذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
وتجاوزت الخروقات الإسرائيلية منذ دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي عتبة الألف، وأسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 77 شهيداً وأكثر من 270 جريحاً، ليتخطى بذلك عدد الشهداء منذ بدء العدوان في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، 4100 شهيد، و17 ألف جريح، وذلك بحسب متابعة لبيانات وزارة الصحة اللبنانية.