استمع إلى الملخص
- شهد قطاع غزة تصعيداً ميدانياً من قبل الاحتلال، مما أدى إلى استشهاد أربعة فلسطينيين. أكدت حماس على ضرورة ضمانات لتنفيذ أي اتفاق جديد، مشيرة إلى دور مصر وقطر في الوساطة.
- يرى الكاتب محمد هلسة أن نتنياهو يستغل المفاوضات للضغط والمراوغة، مع انقسام داخلي حول استئناف الحرب، محاولاً تحقيق مكاسب سياسية داخلية.
لم ينتظر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كثيراً ليقدم على اتخاذ خطوات تصعيدية متعلقة باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، التي تمثلت في إغلاق المعابر الحدودية ومنع دخول المساعدات والبضائع للتجار، إلى جانب التصعيد الميداني. وبعد اجتماع عقده نتنياهو مع المنظومة الأمنية والسياسية، أعلن، أمس الأحد، عن اتخاذ سلسلة من الخطوات التصعيدية تجاه القطاع، فيما حمّل حركة حماس مسؤولية ما يجري عبر رفضها ما وصفه بـ"اقتراح ويتكوف" لتمديد الاتفاق. وبحسب البيان الذي أصدره مكتب نتنياهو: "في ضوء رفض حماس قبول مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف لمواصلة المحادثات الذي وافقت عليه إسرائيل، قرر رئيس الحكومة أنه بدءاً من صباح الأحد، يتوقف إدخال المساعدات إلى قطاع غزة"، مشدداً على أن إسرائيل "لن تسمح بوقف إطلاق نار من دون إطلاق سراح مختطفينا". وهدد بأنه "إذا ما واصلت حماس رفضها، فستترتب عن ذلك تبعات إضافية". ونتيجة للقرار الإسرائيلي، عادت جميع الشاحنات التي كانت في طريقها إلى معبر كرم أبو سالم لإدخال المساعدات والبضائع التجارية أدراجها حيث كانت، من دون أن تتمكن من إدخال أي من احتياجات القطاع الأساسية.
إياد القرا: حركة حماس لن تقبل بالطريقة التي تُدار بها المفاوضات
تصعيد الاحتلال في غزة
أما ميدانياً، فقد صعّد الاحتلال من عملياته العسكرية، حيث قصف واستهدف عدة مناطق عبر طائراته المسيّرة ومدفعيته المنتشرة على مقربة من المناطق الشرقية للقطاع، ما تسبب في استشهاد أربعة فلسطينيين نتيجة للاستهدافات في بلدة عبسان. وشهد قطاع غزة تحليقاً مكثفاً للطيران الحربي في عدة مناطق وعلى ارتفاعات متفاوتة، في إشارة تعكس التهديد الإسرائيلي بإمكانية عودة الحرب من جديد، في ظل الانقلاب الإسرائيلي على الاتفاق المبرم بوساطة مصرية وقطرية. أما حركة حماس، فعلقت على قرار نتنياهو بالقول إن "البيان الصادر عنه مكتب رئيس حكومة الاحتلال الإرهابي نتنياهو، بشأن اعتماده مقترحات أميركية لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، وفق ترتيبات مخالفة لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، هو محاولة مفضوحة للتنصل من الاتفاق والتهرب من الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية منه". وبحسب الحركة، فإن "قرار نتنياهو وقف المساعدات الإنسانية هو ابتزاز رخيص، وجريمة حرب وانقلاب سافر على الاتفاق، وعلى الوسطاء والمجتمع الدولي التحرك للضغط على الاحتلال ووقف إجراءاته العقابية وغير الأخلاقية بحق أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة". وشددت الحركة على أن "سلوك نتنياهو وحكومته يخالف بوضوح ما ورد في البند 14 من الاتفاق، الذي ينص على أن جميع الإجراءات الخاصة بالمرحلة الأولى تستمر في المرحلة الثانية، وأن الضامنين سيبذلون قصارى جهدهم لضمان استمرار المباحثات حتى التوصل إلى اتفاق بشأن شروط تنفيذ المرحلة الثانية".
وعن التطورات الحاصلة في غزة، قال الكاتب إياد القرا، لـ"العربي الجديد"، إن حركة حماس لن تقبل بالطريقة التي تُدار بها المفاوضات حالياً، خصوصاً في ظل محاولات نتنياهو التهرب من التفاهمات السابقة. وأشار إلى أن أي اتفاق جديد لن يكون مجدياً ما لم يتضمن ضمانات واضحة تلزم إسرائيل بتنفيذه، فيما اعتاد الاحتلال التملص من الاتفاقات، ليس في غزة فقط، بل أيضاً في لبنان وسورية. واعتبر أن تراجع إسرائيل عن التزاماتها يمثل خطوة خطيرة، إذ تملّصت من تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، التي كان يفترض تمديدها من 42 إلى 50 يوماً في حال استكمال المفاوضات، غير أن نتنياهو اختار نهج التصعيد رافضاً التقدم إلى المرحلة الثانية، مفضّلاً سياسة الضغط عبر وقف إدخال المساعدات إلى غزة، ما يزيد من معاناة السكان في ظل الوضع الإنساني المتدهور.
وبحسب القرا، فإن الاحتلال لا يكتفي بالحصار، بل يلجأ أيضاً إلى التصعيد العسكري عبر القصف والتوغلات المحدودة، وهو ما يعكس عودة إلى الحرب بأساليب مختلفة، ويؤكد أيضاً أن نتنياهو يهدف إلى تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق للحصول تدريجياً على الأسرى الإسرائيليين من دون تقديم أي التزامات سياسية حقيقية، مثل وقف إطلاق النار الكامل أو إعادة إعمار غزة، وهو ما يهدد بنسف الاتفاق تماماً وإعادة الصراع إلى نقطة الصفر. ورأى القرا أن الولايات المتحدة تؤدي دور الشريك الفعلي لإسرائيل في الصراع الحالي، وليس دور الوسيط، إذ إن نتنياهو يستخدم اسم الولايات المتحدة لتبرير سياساته، سواء في الاتفاقيات أو في الإجراءات التي اتخذها سابقاً. وأضاف أن الوساطة الفعالة قد تأتي من مصر وقطر، اللتين يمكنهما ممارسة ضغوط حقيقية لمنع انهيار الصفقة، ومع ذلك، فإن التعنت الإسرائيلي والمماطلة المستمرة يعيقان تحقيق أي تقدم حيث من المرجح أن تسعى بعض الأطراف، خصوصاً مصر وقطر، لمنع انهيار الاتفاق، لما قد يترتب عليه من تصعيد جديد يعيد الوضع إلى نقطة الصفر.
محمد هلسة: نتنياهو لم يكن مستعداً فعلياً للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق
نتنياهو ليس مستعداً للمرحلة الثانية
من جهته، رأى الكاتب محمد هلسة أن نتنياهو لم يكن مستعداً فعلياً للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، إذ لم يكن هدفه الأساسي الالتزام بمسار واضح، بل استغلال المفاوضات أداةً للضغط والمراوغة. وقال هلسة لـ"العربي الجديد" إن الخطوات التي اتخذها نتنياهو أخيراً كانت متوقعة، فهو يسعى إما لدفع الوسطاء وحركة حماس للقبول بتمديد المرحلة الأولى وفق شروطه، أو التوجه نحو تصعيد عسكري محسوب. وأوضح أن حركة حماس لن تقبل بسهولة تسليم ما تبقّى من ورقة الأسرى للإسرائيليين، من دون ضمانات واضحة تضمن تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، إذ إن الاحتلال يحاول فرض واقع جديد، مع سعي نتنياهو إلى تكرار سيناريوهات سابقة، عبر تمديد الاتفاق بصيغة "أسير مقابل أسير"، من دون التزامات إضافية من الجانب الإسرائيلي. وأشار هلسة إلى أن هناك انقساماً داخل المجتمع الإسرائيلي حول استئناف الحرب، لكن هذا الرفض ليس نابعاً من معارضة الحرب بحد ذاتها، وإنما خوفاً من تأثيرها على فرص استعادة الأسرى، فبعض الإسرائيليين يخشون أن يؤدي أي تصعيد عسكري إلى تعقيد المفاوضات، في حين أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لإبقاء الضغط على غزة، سواء عبر التجويع أو عبر العمليات العسكرية المحدودة.
وأعرب عن اعتقاده أن نتنياهو يحاول تحميل الولايات المتحدة مسؤولية أي تعثّر في المفاوضات، عبر ترويج أن موقفه يعكس التوجهات الأميركية، في محاولة لإضفاء شرعية على سياسته، إلى جانب أن المناورات السياسية والعسكرية الحالية تهدف إلى كسب الوقت والضغط على "حماس" من خلال تعطيل إدخال المساعدات الإنسانية، واستهداف القطاع بعمليات قصف واغتيالات. ولفت هلسة إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد تصعيداً عسكرياً مدروساً، إذ يسعى نتنياهو إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية من خلال فرض واقع جديد، خصوصاً خلال شهر رمضان (شهر مارس/آذار الحالي)، لكن ما بعد رمضان قد يكون نقطة تحوّل في المشهد، إذ لم تسقط الحرب من الحسابات الإسرائيلية، ولم تظهر حتى الآن عوائق حقيقية تمنع الاحتلال من تنفيذ تصعيد واسع، سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى العلاقة مع الولايات المتحدة.