الاحتلال يستهدف مكونات العمل الحكومي... دفع لانهيار حكم حماس
استمع إلى الملخص
- رغم محاولات الاحتلال لخلق فراغات قيادية، تمكنت حماس من تجاوزها بفضل هيكلها الإداري المتماسك، مما يثبت عدم فعالية سياسة الاغتيالات في التأثير على المقاومة الفلسطينية.
- تتبع إسرائيل استراتيجية مزدوجة لتدمير البنية التحتية واغتيال القيادات، بهدف فرض نموذج إداري جديد لقطاع غزة، مع توقع تصعيد في عمليات الاغتيال.
منذ استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة في 18 مارس/آذار الحالي، نفذ عمليات استهداف قيادات وكوادر العمل الحكومي والتنظيمي لحركة حماس ضمن الأهداف التي سبق أن أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي إنهاء حكم حماس وتدمير البنية التحتية لحكمها.
واغتال الاحتلال الإسرائيلي يوم استئناف العدوان رئيس لجنة العمل الحكومي (حكومة حماس) عصام الدعاليس، الذي سبق أن نجا عدة مرات من عمليات اغتيال إسرائيلية، فضلاً عن اغتيال وكيل وزارة الداخلية في غزة محمود أبو وطفة ورئيس جهاز الأمن الداخلي بهجت أبو سلطان. ولم يتوقف الأمر عند حد اغتيال الكوادر الحكومية المباشرة، بل تخطى ذلك لاغتيال كوادر شعبية، أو لجان طوارئ، كما حصل مع القيادي في حركة حماس ورئيس لجنة الطوارئ محمد الجماصي الذي اغتيل مع عائلته في قصف إسرائيلي في الضربة الأولى لعودة العدوان.
إياد القرا: سياسة الضغط ومحاولة تأليب الشارع الفلسطيني والاغتيالات سبق أن فشلت في الماضي
وتكرر الأمر ذاته لاحقاً، مع عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل برهوم، الذي زعمت إسرائيل أنه أمسك بزمام الأمور في إدارة العمل الحكومي بعد اغتيال الاحتلال الدعاليس، إلى جانب إدارته للملف المالي للحركة في القطاع. إلا أن مصادر قيادية في الحركة كشفت للتلفزيون العربي أخيراً أن الحركة قررت بعد اغتيال الدعاليس عدم تعيين بديل له في رئاسة لجنة متابعة الحكومة، في سياق التمهيد لتولي لجنة الإسناد المجتمعي إدارة شؤون قطاع غزة، فيما يدار الآن لمتابعة الخدمات الأساسية فقط منعاً للفراغ في ظل الحرب.
وسبق أن تكررت عمليات الاغتيال مرات عدة مع شخصيات محسوبة على لجان الطوارئ مثل وكيل وزارة العمل إيهاب الغصين، بالإضافة لحاتم الغمري الذي كان يمسك إدارة لجان الطوارئ في مخيمات وسط القطاع، أو عبر اغتيال عدد من رؤساء البلديات والمجالس المحلية. ولا يبدو أن الأمر يقتصر على استهداف المسؤولين الحكوميين أو اللجان الشعبية والطوارئ، بل يمتد لاستهداف الشخصيات المرتبطة بالملف الشعبي والتعامل مع الجمهور وحل إشكالياتهم، ما يعكس مساع إسرائيلية واضحة لضرب حكم حماس عبر نشر الفوضى وتعزيز حالة الفلتان التي سعى لتكريسها منذ بداية حربه في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولم يسبق أن نفذ الاحتلال الإسرائيلي عمليات اغتيال مركزة تستهدف المسؤولين الحكوميين بهذه الطريقة خلال الحروب السابقة على القطاع، باستثناء ما جرى في بداية الحرب في العام 2008، فيما يبدو الأمر مرتبطاً برغبة الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو في إسقاط حكم حماس للقطاع المتواصل منذ العام 2006.
سياسة إسرائيلية لإسقاط حكم حماس
ويقول الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا إن سياسة الاغتيالات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي تستهدف بدرجة أساسية إضعاف الجبهة الداخلية والحاضنة الشعبية في غزة، إلى جانب الضغط الآخر المتمثل بالقتل والتجويع والضغط المكثف على المدنيين. ويوضح القرا، لـ"العربي الجديد"، أن سياسة الضغط ومحاولة تأليب الشارع الفلسطيني والاغتيالات سبق أن فشلت في الماضي رغم تكرارها، ومن المتوقع أن تفشل مجدداً في ظل الانخراط الإسرائيلي بمحاولة توجيه المطالب الشعبية بوقف الحرب بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
ويضيف أن الاحتلال عبر الاغتيالات يحاول خلق فراغات قيادية داخل القطاع، سواء عبر الجسم الحكومي، أو حتى عبر المستوى القيادي والتنظيمي لحماس، غير أن الحركة، وبفضل هيكلها الإداري المتماسك وتسلسلها القيادي المعروف، استطاعت تجاوز هذه المحاولات وسد الفراغات، دون أن يتأثر أداؤها، سواء في المجال السياسي أو العسكري. ويبين أن إسرائيل ترى في هذه العمليات وسيلة لإرباك التفاوض وإحداث خلل في إدارة القطاع، غير أنه يشير إلى أن التجربة تؤكد أن سياسة الاغتيالات لم تكن فعالة بشكل كبير في التأثير على المقاومة الفلسطينية أو مكوناتها الداخلية. ويبين أن حركة حماس تسعى بوضوح لأن يكون هناك توافق وطني على أي إدارة مستقبلية، شرط أن تكون خالية من التأثير الإسرائيلي أو مشاركته، حفاظاً على السيادة الوطنية والقرار الفلسطيني المستقل.
سليمان بشارات: الهدف من الاستراتيجية الإسرائيلية خلق شعور مجتمعي بأن هناك فراغاً قادماً
وتمر مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بحالة من المراوحة جراء تنصل الاحتلال الإسرائيلي من الاتفاق الموقع برعاية قطرية ومصرية وغياب الضغط الأميركي على حكومة نتنياهو.
تكرار لنماذج سابقة
من جهته، يؤكد الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات، أن الاحتلال يعيد تنفيذ نموذج استخدمه سابقاً خلال عملية "السور الواقي" في الضفة الغربية في العام 2002، ولكن هذه المرة في قطاع غزة، وبأدوات ومنهجية أكثر تطوراً وكثافة. ويوضح بشارات، لـ"العربي الجديد"، أن إسرائيل تعمل وفق استهداف مزدوج، يبدأ بتدمير شامل للبنية التحتية والمؤسسات، ويُتبع بعمليات اغتيال مركّزة، إذ إن ما يجري في غزة اليوم هو حالة أكثر تركيزاً وكثافة من تجربة "السور الواقي"، إذ يسعى الاحتلال لإحداث شلل شامل في قطاع غزة من خلال تدمير منهجي للبنية التحتية، واستشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني، فضلاً عن التهجير القسري داخل القطاع، وتدمير قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والمؤسسات المدنية.
ويشير بشارات إلى أن إسرائيل انتقلت الآن إلى مرحلة استهداف الرموز والقيادات التي تشكّل ركيزة للبنية المؤسسية والإدارية في غزة، إذ إن هذا التحول في الاستراتيجية يهدف إلى إحداث فراغ قيادي وإرباك مجتمعي، تمهيداً لفرض نموذج جديد لإدارة القطاع. ويرى أن الاحتلال يعجز عن تحقيق انهيار كامل بشكل مباشر، لذا يعتمد سياسة "التجزئة"، إذ بدأ بضرب البيئة الحاضنة، ويتجه حالياً نحو استهداف القيادات السياسية والإدارية، والهدف من هذه الاستراتيجية هو خلق شعور مجتمعي بأن هناك فراغاً قادماً، وأن المشهد متجه نحو "تيه مستقبلي"، بما يدفع الناس للبحث عن حلول بديلة تنطلق من حاجاتهم الأساسية – كالمأوى والطعام والأمن – وليس من قناعات وطنية.
ويلفت إلى أن الاحتلال يسعى لاستغلال هذه اللحظة لطرح نموذج إداري جديد لقطاع غزة، إما عبر فرض قيادة بديلة عن حكم حماس أو من خلال أطراف تتماهى مع الرؤية الإسرائيلية، وهو يسعى لإفشال نموذج المقاومة من خلال استنزافها، واستهداف رموزها في كل المجالات، السياسية، والعسكرية، والإعلامية، كما يحاول إقناع الجمهور بأن هذا النموذج قد طُويت صفحته، وأن الوقت حان لاستبداله. ولا يستبعد أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً كبيراً في عمليات الاغتيال والاستهداف، ليس للسياسيين فحسب، بل لكل من يُشكّل رمزاً أو مرجعية في الحياة العامة بقطاع غزة.