مع استمرار المجاعة التي تنهش سكان قطاع غزة المحاصر، وتصاعد الغارات والتوغلات البرية، انفجر الوضع الإنساني والأمني في رفح جنوبي القطاع، حيث تحوّلت محاولة توزيع المساعدات الأميركية الإسرائيلية إلى مشهد من القتل والفوضى والمواجهات والاعتقالات، ما يعكس فشل الآلية المفروضة ميدانياً، وسط اتهامات بأن الخطة ذات طابع "أمني" بالأساس، في ظل انسداد كامل في مسار التفاوض وغياب أي أفق لوقف العدوان.
وشهد مركز توزيع المساعدات في غرب مدينة رفح حالة من الفوضى العارمة، بعد تدافع آلاف المواطنين الجياع، واعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي عدداً من الشبان، وسط إجراءات أمنية مهينة شملت أخذ بصمات العيون. وترافق ذلك مع إطلاق نار أدى إلى سقوط شهداء، وتحليق مروحيات، ما فاقم حالة الاحتقان الشعبي والاتهامات باستخدام الإغاثة غطاءً لتحرك أمني واستخباري.
ووصف ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، الوضع الإنساني في قطاع غزة بـ"المفجع". وقال دوجاريك في بيان مساء الثلاثاء إن صور الحشود الفلسطينية التي تتدافع للحصول على المساعدات الغذائية في قطاع غزة "تدمي القلب". وأضاف أنه لا يوجد وقود حالياً في جنوب غزة، ولم يتم تسلُّم سوى ثلث الإمدادات المطلوبة الأسبوع الماضي.
ودعا دوجاريك إلى "فتح جميع نقاط العبور للمساعدات الإنسانية والسلع التجارية"، مضيفاً أن الأمم المتحدة وشركاءها في المجال الإنساني "على استعداد لتقديم المساعدات على نطاق واسع". وتابع دوجاريك: "يجب احترام القانون الدولي وتمكين العمليات الإنسانية دون مزيد من التأخير". وأثارت مشاهد مصورة من نقطة توزيع مساعدات خاصة بـ"مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية"، المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. وشبه المعلّقون المشاهد بصور التقطت في معسكرات الاعتقال النازية.
وأقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، باعتقال آلاف الفلسطينيين في غزة وتصويرهم عراة، زاعماً أنه لا تظهر عليهم آثار سياسة التجويع الممنهج التي تنتهجها إسرائيل في القطاع المحاصر منذ 600 يوم. وفي محاولة لتبرير سياسة التجويع الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة، قال نتنياهو، بحسب ما تنقل صحيفة يديعوت أحرونوت: "نأخذ آلاف الأسرى ونصورهم ونطلب منهم خلع قمصانهم للتأكد من عدم وجود أحزمة ناسفة". وتابع في كلمة خلال "المؤتمر الدولي لمكافحة معاداة السامية"، الذي نظمته وزارة الخارجية في القدس الغربية: "آلاف وآلاف من الأسرى يخلعون قمصانهم، ولا ترون أي واحد منهم هزيلاً منذ بداية الحرب وحتى اليوم، بل ترون العكس تماماً"، وفق مزاعمه.
ميدانياً، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الأربعاء، مجزرتين بحق عائلتين في شمال قطاع غزة ووسطه، راح ضحيتهما 15 فلسطينياً، بينهم أطفال ونساء، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا". وذكرت "وفا" أنه "في حي الصفطاوي شمالي مدينة غزة، استهدفت غارة لطائرات الاحتلال الحربية منزل عائلة العربيد، ما أدى إلى استشهاد 8 أفراد وإصابة آخرين... كذلك استشهد 6 من أفراد عائلة عقيلان في مدينة دير البلح وسط القطاع، بعد استهداف منزلهم بغارة لطائرات الاحتلال الحربية".
ويحافظ المستوى السياسي الإسرائيلي على حالة من الغموض بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع حركة حماس في الأيام المقبلة، يفضي إلى وقف لإطلاق النار في غزة وتبادل للأسرى. ونقلت صحيفة هآرتس العبرية، مساء أمس الثلاثاء، عن مصدر سياسي إسرائيلي لم تسمّه، أن "المحادثات مستمرة طوال الوقت"، بينما طلب مصدر آخر خفض التوقعات. وقال المصدر الثاني إنّ "المسؤولية عن القدرة على التقدّم الآن (في المفاوضات) تقع على عاتق حماس... ويجب عليها قبول المقترح الذي نقلته إليها إسرائيل، هذا هو الأساس، وبمجرد حدوث ذلك، سيكون من الممكن صياغة مقترح".
في غضون ذلك، أشارت الصحيفة إلى أنّ الإدارة الأميركية تواصل إجراء محادثات عبر قنوات غير رسمية، وتمارس ضغوطاً في محاولة لدفع الأطراف لقبول صيغة مشتركة، لافتة إلى أنّ الخلاف الأساسي بين إسرائيل و"حماس" لا يزال على حاله، والمتمثل بطلب "حماس" الحصول على ضمانات بأن إسرائيل ستلتزم إنهاء الحرب في إطار الصفقة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها أنّ الإدارة الأميركية تقوم بدراسة صيغ لضمانات كهذه بحيث تكون مقبولة لدى الطرف الإسرائيلي و"حماس".
تطورات الحرب على غزة يتابعها "العربي الجديد" أولاً بأول..