الاحتلال يستأنف الحرب على غزة... حسابات نتنياهو وجيشه

19 مارس 2025
في جباليا شمال غزة بعد الضربات الإسرائيلية، 18 مارس 2025 (بشار طالب/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استئناف الهجمات الإسرائيلية على غزة في 19 يناير 2025 استهدف منازل ومساجد ومراكز إيواء، وركز على اغتيال قيادات حماس وحكومة غزة، مما أدى إلى استشهاد مسؤولين بارزين.
- التصعيد جاء نتيجة لأزمات سياسية داخلية في إسرائيل، حيث يسعى نتنياهو لتجنب انهيار ائتلافه الحكومي قبل التصويت على الموازنة، واستئناف القتال كان وسيلة لتخفيف الضغوط الداخلية.
- المقاومة الفلسطينية تواجه تحديات كبيرة في ظل الفارق العسكري والدعم الدولي للاحتلال، وتعتمد على ورقة المحتجزين الإسرائيليين كوسيلة ضغط.

استأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي الحرب على غزة بعد أكثر من خمسين يوماً على بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، من خلال تنفيذ هجوم جوي هو الأعنف في ساعته الأولى طاول منازل ومساجد وخياماً ومراكز إيواء ومدارس. وعلى نحو مفاجئ، نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية عشرات الغارات في وقت متزامن تركزت في مناطق مواصي خانيونس، جنوبي القطاع، وشملت خياماً للنازحين وشققاً سكنياً في مدينة حمد، إلى جانب استهداف منازل في حي الشجاعية، شرق مدينة غزة، ومنازل في مناطق غرب مدينة غزة ووسطها.

استئناف الحرب على غزة

وبدأت الضربة الجوية بسيناريو مباغت يشبه إلى حد كبير ما جرى خلال حرب عام 2008 التي بدأت بضربة مفاجئة ومباغتة طاولت الأجهزة الأمنية والشرطية في حينها. وبدا واضحاً من الضربات الجوية العنيفة حرص الاحتلال على تنفيذ عمليات اغتيال بحق قيادات سياسية في حركة حماس وقيادات للعمل الحكومي في القطاع ضمن سعي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتحقيق أهداف الحرب على غزة التي أعلنها مراراً.

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن استشهاد عدد من المسؤولين، كان على رأسهم عصام الدعاليس رئيس متابعة العمل الحكومي، وأحمد الحتة وكيل وزارة العدل، ومحمود أبو وطفة وكيل وزارة الداخلية، وبهجت أبو سلطان مدير عام جهاز الأمن الداخلي. وإلى جانب هؤلاء، اغتال الاحتلال في ضرباته الجوية كلاً من محمد الجماصي وياسر حرب، وهما من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، وكانا قد نجوَا من عمليات اغتيال استهدفتهما خلال حرب الإبادة في أشهرها الـ15 الماضية.

وقبل استئناف الحرب على غزة بساعات سرّبت وسائل إعلام إسرائيلية خبراً عن رصد ما سمّته "تحركات مريبة" لحركة حماس وذراعها العسكري تستهدف تنفيذ هجوم مباغت ضد إسرائيل، وهو ما نفته الحركة في تصريح رسمي وقالت إنه لا أساس لهذا الادعاء.

ويقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني إن العودة إلى القتال كانت متوقعة في الأيام الأخيرة ارتباطاً بالسلوك الذي حكم قادة الاحتلال وإجراءات رئيس الأركان الجديد في جيش الاحتلال إيال زامير، والتي أظهرت الحرص على تنفيذ إعادة تشكيل سريعة في قيادة الجيش وتجهيز الخطط العملياتية والمناورات اللازمة. ويضيف الطناني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه كان من الواضح أن نتنياهو لا ينوي الانتقال للمرحلة الثانية من الصفقة حتى لا ينهار ائتلافه الحكومي ولا يضطر إلى الوصول لترتيبات مستدامة لإنهاء الحرب على غزة قد تنطوي عليها مغادرته لموقع رئاسة الوزراء وللأبد. ويشير إلى أن نتنياهو اختار العودة إلى القتال قبيل التصويت على الموازنة، التي يعني الفشل بتمريرها سقوط الحكومة مباشرة، وهو لا يستطيع أن يذهب إلى التصويت بفارق صوت واحد الذي يحمل مخاطرة كبيرة.

أحمد الطناني: نتنياهو لم يكن ينوي الانتقال للمرحلة الثانية من الصفقة حتى لا ينهار ائتلافه الحكومي

ويبيّن الطناني أن نتنياهو احتاج إلى تسوية مع وزير الأمن القومي السابق إيتمار بن غفير وبالتالي احتاج إلى التسوية معه قبيل التصويت لضمان عدم حدوث مفاجآت، كما أن استئناف القتال سيعني تخفيض الضجيج الناتج عن توجهه لإقالة رئيس "الشاباك" رونين بار وما نتج عنه من تفاعلات داخلية كانت ستؤدي لاندلاع موجة احتجاجات واسعة تنخرط فيها رموز أمنية سابقة من وزراء الجيش ورؤساء أركان وقادة "الشاباك" السابقين إضافة إلى المعارضة المعتادة.

ويوضح أن مناورة الاحتلال بملف المفاوضات والسعي لتحصيل عدد كبير من المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة قبل البدء من جديد بالهجوم مثّلت فرصة مهمة لتخدير أهالي هؤلاء المحتجزين من جانب، والمقاومة من جانب آخر، إضافة إلى تحصيل أكبر دعم ممكن من الإدارة الأميركية لهذا الهجوم، وهو دعم تخطى الموافقة على الهجوم، وأسنده بالنيران عبر استباق عودة القتال في غزة، ببدء الولايات المتحدة موجة ضربات كبيرة ضد حركة الحوثيين في اليمن لتحييد آخر جبهة إسناد متبقية، وهو ما ترافق مع تصعيد التهديدات ضد إيران لردعها عن محاولة تدشين جبهات إسناد جديدة.

هروب من أزمة حكم

من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي أحمد الكومي إن عودة نتنياهو إلى العدوان وحرب الإبادة الجماعية ليست لها أي صلة بأزمة تفاوض أو انسداد أفق مسار سياسي، وهذا ما يحاول مكتبه تسويقه وتبرير جرائمه ومجازره به. ويوضح الكومي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد انتهاء المرحلة الأولى، كان نتنياهو يفرض شروطاً تعجيزية ويرفض مقترح المبعوث الأميركي آدم بولر، ما يجعل التصعيد بمثابة هروب من أزمة حكم وأزمات داخلية متصاعدة وأهمها تمرير الميزانية وإقالة رئيس الشاباك وتحقيقات الجهاز السرية وضغط عائلات الأسرى".

أحمد الكومي: المقاومة ليس أمامها إلا المواجهة والتمسك بأقوى ورقة لديها وهي ورقة المحتجزين الإسرائيليين

ويوضح المحلل السياسي أن نتنياهو يعرف أن عودة الحرب وسياسة الضغط العسكري لن تعيد له المحتجزين، ما يؤكد أن أسباباً سياسية وشخصية تقف خلف عودة الحرب، وهو ما يجعل الميدان مرشحاً للتصعيد أكثر في ظل وجود نيّة إسرائيلية مبيّتة. ويلفت إلى أن المقاومة ليس أمامها إلا المواجهة، والتمسك بأقوى ورقة لديها وهي ورقة المحتجزين الإسرائيليين، إضافة إلى قدرتها على الصمود وفرض مواقف سياسية خلال المرحلة الأولى، فسلوكها ستحكمه قناعتها بأن الضغط العسكري الإسرائيلي لن يمنح نتنياهو أي محتجزين أو تنازلات مجانية.

إلى ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة حسام الدجني إن نتنياهو يريد من خلال هذه الحرب أن يفاوض تحت النار وأن يضغط على المقاومة ويضغط على المفاوض الفلسطيني لدفعه لتقديم تنازلات تقضي بتمرير المرحلة الأولى وتمديدها. ويضيف الدجني في حديث لـ"العربي الجديد"، أن واحدة من أهداف نتنياهو هي إرضاء اليمين المتطرف من أجل التصويت على قانون الموازنة العامة خلال الأيام القليلة المقبلة والمحافظة على استقرار الحكومة وضمان عدم انفراط عقدها.

ويشير الدجني إلى أن خيارات المقاومة تستند بالأساس إلى ورقة المحتجزين الإسرائيليين لديها والتي هي الخيار الأمثل، وربما الأوحد، إضافة إلى خيار الثبات والصمود ومقاومة الاحتلال مع فارق الإمكانيات بين السلاح الذي يمتلكه الاحتلال وسلاح المقاومة. وينبّه إلى أن الاحتلال يحظى بدعم لا تمتلكه المقاومة، إذ توفر له الولايات المتحدة الأسلحة الذكية والمتطورة إلى جانب المواقف السياسية، فيما لا تمتلك غزة ومقاومتها سوى بعض البيانات والتصريحات التي تصدر عن الدول العربية والإسلامية.

المساهمون