يحاول أعضاء دول الاتحاد الأوروبي إيجاد مسار مشترك للتعامل مع حركة "طالبان" بعد أن سقطت أفغانستان في قبضتها، مع انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أراضيها. وجاء اجتماع وزراء الدفاع والخارجية المنعقد في سلوفينيا، الرئيس الدوري لمجلس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية 2021، لوضع إطار للحدّ من المخاطر التي قد يتعرض لها الأفغان ورسم سياسة أمنية أوروبية مستقبلية شبه مستقلة عن أميركا.
وستناقش مداولات اليوم الجمعة موضوع التعامل مع الصين، بعدما كان المجتمعون أيضاً تداولوا في طبيعة العلاقة مع بيلاروسيا وتصرفات الحاكم هناك ألكسندر لوكاشينكو، إذ طالبت دول البلطيق وبولندا بالتعامل بصرامة مع محاولات الأخير الانتقام من عقوبات الاتحاد الأوروبي ضده بلجوئه لتهريب المهاجرين من العراق وأفغانستان .
وفي الاجتماع الذي عُقد ليل أمس الخميس، حث وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، خلال المشاورات مع نظرائه الأوروبيين، على التصرف بإجماع في أفغانستان، لأن هناك واقعاً جديداً في البلاد بعد عدم تمكن الكثيرين من المغادرة بسبب إغلاق الحدود. ولفت إلى أنه من المهم الوجود الدبلوماسي في البلاد لأسباب إنسانية ومن أجل مساعدة الناس، وعلينا التحدث إلى "طالبان".
بدوره، رأى وزير خارجية لوكسمبورغ يان أسيلبورن أن الأمر لا يتعلق بالاعتراف بـ"طالبان"، إنما السؤال المركزي هو كيفية مساعدة الملايين من المواطنين هناك، وعلى أوروبا أن تستقبل المزيد من الأفغان.
أما وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرغ، فأشار إلى أن المحادثات مع "طالبان" ضرورية لتجنب خطر الإرهاب، مشدداً على أن أفغانستان يجب ألا تصبح ثغرة سوداء في السياسة الأمنية. وحذر في الوقت نفسه من قبول الاتحاد الأوروبي للأفغان الراغبين بالفرار، معرباً عن اعتقاده بأن المطلوب توخي الحذر بشأن الاشارات التي يتم إرسالها للمنطقة.
وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة "راينشه بوست"، اليوم الجمعة، أن الوزير ماس عرض منح "طالبان" أموالاً ولكن بشروط، وأهمها حكومة لا يتألف أعضاؤها من "طالبان" فقط، بالإضافة إلى وجوب حماية حقوق الإنسان والمرأة الأساسية وألا تصبح أفغانستان ملاذاً جديداً للإرهاب، داعياً الشركاء في الاتحاد الأوروبي للعمل معاً بشأن هذه القضية. وقال: "هناك واقع جديد في أفغانستان سواء أحببنا ذلك أو لا، والآن ليس لدينا وقت للعق الجروح، وإذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يلعب دوراً، فعلينا التحرك بسرعة"، وذلك في تلميح منه إلى حقيقة أن الصين، على سبيل المثال، يمكن أن توسع نفوذها في المنطقة.
أما منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الإسباني جوسيب بوريل، فاعترف في كلمته بأنه سيتعين على الأوروبيين التحدث مع الحركة الإسلامية المتشددة "طالبان" من أجل حلّ المشاكل العملية، كإجلاء المزيد من الأشخاص المعرضين للخطر من البلاد، إلا أن بوريل شدد على أنه لن يكون هناك اعتراف سياسي حقيقي، إلا إذا تصرفت "طالبان" وفقاً لقيم الاتحاد الأوروبي.
وعن المطالبات بضرورة أن تكون أوروبا أكثر استقلالية وقدرة على التصرف عسكرياً، قالت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارينباور، خلال الاجتماع، أنه يجب الحديث أولاً عن التدريب الكافي والمعدات المناسبة، وما إذا كانت هناك إمكانية لاتخاذ القرارات بسرعة في هذا المجال، ومن المهم ألا نفعل ذلك كبديل عن حلف "الناتو" والأميركيين، بل لكي نصبح أقوى كأوروبيين، وهذا ضروري بعد أن رأينا وتعلمنا ذلك في أفغانستان.
في المقابل، اعتبر وزير دفاع لاتفيا آرتيس باربريكس أنه لا يوجد نقص في الجنود والمعدات، بل بالإرادة السياسية لنشر القوات. وحيال ذلك أيضاً، بيّنت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية أنه ومن أجل الالتفاف على مشكلة قرار الإجماع بشأن المهمات العسكرية، يتم النظر في نشر الجيش لما يسمّى "تحالف الراغبين"، مبرزة في هذا الإطار، وبعد الحديث عن الخشية من أن تضعف قوة التدخل السريع المقترح تشكيلها لحلف "الناتو"، أن تعمل ألمانيا على مفهوم حل تكفي فيه الأغلبية لاتخاذ القرارات، ويلقى دعم كلّ من فرنسا والبرتغال وهولندا وسلوفينيا، ويمكن عندها للدول الراغبة في المشاركة أن تبدأ نشاطها بسرعة.
ومن ناحية أخرى، كان هناك إجماع بين وزراء الدفاع في دول الاتحاد الأوروبي على أنه لا يجب إضاعة المزيد من الوقت، واتخاذ قرار سريع بشأن استراتيجية السياسة الأمنية الجديدة، والموعد المحتمل فصل الربيع المقبل، وتحت الرئاسة الفرنسية الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي .