الاتصالات السورية الإسرائيلية: نقل رسائل عبر وسطاء لا مفاوضات

09 مايو 2025
تظاهرة في لندن ضد الضربات الإسرائيلية على سورية، 5 مايو 2025 (زهال ديميرجي/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- كشف الرئيس السوري أحمد الشرع عن محادثات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل عبر وسطاء لتهدئة الأوضاع ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، مع تأكيده على أهمية استقرار سوريا.
- تشير تقارير إلى دور الإمارات في فتح قناة اتصال، رغم نفيها، وتركز الاتصالات على مسائل أمنية واستخبارية وبناء الثقة، دون أن تكون مفاوضات رسمية.
- تسعى دمشق لإحياء اتفاقية "فض الاشتباك" مع إسرائيل، مع التركيز على الجوانب الأمنية والاستخبارية، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي ورفض القرارات الدولية.

مع كشف الرئيس السوري أحمد الشرع، عن الاتصالات السورية الإسرائيلية غير المباشرة، فإن البعض يضعها في خانة الضرورة، بظل رغبة الإدارة في دمشق في وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، مع عدم قدرتها على مواجهة عسكرية مفتوحة على كل الاحتمالات. وقال الشرع، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس مساء الأربعاء، إن بلاده تخوض محادثات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء بهدف تهدئة الأوضاع، مشيراً إلى أن "استقرار سورية يعني استقرار المنطقة وأوروبا والعالم أجمع"، مطالباً إسرائيل بـ"وقف تدخّلها في سورية". وأضاف: "نحاول أن نتواصل مع كل الدول التي لها تواصل مع إسرائيل للضغط عليها والتوقف عن التدخل في شأن سورية واختراق أجوائها وقصف بعض منشآتها". وأشار إلى أن إسرائيل كسرت اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، مؤكداً أن حكومته "منذ الوصول إلى دمشق، صرحنا بأننا ملتزمون هذا الاتفاق، وعودة القوات الأممية إلى الخط الأزرق".

دور الإمارات في الاتصالات السورية الإسرائيلية

ولم يحدد الشرع الوسطاء أو التاريخ الذي بدأت فيه الاتصالات السورية الإسرائيلية ولكن وكالة رويترز نقلت عن مصادر "مطلعة" أن دولة الإمارات فتحت قناة اتصال لمحادثات بين إسرائيل وسورية. ونقلت الوكالة أيضاً عن "مصدر مطلع ومسؤول أمني سوري ومسؤول مخابرات إقليمي" أن الاتصالات غير المباشرة تركز على مسائل أمنية ومخابراتية وبناء الثقة بين الجانبين. بيد أن لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، قالت في تصريح لـ"رويترز" إن الادعاء أن الإمارات تتوسط في محادثات سرية بين سورية وإسرائيل، ادعاء كاذب تماماً، فالإمارات ليست طرفاً في أي محادثات من هذا القبيل. وكان الشرع قد زار الإمارات منتصف إبريل/نيسان الماضي، في خضم اعتداءات إسرائيلية على سورية.

رضوان زيادة: سورية ربما كانت مضطرة إلى هذه الاتصالات في الوقت الراهن للجم هذا التغوّل الإسرائيلي

وتعليقاً على الاتصالات السورية الإسرائيلية عبر الوسطاء، رأى الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "سورية ربما كانت مضطرة إلى هذه الاتصالات في الوقت الراهن للجم هذا التغوّل الإسرائيلي"، مضيفاً: "ما يجري لا يمكن تسميته بالتفاوض، بل عبارة عن نقل رسائل عبر وسطاء. ليست مفاوضات ذات أجندة محددة وبهدف واضح". وتابع: "هناك رغبة سورية في وقف القصف الإسرائيلي المستمر واحتلال الأراضي، ولكن ليس واضحاً الهدف الإسرائيلي الذي يبدو متغيراً باستمرار ويرتبط بأجندة يمينية لها تأثيرها الواضح في الحكومة الحالية".

في السياق، رأى المحلل السياسي بسام السليمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاتصالات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب "خطوة لا بد منها"، مشيراً إلى أن المعطيات تؤكد أن الإمارات "هي الحامل الإقليمي" لهذه الاتصالات، مضيفاً: الاتصالات في مراحلها الأولى هدفها كسر الجليد وتعزيز الثقة.

ومن الواضح أن دمشق تريد إحياء اتفاقية "فض الاشتباك" الموقّعة بين سورية وإسرائيل، التي أطاحتها الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، واحتلت المنطقة العازلة بين سورية وهضبة الجولان المحتلة، ومواقع أخرى في ريفي درعا والقنيطرة، منها أعلى قمة في جبل الشيخ. كذلك دمّرت إسرائيل أغلب القدرات العسكرية السورية في أكبر حملة قصف جوي منذ تأسيسها، طاولت أغلب المواقع العسكرية، حتى تلك الموجودة في أقصى الشمال الشرقي من سورية. وأعلن المسؤولون الإسرائيليون في أكثر من مناسبة رفضهم انتشار الجيش السوري في المواقع التي كانت تنتشر بها قوات نظام الأسد، وفق اتفاقية "فك الاشتباك". ولا تملك الإدارة السورية القدرة العسكرية على المواجهة المفتوحة، فالجيش السوري الجديد في طور التشكيل ولا يملك منظومات دفاع جوي يمكن أن تضع حداً للخروقات والاعتداءات الإسرائيلية التي وصلت إلى حد قصف هدف بالقرب من القصر الجمهوري في دمشق. وتتخذ تل أبيب من ملف الأقليات في سورية ذريعة للتدخل في الشأن الداخلي السوري وتهديد الإدارة السورية الجديدة.

خالد خليل: الاتصالات السورية الإسرائيلية غير المباشرة تنحصر في جوانب أمنية واستخبارية

ورأى الأكاديمي المختص بالشأن الإسرائيلي، خالد خليل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاتصالات السورية الإسرائيلية غير المباشرة "تنحصر في جوانب أمنية واستخبارية"، مضيفاً: "هو مسار تقني بحت، ولا يفضي إلى تطبيع مع الجانب الإسرائيلي". واستبعد خليل تطبيعاً سورياً منفرداً في الوقت الحالي مع الجانب الإسرائيلي، مضيفاً: "قد يحدث في المستقبل، ولكن ضمن مسار عربي شامل يضمن حقوق سورية وحلاً عادلاً للقضية الفلسطينية".

مباحثات تركية إسرائيلية حول سورية

وبموازاة الاتصالات السورية الإسرائيلية غير المباشرة، جرت أمس الخميس جولة جديدة من المباحثات المباشرة بين الأتراك والإسرائيليين في أذربيجان حول سورية. وركّزت المباحثات بوساطة الدولة المضيفة، على التوترات المتزايدة بين البلدين، بسبب الوجود والدور التركي في سورية، الذي يثير قلق إسرائيل. وذكرت هيئة البث الإسرائيلي "كان"، أمس، أن أنقرة تخطط لإنشاء سبع قواعد عسكرية في مناطق واسعة من الأراضي السورية، وهي خطوة تثير قلق تل أبيب، وأن إحدى القنوات التركية عرضت في الآونة الأخيرة خريطة تُظهر المواقع المحتملة لهذه القواعد، تحت عنوان: "كيف ستحمي تركيا سورية؟"، واعتبرته الهيئة العبرية عنواناً مستفزاً. وكانت القناة 11 العبرية، التابعة لهيئة البث، قد ذكرت مساء الأربعاء، أن إسرائيل ستطرح (خلال مباحثات أمس) مطلبين رئيسيين، هما عدم وجود قوة عسكرية تهدد إسرائيل بالقرب من الحدود السورية، وألا تكون هناك أسلحة استراتيجية في سورية قد تشكل تهديداً لأمن إسرائيل.

ومن المستبعد أن تتطرق الاتصالات غير المباشرة بين السوريين والإسرائيليين إلى مسألة التطبيع السياسي، ولا سيما أن تل أبيب تحتل أراضي سورية منذ عام 1967، وترفض تطبيق القرارات الدولية التي تدعوها إلى الانسحاب إلى ما قبل تاريخ 5 يونيو/حزيران من ذاك العام، بل أعلنت ضمّ الجولان السوري رسمياً من طرف واحد في 14 ديسمبر 1981. ومن المستبعد تخلي الجانب السوري عن الأراضي التي تحتلها إسرائيل، التي كما يبدو تهدف من وراء التصعيد المتكرر على الجنوب السوري دفع دمشق إلى طاولة تفاوض بشروط مختلفة بعيدة عن مضامين القرارات الدولية. ويرى مراقبون أن دمشق تحاول استخدام المسارات الدبلوماسية للحد من التأثير السلبي الإسرائيلي في الأوضاع الداخلية في سورية.

المساهمون