الاتحاد الأوروبي والعقوبات على إسرائيل: ألمانيا العائق الأكبر

18 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 14:57 (توقيت القدس)
كايا كالاس وميرز خلال لقاء في بروكسل، 5 مارس 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه أوروبا تحديات أخلاقية وسياسية بسبب الحرب على غزة، حيث تقترح المفوضية الأوروبية تعليق امتيازات تجارية مع إسرائيل وفرض عقوبات على مسؤولين إسرائيليين، لكن هذه المقترحات تواجه خلافات داخل الاتحاد الأوروبي.

- تعارض ألمانيا هذه الخطوات بسبب "المسؤولية التاريخية" تجاه أمن إسرائيل، رغم تحول الرأي العام الألماني نحو تأييد العقوبات، مما يعكس فجوة بين المجتمع والسياسة الرسمية.

- يشهد الاتحاد الأوروبي انقساماً حول فرض العقوبات، حيث تدعم بعض الدول هذه الخطوات بينما تعارضها أخرى، مما يعيق تحقيق إجماع سياسي دون موافقة ألمانيا.

بينما تجد أوروبا نفسها اليوم عند مفترق طرق أخلاقي وسياسي حاسم، في مواجهة حرب إبادة جماعية تشنّها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بدأت مؤسسات أوروبية، وعلى رأسها المفوضية الأوروبية، طرح أدوات ضغط ملموسة، مثل تعليق أجزاء من اتفاقية الشراكة مع إسرائيل وفرض عقوبات محدودة على مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، وسط خلافات أوروبية تقف عائقاً أمام تنفيذ هذه الإجراءات وتحويلها إلى سياسات فاعلة.

طرح المفوضية الأوروبية: مقترحات لا تزال بلا وزن

وفي خطوة وُصفت بأنها "جريئة" من ناحية الشكل ومحدودة من حيث الأثر، طرحت المفوضية الأوروبية يوم أمس (الأربعاء) اقتراحاً لتعليق بعض امتيازات التجارة التفضيلية لإسرائيل، بما يشمل إعادة فرض رسوم جمركية على صادراتها، إلى جانب فرض عقوبات فردية على مسؤولين حكوميين متطرفين، ومستوطنين عنيفين، وأعضاء من حكومة حماس.

ألمانيا و"المسؤولية التاريخية": قيد سياسي ثقيل

إلا أن ألمانيا تبرّر تحفظها تجاه أي خطوات ضاغطة على إسرائيل بما يُعرف في أدبياتها السياسية بـ"المسؤولية التاريخية" (Reason of State) وبقناعة راسخة بأن لألمانيا التزاماً أخلاقياً تجاه أمن إسرائيل، نابعاً من جرائم الحقبة النازية. هذا المبدأ عبّرت عنه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بوضوح، حين قالت في الكنيست الإسرائيلي عام 2008 إن "أمن إسرائيل جزء من العقيدة السياسية لألمانيا". ومنذ ذلك الحين، تحوّل هذا المبدأ إلى ركيزة في السياسة الخارجية الألمانية، يتمسّك به خلفاؤها في الحكم، رغم تغير المعطيات السياسية والإنسانية.

الشارع الألماني يتحرّك.. والحكومة تتباطأ

رغم التمسك الرسمي بـ"المسؤولية التاريخية"، تُظهر استطلاعات الرأي تحوّلاً لافتاً في الرأي العام الألماني، حيث تؤيد الغالبية الآن فرض عقوبات على إسرائيل. ففي استطلاع نشره موقع دير شبيغل Der Spiegel، أيد 63% من الألمان فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل بسبب حرب غزة، مقابل 29% فقط يعارضون، وتعكس هذه الأرقام فجوة متزايدة بين توجهات المجتمع والسياسة الرسمية. لكن، رغم هذا التحول الشعبي، لم تُترجم المواقف إلى قرارات تنفيذية حاسمة، إذ لا تزال الحكومة الألمانية مترددة، مكتفية بإجراءات محدودة رمزية، مثل وقف تصدير الأسلحة التي قد تُستخدم في الحرب على غزة، الذي أُعلن في أغسطس/آب الماضي.

خطوة وقف تصدير الأسلحة: تحوّل رمزي لا يكتمل

شكّل وقف صادرات الأسلحة من ألمانيا إلى إسرائيل تحولاً رمزياً في سياستها، لكنه بقي محدود التأثير، وواجه انتقادات من داخل الائتلاف الحاكم، وخصوصاً من الحزبين، المسيحي والاجتماعي الديمقراطي، حيث تعتبر هذه القوى أن أي تصعيد اقتصادي، مثل تعليق الشراكة التجارية، قد يفتح الباب لاتهامات بمعاداة السامية والتنصل من "المسؤولية التاريخية". وحذر المستشار فريدريش ميرز بدوره من أن الانتقاد المتصاعد لإسرائيل قد يتحوّل إلى غطاء لخطابات معادية لليهود. ومع أن المقترح الأوروبي لتعليق بعض الامتيازات التجارية مطروح، فإن تطبيقه ما زال مستبعداً، نظراً لحاجته إلى دعم أغلبية مؤهلة داخل الاتحاد، يصعب بلوغها دون موافقة برلين.

أدوات الضغط متاحة أمام أوروبا.. لكنها معطّلة

أمام الاتحاد الأوروبي عدد من الأدوات التي يمكن تفعيلها، أبرزها تعليق اتفاقية الشراكة (التجارة الحرة)، وهي الخطوة الأقوى، لأنها تنهي المعاملة التفضيلية لإسرائيل وتفرض عليها تعريفات جمركية، لكن استخدامها يتطلب إجماعاً سياسياً يصعب تحقيقه في الوقت الراهن، إضافة إلى فرض عقوبات فردية، كتجميد أصول ومنع سفر مسؤولين إسرائيليين، وهي خطوة أقل حساسية لكنها لا تزال تواجه معارضة من بعض العواصم الأوروبية، ووقف تصدير الأسلحة، وهي خطوة بدأت بها ألمانيا جزئياً، لكن استمرارها وقدرتها على الضغط لا تزال محل جدل.

انقسام أوروبي حاد: بين مؤيدين للعقوبات ومترددين

المقترح الأوروبي لفرض عقوبات على الاحتلال لا يزال بعيداً عن التطبيق، لأنه يحتاج إلى تصويت بأغلبية مؤهلة داخل الاتحاد الأوروبي، أي موافقة 15 دولة تمثل 65% من السكان الأوروبيين، وهو أمر غير ممكن دون موافقة برلين. وضمن الاتحاد الأوروبي، تنقسم الدول حيال العقوبات المقترحة على إسرائيل:

  • دول داعمة للعقوبات والمساءلة الإنسانية: مثل إسبانيا، أيرلندا، هولندا، وفرنسا، التي تطالب باستخدام أدوات ضغط حقيقية، بينها فرض عقوبات اقتصادية وتفعيل المادة 2 من اتفاقية الشراكة، التي تربط الاستفادة من الاتفاق التجاري باحترام حقوق الإنسان.
  • دول مترددة أو معارضة جزئياً: مثل النمسا، المجر، وجمهورية التشيك، وإلى حد ما إيطاليا، التي تبدي تحفظات إما بسبب علاقات سياسية وثيقة مع تل أبيب، أو لتوجّهات يمينية ترفض الضغط على إسرائيل.
  • ثمة دول من غير موقف محدد بعد بشأن ما يجب أن تتخذه، مثل الدنمارك والبلطيق.
  • ألمانيا، التي تُعد الأكثر تأثيراً من حيث الحجم والدور، لا تزال تعارض تعليق الاتفاق الكامل مع إسرائيل رغم قرارها بوقف تصدير بعض الأسلحة. وقد عبّر ميرز صراحة عن رفضه لهذه الفكرة، معتبراً أن تعليق الاتفاقية سيكون "عبئاً سياسياً داخلياً يصعب ابتلاعه".

تشهد ألمانيا تحولاً شعبياً واضحاً في الموقف من الحرب على غزة، يتحدى رواية رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تحصر الاحتجاجات في الجاليات العربية والمسلمة، في محاولة مكشوفة لمغازلة اليمين المتطرف الأوروبي، إلا أن الواقع يظهر أن التضامن مع الفلسطينيين بات أوسع، ويشمل فئات أكاديمية وثقافية ومجتمعية من خلفيات متنوعة. ورغم هذا التحول، لا تزال السياسة الرسمية في برلين متحفظة. باستثناء قرار وقف صادرات الأسلحة، لم تُبدِ الحكومة استعداداً للذهاب نحو إجراءات أكثر فاعلية مثل تعليق اتفاقية الشراكة أو فرض عقوبات مباشرة على إسرائيل. في المقابل، تفضّل دول مثل إيطاليا والتشيك الاكتفاء بالدبلوماسية وتمويل المساعدات، دون التورط في عقوبات اقتصادية.

في المحصلة، مع تصاعد الغضب الشعبي والإعلامي الأوروبي، يرجّح مراقبون أن تجد ألمانيا نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في موقفها، خصوصاً مع استهداف المدنيين في غزة. فبين إرث نازي يقيّد القرار السياسي، وضغط شعبي يتصاعد، لم يعد كافياً التلويح بالقيم الأخلاقية دون ترجمتها إلى أفعال. فالضمير لا يُقاس بالنيات، بل بالمواقف.

المساهمون