استمع إلى الملخص
- التوترات مع الصين والدعم الأميركي: تواجه تايوان ضغوطًا من الصين التي تهدد باستعادتها بالقوة، بينما تدعمها الولايات المتحدة عسكريًا رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية، مما يعكس رغبة ترامب في زيادة المبيعات العسكرية.
- التحديات الاقتصادية والسياسية: تواجه تايوان صعوبة في التوازن بين الإنفاق الدفاعي وتلبية الاحتياجات الأساسية، وسط ضغوط أميركية للحفاظ على دعم واشنطن ضد التهديدات الصينية، رغم الانتقادات الداخلية.
أثار سعي تايبيه إلى زيادة الإنفاق الدفاعي لما لا يقل عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي، تساؤلات في تايوان حول جدوى هذه الخطوة وتأثيرها المحتمل على الإنفاق الحكومي الآخر، وما إذا كانت الزيادة في الميزانية، التي تهدف إلى إظهار تصميم تايوان على الدفاع عن نفسها، ستكون كافية لإرضاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دعا مراراً إلى رفع ميزانية الدفاع لدى الدول الحليفة. يأتي ذلك مع تزايد مخاوف تايبيه من تعامل إدارة ترامب الانتهازي مع الحلفاء، على غرار ما حدث أخيراً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
انتقاد تايوان
كرر الرئيس الجمهوري العائد للمرة الثانية إلى البيت الأبيض، في الأشهر الأخيرة، ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي لدول حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى 5%، فيما سبق أن انتقد تايبيه، خلال فعالية انتخابية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لعدم قيامها بما يكفي للدفاع عن نفسها في مواجهة الصين التي تعتبرها جزءاً من أراضيها، داعياً الجزيرة إلى زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي. لطالما حثت الإدارات الأميركية المتعاقبة تايوان على زيادة الإنفاق العسكري. وعلى الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين تايبيه وواشنطن، فإن الولايات المتحدة تعتبر أهم موردي الأسلحة لتايوان وأهم داعميها الدوليين. فيما تعد بكين، الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وقد أعلنت مراراً أنها ستعمل على استعادتها بالقوة "إذا لزم الأمر". كما دأبت بكين على تحذير واشنطن من التدخل في شؤون الجزيرة التي لا تعترف معظم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، بها دولةً مستقلة، مع ذلك، عارضت واشنطن سابقاً أي تغيير أحادي الجانب في الوضع الراهن، وأبدت التزامها بالدفاع عن الجزيرة.
وأعلن الرئيس التايواني ويليام لاي تشينغ تي، في 14 فبراير/شباط الماضي، العمل على زيادة الميزانية الدفاعية، وذلك بعد اجتماع أمني رفيع المستوى عقد رداً على تهديدات ترامب المتجددة بفرض رسوم جمركية أعلى (25%) على منتجات الرقائق الإلكترونية المستوردة، إذ تعد تايوان موطن شركة "تي أس أم سي" (شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة) أكبر صانعة للرقائق في العالم. وقال لاي إنه "سيتم إعطاء الأولوية لميزانية خاصة لضمان وصول الإنفاق الدفاعي إلى الهدف المتمثل في أكثر من 3% من الناتج المحلي الإجمالي"، مشيراً إلى أن الزيادة هي أولوية حكومية رئيسية للعالم الحالي وسط التوترات المتزايدة مع الصين.
وكانت الحكومة التايوانية قد خصصت للعام الحالي 647 مليار دولار تايواني للدفاع (20.2 مليار دولار) أي ما يعادل نحو 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما طالبت المعارضة بخفض الميزانية، ما أثار مخاوف بشأن التزام تايوان بمبدأ الدفاع عن النفس. وتشير التوقعات الحالية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لتايوان في عام 2025 سيبلغ 26.4 تريليون دولار تايواني (805 مليارات دولار أميركي)، وبالتالي فإن ميزانية الدفاع البالغة 10% ليست عملية، لأنها ستشغل جزءاً كبيراً من الإنفاق الحكومي. في ظل هذه المخاوف، ارتفعت أصوات في تايبيه تحذر من أن هدف الـ3%، ورغم أنه يعد خطوة إلى الأمام، فإن تجاوز هذه النسبة قد يؤثر على تمويل الخدمات الأساسية الأخرى. في الوقت نفسه، تدرس تايبيه عمليات شراء أسلحة بقيمة ما بين 7 إلى 10 مليارات دولار من الولايات المتحدة، وفق تقرير لوكالة رويترز أخيراً، بهدف تعزيز قدراتها الدفاعية لمواجهة الضغوط العسكرية من بكين.
علاقة مصلحة
ورأى أستاذ الدراسات السياسية السابق في جامعة تايبيه الوطنية، جين توي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حث الإدارة الأميركية تايوان على زيادة إنفاقها الدفاعي يعكس في ظاهره قلقاً إزاء التهديد العسكري المتزايد للجزيرة من بكين، بينما في باطن الأمر هناك رغبة حقيقية لدى ترامب في تحقيق المزيد من المكاسب المادية". وأوضح أن هذه المكاسب "تنعكس من خلال زيادة المبيعات العسكرية للحلفاء انطلاقاً من مبدأ الدفع مقابل الحماية، خصوصاً أن الوجود العسكري الأميركي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، عزز شعور الطمأنينة لدى حلفاء واشنطن، وقلّص من الشعور الملحّ بالحاجة إلى تعزيز قدرات الدفاع الذاتية".
جين توي: بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لم تعد العلاقات بين الطرفين تركز على القيم الديمقراطية المشتركة
وتساءل جين توي عما إذا كانت استجابة الرئيس التايواني للضغوط الأميركية من خلال زيادة الإنفاق الدفاعي مبنية على تعزيز العلاقات بين تايبيه وواشنطن وتكثيف الجهود المناهضة لبكين. وبرأيه فإنه "لا يبدو الأمر كذلك، إذ بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لم تعد العلاقات بين الطرفين تركز على القيم الديمقراطية المشتركة"، مشيراً إلى أن "الرئيس الأميركي انتقد مراراً تايوان، واتهمها صراحة بسرقة أعمال الرقائق الأميركية، وهدد بفرض المزيد من الضرائب، ما يشير إلى نهج جديد في العلاقات يقوم على مبدأ المصلحة". وبشأن زيادة الإنفاق على الدفاع، اعتبر جين توي، أن هذا الأمر "يتطلب أن تصل ميزانية الدفاع الوطني إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي هذه الحالة، لا بد أن تقترح الحكومة ميزانية خاصة لا تقل عن 160 مليار يوان تايواني هذا العام". وتساءل: "من أين ستأتي الأموال؟ هل سيتم تمويلها من خلال الضرائب التي يدفعها الشعب في حين أن الأولوية يجب أن تكون لرعاية السكان، وتوفير الخدمات الصحية بدلاً من شراء الأسلحة لاسترضاء الرئيس الأميركي؟".
لي يانغ: لا يوجد وجه مقارنة في حجم التوسع العسكري والإنفاق الدفاعي بين بكين وتايبيه
من جهته، قال لي يانغ، الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث ومقره هونغ كونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مستقبل جزيرة تايوان يعتمد على قدراتها الدفاعية، وليس على الالتزام اللفظي الأميركي بالدفاع عنها أمام أي تهديد صيني". لذلك بحسب لي يانغ، فإن "هناك حاجة ملحة لزيادة الإنفاق الدفاعي"، مستدركاً أن ذلك "يصطدم بواقع القوة والقدرات العسكرية". وأوضح أنه "لا يوجد وجه مقارنة في حجم التوسع العسكري والإنفاق الدفاعي بين بكين وتايبيه"، معتبراً أن "أمام هذه الفجوة تجد تايوان نفسها مضطرة لمجاراة إدارة ترامب وتحقيق جميع رغباته في سبيل الحفاظ على حليف بحجم الولايات المتحدة أمام تصاعد التهديدات الصينية".