الإمارات والسودان.. أبرز الأزمات حتى القطيعة

07 مايو 2025   |  آخر تحديث: 08 مايو 2025 - 13:51 (توقيت القدس)
خلال لقاء البرهان وبن زايد في أبوظبي، 14 فبراير 2023 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدهورت العلاقات بين السودان والإمارات بعد اتهام السودان للإمارات بدعم قوات الدعم السريع، مما أدى إلى سحب السودان سفارته واعتبار الإمارات "دولة عدوان".
- رفضت الإمارات قرارات السودان واعتبرتها غير شرعية، ونفت الاتهامات السودانية، بينما رفضت محكمة العدل الدولية دعوى السودان لعدم الاختصاص.
- عرضت تركيا الوساطة، ودعا عبد الله حمدوك إلى وقف القتال، فيما يرى المحللون أن العلاقات وصلت إلى طريق مسدود مع توقعات بتصعيد الأزمة.

وصلت العلاقات بين السودان والإمارات إلى مستوى غير مسبوق من التدهور عقب إعلان مجلس الأمن والدفاع السوداني، الثلاثاء، سحب السفارة والقنصلية العامة السودانية من الإمارات واعتبارها "دولة عدوان"، وذلك بسبب اتهام الحكومة السودانية أبوظبي بدعم وتسليح قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني منذ 15 إبريل/ نيسان 2023، والتي بدأت منذ الأحد الماضي هجمات مكثفة لأول مرة على مدينة بورتسودان، العاصمة البديلة المؤقتة شرقي السودان، آخرها هجوم واسع صباح الثلاثاء استهدف ميناء المدينة ومطارها ومحطة الكهرباء وعدداً من مستودعات الوقود.

وتسبب الحرب بين الجيش السوداني، بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، التي كانت تمثل أكبر وحداته البرية بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، في تدمير العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث (الخرطوم، وبحري، وأم درمان). وقررت الحكومة السودانية، بعد خروج البرهان من مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم في أغسطس/آب 2023، اتخاذ مدينة بورتسودان الساحلية، أقصى شرقي السودان، عاصمة إدارية بديلة للحكومة المركزية ومقراً للقائد العام للجيش.

وقد ظلت بورتسودان في منأى عن هجمات الدعم السريع منذ بداية الحرب قبل أن تبدأ في مهاجمتها بالطائرات المسيّرة منذ الأحد الماضي، بعد ساعات من عملية هجومية واسعة نفذها الجيش السوداني السبت الماضي استهدفت مطار مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور الخاضع لسيطرة الدعم السريع.

وقد أثار الهجوم الذي نفذته طائرات مسيّرة على عدد من المواقع في مدينة بورتسودان الثلاثاء غضب الحكومة السودانية التي أصدرت بيانا تلاه وزير الدفاع ياسين إبراهيم، أعلن فيه "الإمارات دولة عدوان"، على حد وصف البيان، إضافة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية معها وسحب السفارة والقنصلية السودانية، متهماً أبوظبي بمد الدعم السريع بأسلحة استراتيجية عقب هزيمتها ميدانياً على يد الجيش السوداني.

وعقب قرار قطع العلاقات، قال البرهان، الذي يترأس أيضاً مجلس السيادة، في خطاب من بورتسودان وهو يقف في الشارع وتظهر خلفه أعمدة الدخان تتصاعد من ميناء المدينة، إن "الشعب السوداني شعب واع ضارب بجذوره في تاريخ البشرية وهو شعب لا تفزعه مثل هذه الحوادث ولا تخيفه"، مضيفاً أن هذه "المنشآت الحيوية التي تخدم الشعب السوداني هي ملك للشعب وهو الذي بناها وسيعمل على بنائها من جديد، وكل خراب أو تدمير لمنشآت مدنية أو عسكرية لن يزيد الشعب إلا قوة وصبراً وتماسكاً".

وتابع: "نحن في القوات المسلحة والقوات المساندة لها كلنا في صف واحد لردع هذا العدوان"، مؤكداً أن "السودان سيمضي نحو تحقيق غاياته المتمثلة في دحر المليشيا (الدعم السريع) وهزيمة من يدعمها ويعاونها"، وأردف: "نقول لكل من اعتدى على الشعب السوداني إن ساعة القصاص ستحين وإن الشعب سينتصر في النهاية".

أبوظبي: لا نعترف بقرار سلطة بورتسودان

من جهتها، قالت أبوظبي، الأربعاء، إنها "لا تعترف بقرار سلطة بورتسودان"، معتبرة أن "هذه السلطة لا تمثل الحكومة الشرعية للسودان وشعبه"، وفق ما جاء في بيان لوزارة الخارجية الإماراتية أوردته وكالة الإمارات (وام). وقالت الخارجية الإماراتية: "إن البيان الصادر عما يسمى مجلس الأمن والدفاع لن يمس العلاقات الراسخة بين دولة الإمارات وجمهورية السودان وشعبيهما الشقيقين". واعتبرت أن "قرار سلطة بورتسودان قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات رد فعل عقب يوم واحد فقط من رفض محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة من قبل سلطة بورتسودان". ورفضت الوزارة ما وصفته بـ"التصريحات المشينة" الصادرة عن "سلطة بورتسودان"، معتبرة أنها "مناورة للتهرب من مساعي وجهود السلام". وأضافت الخارجية الإماراتية أن "السودان وشعبه الكريم بحاجة إلى قيادة مدنية ومستقلة عن السلطة العسكرية تضع أولويات الشعب الشقيق في المقام الأول، قيادة لا تقتل نصف شعبها وتجوّع وتهجّر النصف الآخر". وتابعت الوزارة أن "دولة الإمارات تقف إلى جانب الشعب السوداني، وبشكل خاص الجالية السودانية الكبيرة المقيمة على أرض الإمارات والزائرين السودانيين والذين لن يتأثروا بالقرارات الأخيرة". 

وكانت الحكومة السودانية قدمت، في 29 مارس/آذار 2024، شكوى رسمية في مجلس الأمن ضد الإمارات، متهمة إياها بالعدوان، والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، ودعت إلى ضرورة التنديد علناً بما اعتبرته "عدواناً" من الإمارات على السودان وشعبه، وتسميتها صراحة ومطالبتها بشكل حازم بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للسودان. وتقول الحكومة السودانية إن الإمارات "لعبت دوراً رئيساً في إشعال الحرب عبر حليفها الداخلي مليشيا الدعم السريع"، فيما ظلت الإمارات تنفي باستمرار هذه التهم مؤكدة أنها ملتزمة بدعم الحلول السلمية وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وأن اتهامات القوات المسلحة السودانية تهدف إلى تشويه صورة الدولة من دون أدلة ملموسة.

ومع تصاعد العمليات العسكرية بين الجيش والدعم السريع، أعلن وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن السودان قرر إلغاء اتفاق مع الإمارات لإنشاء ميناء أبو عمامة المطل على ساحل البحر الأحمر بسبب دعمها قوات الدعم السريع. وجرى في ديسمبر/كانون الأول 2022 توقيع اتفاق بين الحكومة السودانية وشركتي "موانئ أبوظبي" و"إنفيكتوس" للاستثمار التي يديرها رجل الأعمال السوداني أسامة داوود، وقضى الاتفاق وقتها بتطوير ميناء أبو عمامة على ساحل البحر الأحمر باستثمارات تصل إلى ستة مليارات دولار.

وإثر توتر العلاقات بين البلدين، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد أنقرة للوساطة في أزمة السودان بين الخرطوم والإمارات لحلحلة خلافاتهما، وجاءت المبادرة خلال مكالمة هاتفية بين أردوغان والبرهان في 13 ديسمبر/كانون الأول 2024. ومع عدم إحراز أي تقدم في حل الأزمة بين البلدين، قدم السودان طلباً لمحكمة العدل الدولية في مارس/آذار الماضي لإقامة دعوى ضد الإمارات بما يتعلق بنزاع حول "مزاعم انتهاكات الإمارات لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" تجاه مجموعة المساليت في السودان، وخاصة في غرب دارفور.

وذكرت المحكمة في بيان، في مارس/آذار الماضي، أن طلب السودان يتعلق "بأفعال ارتكبتها" قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، تشمل "على سبيل المثال لا الحصر الإبادة الجماعية والقتل وسرقة الممتلكات والاغتصاب والتهجير القسري والتعدي على ممتلكات الغير وتخريب الممتلكات العامة وانتهاك حقوق الإنسان".

وقد أعلنت المحكمة، الاثنين، رفض الدعوى وشطبها لعدم الاختصاص، وأشارت في قرارها إلى أن دولة الإمارات، عند انضمامها إلى اتفاقية منع الإبادة الجماعية، أبدت تحفظاً على المادة التاسعة منها، وهو تحفظ يسعى إلى استبعاد اختصاص المحكمة. وبناء على هذا التحفظ، رأت المحكمة أن المادة التاسعة لا تُشكل أساساً لاختصاصها في هذه القضية، وبالتالي لا يمكنها أن تتخذ التدابير المؤقتة التي طلبها السودان. وخلصت إلى أنها تفتقر إلى الاختصاص للنظر في طلب السودان بسبب هذا التحفظ وغياب أي أساس قانوني آخر للاختصاص.

وفي بيان صدر صباح أمس الثلاثاء، قالت وزارة الخارجية السودانية تعليقاً على قرار المحكمة إن "السودان يعبر عن احترامه لقرار محكمة العدل الدولية بعدم قبول الدعوى التي تقدمت بها ضد دولة الإمارات لاتهامها بالتورط في جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع، برعاية الإمارات، في دارفور، بسبب عدم اختصاص المحكمة".

وأضافت الوزارة أن "رفض الدعوى لهذا السبب الإجرائي لا يمكن أن يفسر قانونياً بأنه نفي للانتهاكات ولا يمثل بأي حال حكماً ببراءة دولة الإمارات من التورط في جريمة الإبادة الجماعية". وأشارت إلى أنها "إذ تدرك طبيعة القضاء الدولي ومحددات عمله، فإنها تعرب عن رضاها بأن تقديم الدعوى لمحكمة العدل الدولية والبينات الواضحة التي قدمها السودان أمام المحكمة أسهما في تعرية دور الإمارات في الحرب في السودان وأوضحا جلياً أن استمرار إمدادات السلاح المتطور منها للمليشيا هو أهم أسباب إطالة أمد الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها المليشيا في أجزاء مختلفة من البلاد".

وكانت الإمارات  قد رحّبت بقرار محكمة العدل يوم صدوره، مشيرةً إلى أن الدعوى "لا أساس لها". وفي هذا الإطار، قالت نائبة مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية ممثلة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية ريم كتيت إنّ الدعوى التي رفعها السودان أمام محكمة العدل الدولية "لا تستند إلى أسس قانونية أو واقعية، ما يجعل الادّعاءات الموجهة ضدّها لا أساس لها من الصحة"، وفق بيان نقلته وكالة أنباء الإمارات (وام).

 وتعليقاً على هذه التطورات، قال رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، في بيان على حسابه بموقع "فيسبوك" الثلاثاء، إن التطورات الجارية في مسار الحرب في السودان خطيرة بكل المقاييس، وأضاف: "أكدت ما ظللنا نقوله بأنه لا توجد حلول عسكرية لهذا النزاع الذي جلب ويلات غير مسبوقة لشعبنا المسالم الصابر". وذكر أنه في هذه اللحظات التي يتجه فيها السودان نحو المجهول، "يحتم علينا الواجب أن نضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، ولذلك أناشد بصورة مباشرة قيادتي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع الوقف الفوري للقتال حفاظاً على أرواح السودانيين ووحدة بلادنا".

واعتبر حمدوك أن ما يحدث يمثل منعطفاً خطيراً من تطورات الحرب، مناشداً الدول الشقيقة والصديقة في المجتمعين الإقليمي والدولي مضاعفة الجهود من أجل الضغط على طرفي الصراع للوقف الفوري للحرب، وتابع: "الشعب السوداني المسالم يستحق العيش في السلام والأمان".

وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي محمد عثمان الرضي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن العلاقات بين السودان والإمارات وصلت إلى طريق مسدود بعد أن بلغت مرحلة الانسداد التي لا رجعة فيها، مبيناً أن هذه الخطوات أتت عقب خطوة محكمة العدل الدولية برفض شكوى السودان في مواجهة الإمارات. واعتبر الرضي أن "إغلاق السفارة السودانية في أبوظبي وسحب السفير السوداني لدى دولة الإمارات العربية المتحدة خطوة جاءت متأخرة جداً وكانت متوقعة منذ مدة"، مضيفاً أن "تصنيف السودان دولةَ الإمارات في خانة (العدو) قرار سيكون له ما بعده وإعلان لبداية المواجهة بين الطرفين". ولم يستبعد الرضي أن تزيد الإمارات من دعمها لقوات لدعم السريع بغرض توسيع مساحة الحرب، و"ربما ستحشد كل إمكاناتها لهذا الغرض".

من جانبه، قال المحلل السياسي محمد إدريس لـ"العربي الجديد" إن "تدهور العلاقات بين السودان والإمارات وصل إلى ذروته بقرار مجلس الأمن والدفاع (السوداني) سحب السفارة"، مضيفاً أن لدى السودان مكتبين دبلوماسيين في كل من دبي وأبوظبي. واعتبر أن قرار الحكومة السودانية يأتي في إطار تحرك جماهيري مساند للجيش، مشيراً إلى أن "الموقف العام كان منذ بداية الحرب أن هناك دعماً إماراتياً وتبنياً لمواقف القوى السياسية المساندة لمليشيا الدعم السريع التي تحصل أيضاً على دعم عسكري عبر مطارات في المنطقة، مثل مطار أم جرس في تشاد، لإدخال السلاح عبر دارفور، والآن صارت الاعتداءات على العاصمة الإدارية بورتسودان تشكل خطراً على المرافق الحيوية".

وأشار إدريس إلى أن الأجهزة الأمنية السودانية سبق أن وجدت مجموعة من الأسلحة خلال المعارك من تصنيع وتوريد إماراتي، بجانب مشاركة جنود مرتزقة في المعارك، لافتاً إلى أن العلاقات الآن تدهورت وربما تمضي إلى التصعيد. وتوقع أن تتجه الحكومة السودانية إلى حشد الدعم الدولي عبر وجود السودان في المنظمات الدولية لإدانة ومحاصرة الإمارات حتى يقوم المجتمع الدولي بدوره لوقف ما وصفه بـ"الإجرام ضد السودان عبر دعم الدعم السريع وتهديد الأمن القومي السوداني وأمن المنطقة والبحر الأحمر". وذكر إدريس أنه من المتوقع في ظل الفشل في المعارك البرية للدعم السريع أن تزيد الإمارات من دعمها للمليشيا لمواصلة الاستهدافات رداً على خطوات السودان.

المساهمون