استمع إلى الملخص
- التوترات بين قسد والمكونات السورية: أشار الباحث زكريا ملاحفجي إلى ممارسات قسد الوحشية وارتباطها بجهات أجنبية، مما يرفضه السوريون، مؤكدًا على أهمية العلاقة الوطنية مع الأكراد غير المنتمين لأحزاب أجنبية.
- التحديات السياسية للإدارة الذاتية: تعاني الإدارة الذاتية من انهيار استراتيجيتها بعد سقوط نظام الأسد، وتواجه تهديدات لمكتسباتها، محاولات إعادة بناء التمثيل الكردي جاءت متأخرة، مما قد يؤدي لنتائج سلبية.
نفت "الإدارة الذاتية" وجود أي تفاهم مع حكومة تصريف الأعمال في دمشق في الوقت الحالي. وجاء ذلك على لسان المتحدث الرسمي باسم دائرة العلاقات الخارجية فيها عبر تطبيق (إكس)، اليوم الجمعة، مبينًا أنه يجرى الإعداد لمرحلة من اللقاءات والحوار بهدف توحيد الآليات والجهود لخدمة سورية وشعبها. ولا تشير الدلائل ومجريات الأحداث إلى نية لدى "الإدارة الذاتية" والجناح العسكري لها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بالتوجه إلى حوار مع حكومة تصريف الأعمال في دمشق أو القيادة العامة للعمليات المشتركة برئاسة أحمد الشرع، فالممارسات الحالية من قمع للتظاهرات الشعبية في كل من الرقة والحسكة تؤكد ابتعاد "الإدارة الذاتية" عن التهدئة.
وفي السياق، أكد الباحث السياسي زكريا ملاحفجي، لـ"العربي الجديد"، أنه حتى الآن لا يوجد أي تفاهم أو ورقة اتفاق بين حكومة تصريف الأعمال و"الإدارة الذاتية" بجناحها العسكري "قسد"، لافتًا إلى أن "قسد" تمارس أعمالًا وحشية ضد المدنيين في الرقة والحسكة الذين ينتفضون ضدها. وقال ملاحفجي إن "هذا الأسلوب لا يُهيئ للحوار"، مضيفًا: "المكون الكردي يُعد مكونًا أصيلًا ومشاركًا وله دور مهم، لكن ارتباط "قسد" بجهات أجنبية مرفوض من قبل السوريين. ومع ذلك، فإن الانفصال عن هذا الارتباط الأجنبي والتأكيد على العلاقة الوطنية الأخوية مع الأكراد غير المنتظمين في أحزاب غير سورية أو تنظيمات أجنبية يُعتبر أمرًا أساسيًا لدى السوريين، وحتى على المستوى الإقليمي، بما في ذلك لدى الأتراك والأميركيين". وأشار إلى أن هناك أحاديث كثيرة بين الأتراك والأميركيين حول هذا الموضوع "قد تؤدي إلى بلورة صورة ما، ولكن السيطرة والمشاريع والانتماء الخارجي الأجنبي مرفوضة تمامًا، ولن تُقبل بأي شكل من الأشكال".
ويرى ملاحفجي أن "قسد"، الذراع العسكرية لـ"حزب العمال الكردستاني"، الذي تأسس في عام 2014 لمحاربة الإرهاب، لم يعد لها الآن أي مبرر للحالة العسكرية التي أُنشئت من أجلها. مضيفًا: "أي حزب كردي سوري مرحب به إذا كان يعمل في إطار وطني سوري من دون ارتباط أجنبي أو تدخل في الهوية السورية، ورفع صور عبد الله أوجلان، وهو شخصية غير سورية، يُعد أمرًا غير مقبول نهائيًا"، و"هناك أشخاص في قيادة قسد هم أعضاء في حزب العمال الكردستاني التركي، ووجودهم في سورية مرفوض"، وفق ما أكد ملاحفجي، الذي أضاف أن "الارتباط بتعليمات خارجية مرفوض، وحمل أي حزب كردي السلاح داخل سورية وتشكيله مليشيات يُعد أمرًا غير مقبول. في المقابل، من حق أي حزب سياسي كردي سوري أن يعمل باعتباره حزبًا كرديًا سوريًا، لكن الانفصال والارتباط بالتوجيهات الأجنبية أو بشخصيات من جبل قنديل هو أمر مرفوض تمامًا. هذه الأمور الوطنية المرتبطة بالتغيير في سورية يجب الالتزام بها".
واتخذت "الإدارة الذاتية" خطوة بتبني علم الثورة السورية، أمس الخميس، بعد أن أعلنت عن رفع علم الاستقلال (علم الثورة السورية) على مؤسساتها ومجالسها والمرافق التابعة لها في مناطق سيطرتها شمال شرقي سورية، في الوقت الذي كان جناحها العسكري (قسد) يطلق النار على المتظاهرين المحتفلين بسقوط نظام بشار الأسد في مدينة الرقة شمالي سورية. وقالت في بيان لها: "إن مجلس الشعوب الديمقراطي في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سورية أعلن رفع العلم السوري (الثورة السورية) على جميع المجالس والمؤسسات والإدارات والمرافق التابعة للإدارة الذاتية في مقاطعات الإقليم كافة". وأضافت أن رفع العلم جاء "بمناسبة انتهاء حقبة القمع والتسلط التي فرضها النظام السوري على الشعب أكثر من نصف قرن، والتي عانى خلالها السوريون من الظلم والتهميش والإقصاء. يحق للسوريين الاحتفاء بانتصار إرادتهم في إسقاط هذا النظام الجائر". وأكدت أن قرار رفع العلم جاء "في ظل تحول تاريخي".
وتدعم الولايات المتحدة الأميركية منذ انطلاق الثورة "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية التي تصنفها أنقرة إرهابية، والتي شكّلت بالنسبة لواشنطن ذراعها العسكرية في سورية أو "حليف الميدان" لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي. وبينما ظلّت "قسد" تسيطر منذ سنوات على ما يسمى "سورية المفيدة"، شرقًا، حيث الثروات الاقتصادية لهذا البلد، فإن أي سلطة قادرة ومتمكنة في دمشق لن يكون بإمكانها العمل وإعادة الروح لاقتصاد البلاد المتهالك من دون تلك المناطق.
الإدارة الذاتية.. "انهيار القراءة السياسية وسقوط الاستراتيجية"
ويرى الباحث السياسي محمد المصطفى، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الإدارة الذاتية" تعاني اليوم من انهيار قراءتها السياسية وسقوط استراتيجيتها بما يتعلق بالمشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد، حيث بنت معه علاقة (تخادميّة) على مراحل، وذلك منذ نشأتها، مضيفًا: "بل ربما يعود الفضل في ظهورها لنظام الأسد، واليوم تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد غياب سلطة المركز ذات الشرعية الدولية بالنسبة لها، وحلول أطراف جديدة هناك تتناقض معها في المصالح، وهذا بدوره يمثل تهديدًا لمكتسباتها السياسية والعسكرية والاقتصادية. وبالتالي، تحاول إعادة بناء تمثيل جديد لها من خلال محاولتها تمثيل مكون سوري أصيل ومهم وهو المكون الكردي، لكن كل تلك الخطوات جاءت في الوقت الضائع وتجاوزها التوقيت السياسي".
وقال المصطفى: "هنا يمكن التحدث عن قضية أخرى، وهي ذات علاقة بالجغرافيا، حيث انتقلت (الإدارة الذاتية) من مفهوم غرب (روج آفا)، وهو حيز جغرافي تاريخي متوهم، إلى الحديث عن عامل ديمغرافي، وهو تمثيل الكرد. وفي السابق، كانت تتحدث عن وحدة الشعوب، وأن هذه المنطقة جغرافيًا تابعة لها أو أحد مرتكزاتها التاريخية. اليوم، سقط هذا العامل الجغرافي، والآن تتحدث عن تمثيل ديمغرافي، لكن أعتقد أن وجود عدد كبير من الحركات والأحزاب المنخرطة في الثورة السورية الممانعة لدور "الإدارة الذاتية" قد يؤدي إلى نتائج سيئة".