الأمم المتحدة تحول مسار بوصلة الحل بليبيا... إعادة ترتيب الأولويات

19 ابريل 2025
المبعوثة الأممية الجديدة إلى ليبيا، هانا تيتيه، 6 يوليو 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كشفت المبعوثة الأممية هانا تيتيه عن تحول الجهود الدولية في ليبيا نحو التركيز على الجانب الاقتصادي لتحقيق الاستقرار، مع إطلاق عملية سياسية شاملة وحوار للاتفاق على "خريطة طريق مالية" موحدة.
- يأتي هذا التحول وسط تحذيرات من انهيار مالي وشيك بسبب خفض قيمة العملة المحلية، مما أدى إلى تبادل الاتهامات بين الحكومتين في طرابلس وبنغازي حول الهدر المالي.
- يحذر الأكاديمي الصادق المحجوب من أن الإصلاحات الاقتصادية قد تعمق الانقسام بين الشرق والغرب، وقد تتحول إلى أداة للمماطلة، مما يعقد الصراع بتحويله من السياسة إلى الاقتصاد.

كشفت أول إحاطة للمبعوثة الأممية الجديدة إلى ليبيا هانا تيتيه في مجلس الأمن عن تحول لافت في مسار الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة الليبية، بعد أن حولت البوصلة من المسار السياسي الذي ظل مهيمناً على ملف البلاد لسنوات، إلى التركيز على الجانب الاقتصادي بوصفه مدخلاً لتحقيق الاستقرار. وتمحورت تفاصيل إحاطة تيتيه الخميس الماضي في مجلس الأمن حول نقطتين رئيسيتين: الأولى إعلانها "مقاربة جامعة" لإطلاق عملية سياسية تشمل جميع الأطراف، والثانية إطلاق حوار بين جميع الأطراف السياسية الحالية عبر جلسات فنية وتشاورية للاتفاق على "خريطة طريق مالية" موحدة.

ويشير حديث تيتيه، في إحاطتها على إعادة ترتيب أولويات البعثة ضمن المبادرة التي أعلنتها في ديسمبر/كانون الأول الماضي نائبة رئيس البعثة ستيفاني خوري في ديسمبر/كانون الأول الماضي إبان توليها مهام القائم بأعمال البعثة، فبعد أشهر من التركيز على السياق السياسي من خلال لجنة استشارية شكلتها خوري تعمل على تفكيك الخلافات حول القوانين الانتخابية أساساً للحل السياسي، جاءت تيتيه لتطبع أول إحاطتها بحديث عن مقاربة اقتصادية بوصفها أولوية للحل من دون أن تفك ارتباطها بالمبادرة الأممية، حيث ركزت حديثها عن مخاطر الانهيار المالي، إذا لم يتم الاتفاق على ميزانية موحدة تعيد ضبط الإنفاق وتوقف نزيف التضخم الاقتصادي.

ويبدو أن هذا التحول في اتجاه مسار المبادرة الأممية له دوافعه في هذا التوقيت، فقد تصاعدت خلال الأسبوعين الماضيين تحذيرات من انهيارٍ وشيك مالي، بعد أن أعلن المصرف المركزي خفضاً جديداً لقيمة العملة المحلية، مرجعاً ذلك إلى الفجوة الكبيرة الناجمة عن الإنفاق الحكومي الهائل الذي تجاوز 224 مليار دينار خلال العام الماضي. وإثر إعلان المصرف، احتدت الاتهامات المتبادلة بين الحكومتين؛ حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وحكومة مجلس النواب في بنغازي، حول المسؤولية عن الهدر الواسع في الإنفاق.

ويرى الناشط السياسي مختار المشيطي أن التغير المحتمل في خطة البعثة الأممية، الذي عكسه خطاب تيتيه في إحاطتها، "خطوة ذكية للالتفاف على عراقيل جهود الحل السياسي، فتوظيف الأزمة المالية والاقتصادية للضغط على جميع الأطراف سينتهي بقبولهم لتوحيد الإنفاق الحكومي كخطوة أولى في طريق توحيد الحكومة أو تشكيل حكومة بديل عنها". وفيما يقر المشيطي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن الأزمة الاقتصادية في البلاد ليست جديدة، بل نتاج تراكمات سنوات من الانقسام، يؤكد أن الأزمة "وصلت إلى نقطة اللاعودة، فبيان المصرف المركزي كشف الجميع وصاروا مسؤولين عن أي انهيار وشيك للنظام المالي بكل تبعاته التي قد تفجر احتجاجات شعبية، وربما أيضاً عودة الحرب".

ويلفت المشيطي إلى وضوح تركيز تيتيه على الجانب الاقتصادي في أزمة البلاد، فقد أعلنت سعيها لترتيب حوارات بين الأطراف من أجل الاتفاق على "خريطة طريق مالية"، فيما لم تتحدث في الجانب السياسي للأزمة إلا عن "مقاربة جامعة" لإطلاق عملية سياسية تشمل جميع الأطراف من دون توضيح لشكل هذه المقاربة. ويربط المشيطي بين إعلان تيتيه سعيها لحوارات من أجل خريطة طريق مالية، وبين إعلان المصرف المركزي، الذي تزامن مع إحاطتها، قبولَ رئيسي الحكومتين المتنافستين، أسامة حماد، رئيس حكومة مجلس النواب، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، على "اللقاء" لمناقشة إعداد موازنة موحدة، معتبراً أن إعلان المصرف على علاقة بالحوارات التي تعتزم تيتيه إطلاقها لرسم خريطة طريق مالية.

والخميس الماضي، أعلن المصرف المركزي موافقة حماد والدبيبة على اللقاء من أجل "التعاون المشترك" لتنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية مقترحة، وبذل كل الجهود الرامية إلى "تنفيذ خطة المصرف المركزي" الرامية إلى إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية. ويضيف المشيطي قائلاً: "لاشك عندي في أن اتصالات المصرف المركزي بالحكومتين مهدت لها ضغوط خارجية قاسية على رئيس الحكومتين وعلى كل الأطراف، فالدبيبة وحماد كانا يتبادلان الأسبوع الماضي فقط اتهامات حادة، إلى حد أن الدبيبة وصف حماد بالكومبارس بيد مجلس النواب وقيادة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، واتهم عقيلة صالح (رئيس مجلس النواب) بأنه السبب في الهدر المالي".

ترقيع مؤقت 

وعلى الرغم من أن المقاربات الاقتصادية قد تكون سبيلاً لإنقاذ البلاد من المزيد من الانهيارات، لكن الصادق المحجوب، الأكاديمي ومستشار اللجنة التشريعية بالمؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق)، يحذر من خطورة أن يؤدي الاتفاق على موازنة موحدة، تشترك في تنفيذها الحكومتان، إلى تعميق الانقسام بين الشرق والغرب، واصفاً توحيد الإنفاق الحكومي بأنه "ترقيع مؤقت، وسيستخدم من قبل الأطراف لتبرير استمرار الانقسام". ووفقاً لرأي المحجوب، فإن إحدى الثغرات في المقاربة الاقتصادية للحل تكمن في إمكانية تحول الإصلاحات الاقتصادية إلى "أداة للمماطلة"، مشيراً، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن خريطة الطريق المالية ستنشأ من حوار بين الأطراف "الذين قد يطيلون أمد النقاشات الفنية حول التفاصيل المالية، واحتمالات التعقيد ستكون كبيرة بتحويل الصراع من دائرة السياسة إلى دائرة الاقتصاد المرتبط بالنفط، في أكثر من مرة حدث تصعيد عسكري سببه التنافس على السيطرة على حقول النفط".

ومن هذه الزاوية، يؤكد المحجوب أن نجاح مسار المقاربة الاقتصادية لبناء خريطة طريق مالية، أو فشلها، سيناريوهان مؤكدان، ولكل منهما تبعاته وآثاره، مستدركاً بالقول عن خطاب تيتيه ذي الطابع الاقتصادي بوصفه واجهة جديدة للمبادرة الأممية "سننتظر وضوحه في الأيام المقبلة، وإذا تأكد فهذا يعكس إقراراً دولياً مبطناً بفشل الجهود السياسية من أجل إجراء انتخابات تستبدل الفاعلين السياسيين بآخرين، وبمعنى آخر فرسم اتفاق مالي بين الفاعلين الحاليين يعني الرضوخ لقوة وجودهم في السلطة في أحسن الأحوال، إن لم تذهب الأوضاع إلى أبعد من ذلك في اتجاه القبول بسلطتين في البلاد".