الحكم الصادر في ألمانيا، الأربعاء الماضي، بسجن أحد جلادي النظام السوري، لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، ليس عادياً في سياق جهود سوريي الشتات لتحقيق بعض العدالة للضحايا.
الادعاء الألماني ليس وحده من استحضر الصور الأولى للثورة الشعبية السلمية، في مارس/آذار 2011، بل إعلام محلي وأوروبي اعتبر المحاكمة تاريخية، مع تنويه بجهود ناشطين وحقوقيين سوريين في دول اللجوء، لفضح أبشع آلة قمع شهدها المشرق العربي خلال العقود الماضية. المحاكمة المستمرة بملاحقة جلاد آخر من مسؤولي أجهزة الاستخبارات القمعية، تفتح الأفق لملف قضائي أوسع أمام محاكم أوروبية أخرى، وبرسالة واضحة: لا ملاذ آمناً لمرتكبي التعذيب وجرائم ضد الإنسانية.
وعلى الرغم من الفيتو الروسي لمنع تحويل التحقيق في الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية، استطاع هؤلاء التغلب على آثار التعذيب المُدمرة لتصفيد جلاديهم، والسعي لتحقيق عدالة جزئية، لهم وللمخفيين قسرياً.
بالتأكيد الخبر ليس ساراً لمجرمي الحرب في سورية، إذ إن فضح تسلسل الأوامر لا بد قادم في محاكمات تتوسع أوروبياً،على نسق الكوسوفوية والرواندية. فالقضاء الأوروبي، في فضاء الاتحاد الأوروبي والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، يقوم على القياس والسوابق، لقبول المباشرة بتحقيقات ومحاكمات من هذا النوع الثقيل، بتواصل جهود سوريي المهجر لملاحقة أمنيي نظام بشار الأسد.
استحضار عشرات آلاف الوثائق، والصور الدالة على التوحش والهمجية، سيضع صخرة كبيرة في طريق تلميع النظام، من بوابة الخدمات الأمنية، ونبش مقبرة مخيم اليرموك مرة أخرى، برعاية الكرملين، بحثاً عن عظام جنود الاحتلال، كعربون أولي للتعويم والدفع بمفاوضات تحت الطاولة. فهذه المحاكمة، وفقاً لخبراء قانونيين ألمان وأوروبيين، خطوة أولى لإضاءة نفق طويل من التعتيم على جرائم واسعة، منذ بداية الدوس على رقاب المحتجين السلميين، وطلب ترديد تأليه أسرة الأسد، إلى الإبادة وتهجير الملايين تحت شعارات "سورية أنحف... سورية أجمل"، ثم التباكي لاستعادة اللاجئين ونهب جيوبهم، واستدرار عطف أوروبا بحجة "إعادة التعمير".
وعلى الرغم من ذلك، ثمة أصوات مثيرة للاشمئزاز، ترتفع باسم "الممانعة" ومحاربة "المؤامرة على سورية الأسد"، تتهم الضحايا بأنهم "عملاء للغرب"، وبعضهم يقيم في مدنه مستمتعاً بمزايا الرفاهية والديمقراطية، التي ينكرونها على العرب والسوريين. فاستحضار تسريبات صور "قيصر"، لآلاف الهياكل البشرية، وصور حمزة الخطيب وغياث مطر وإبراهيم القاشوش، وأرقام وصور عشرات آلاف المغيبين قسرياً، يقرأها مؤيدو التوحش والتطهير على أنها تشويه لـ"نظام المقاومة"، دون وخز ضمير أو سؤال عن سبب تحويل الوطن السوري، تحت البراميل المتفجرة والسلاح الكيميائي، إلى أطلال بلد يعلوه قصر المهاجرين.
وليست العاصمة الألمانية، برلين، وحدها تضم مهاجرين ولاجئين يتغنون بالدكتاتور السوري. فهؤلاء منتشرون من كندا إلى فرنسا، يتنمرون ويهددون الضحايا وكل من يفضح حقيقته، ويفركون بالملح جراح من حفظ صور الجلادين، من معذبيهم وقاتلي أحبتهم. وعلى الرغم من ذلك يُظهر الضحايا، رغم الترهيب والتهديد بمعاقبة الأهل، جرأة وقوة في مواصلة جهودهم الحقوقية والإنسانية، نيابة عن الملايين، في سورية نفسها وفي الشتات، لإشاعة بصيص أمل عن أن العدالة لا تتقادم.