- استجابة الأسد للتهديدات الإسرائيلية بعدم الجرأة على الرد، حتى كلاميًا، تشير إلى تغير في تعاطي نظامه مع الاستهدافات الإسرائيلية والأحداث في غزة، مقارنة بمواقفه السابقة.
- تحكم روسيا في قرارات النظام السوري ورغبة الأسد في تحقيق توازن بين علاقته بإيران والعالم العربي، وكذلك سعيه لكسب الدعم المالي لإعادة الإعمار، تدفعه لأخذ موقف الحياد من الصراع في غزة.
لم يكن التحذير الذي تلقاه رئيس النظام السوري بشار الأسد من دولة الاحتلال الإسرائيلي من أنه إذا ما استخدمت سورية ضدها، فإنه سيتم تدمير نظامه، وذلك بحسب ما نقلت وكالة فرانس برس عن مصدر دبلوماسي غربي، هو الأول، إذ سبقته تحذيرات أخرى ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، نقلتها له دولة الإمارات بحسب تسريبات نشرت في وسائل إعلامية عدة خلال الفترة الماضية.
ويوحي تعاطي نظام الأسد، أحد مكونات "محور المقاومة والممانعة"، مع هذا العدوان باستجابة كبيرة من النظام للتهديدات الإسرائيلية لدرجة عدم الجرأة على الرد ولو كلامياً كما كان يفعل في السابق على الاستهدافات الإسرائيلية شبه اليومية لمواقع في سورية لها ارتباط بإيران.
ورغم أهمية التهديدات الإسرائيلية بالنسبة للنظام المنهك في حربه الداخلية مع المعارضة السورية، إلا أنها لا تبدو السبب الوحيد لهذا العزوف من قبل الأسد عن التعاطي مع أحداث غزة التي تفاعلت معها كل أطراف محور المقاومة والممانعة الإيراني، سواء من خلال استهداف الحوثيين السفن المتجهة إلى إسرائيل أو من خلال الضربات التي نفذتها المليشيات التابعة لإيران في سورية والعراق ضد القواعد الأميركية في المنطقة، أو من خلال بعض الضربات التي يقوم بها حزب الله اللبناني على الأراضي الإسرائيلية والتي لم تخرج جميعها عن قواعد الاشتباك التي قد تفضي إلى حرب.
وتعاطى النظام بعدم اكتراث تجاه كل ما يحصل في غزة وظهر بمظهر الذي ينسحب تدريجياً من محور الممانعة والمقاومة، إذ بقيت جبهة الجولان من الأهدأ، كما أنه لم يسمح بخروج تظاهرات إلّا في نطاق محدود للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة. وكان بشار الأسد المتخلف الوحيد "من محور الممانعة" عن الاحتفال بيوم القدس الذي تقيمه إيران، كما أنه لم يحتفل بالرد الإيراني على إسرائيل إسوة ببقية المحتفلين من حلفاء إيران.
أسباب عديدة قد تدفع بالأسد لأخذ موقف الحياد من هذا الصراع، لعل أبرزها تحكم روسيا بقرار النظام وعدم رغبة موسكو المنشغلة بالحرب في أوكرانيا بانخراطه في هذا النزاع ولو كلامياً، لأنها تريد الحفاظ على مكاسبها التي حققتها في سورية ولا تريد خسارتها في حال امتد النزاع إلى الجبهة السورية. وتضاف إلى ذلك محاولة الأسد خلق نوع من التوازن بين علاقته بإيران وعلاقته بمحيطه العربي، الذي انضم إليه حديثاً ولا يريد فقط خسارة هذا النجاح الذي حققه على طريق تعويم نفسه دولياً وإنما يحاول كسب دعم مالي من تلك الدول تحت اسم إعادة الإعمار لإعادة ترميم نفسه اقتصادياً.
ولكن مهما تكن الأسباب التي حملت النظام على أداء دور المتفرج في قضية العرب الأولى "فلسطين"، والتي طالما تغنى بها، فإن هذا الدور يفضح كل الشعارات الزائفة التي يرددها ويثبت أنه مجرد منفذ لسياسات الدول المتحكمة بسورية.