استمع إلى الملخص
- في السياسة الخارجية، اقترح ترامب نقل سكان غزة وواصل تعامله مع السعودية على أساس الابتزاز المالي، محاولاً إرغام دول أخرى على قبول المهاجرين المرحلين.
- داخلياً، أعلن حالة الطوارئ على الحدود مع المكسيك، مستهدفاً برامج التنوع والمساواة، مما أثار جدلاً وتحديات قانونية.
وصفت شبكة "أن بي سي"، يوم السبت الماضي، السياسة التي يعتمدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأيام الأولى لعودته إلى البيت الأبيض، بسياسة "إغراق السوق"، بعدما ذهب بعيداً في عدد الأوامر التنفيذية التي أصدرها في اليوم الأول بعد التنصيب، في 20 يناير/كانون الثاني الحالي، والقرارات والتعديلات التي أجراها. وبحسب الشبكة، فإن ترامب يعتقد أن "إغراق السوق" بالقرارات، من شأنه أن يقلّل الضجيج حولها، مقارنة بما يمكن أن يحدثه قرار منفرد لرئيس متأنٍ في العمل. وفي المُجمل، فقد ظهر تأثير "الصدمة والرعب" الذي وعد فريق ترامب به في الأيام المائة الأولى من ولايته الثانية، في الأسبوع الأول لدونالد ترامب رئيساً مجدداً، حيث انصبّ التركيز على إظهار الحزم والانقلاب الكامل على سياسات جو بايدن، ومكافأة قاعدة ترامب الشعبية المعروفة بـ"ماغا" (جعل أميركا عظيمة مجدداً)، فضلاً عن تغيير قواعد اللعبة في عدد كبير من الإدارات الفيدرالية، وإطلاق المعركة لتغيير وجه قوانين الهجرة.
أمران أساسيان، يُمكن تلمّسهما من الأسبوع الأول لدونالد ترامب في الحكم: اهتمام خاص بحدائق الولايات المتحدة الخلفية في القارة الأميركية، وإطلاق سياسة الضغوط القصوى لإخضاع بعضها للإملاءات الأميركية، والتسويق غير الرسمي لأفكار ترامب وفريقه بشأن كيفية حلّ بعض الأزمات المستعصية حول العالم، بهدف جسّ نبض الأطراف المعنية، ومنها أفكاره حول تفريغ غزة من الفلسطينيين. وينطبق التهويل بالعقوبات والويل والثبور، على معظم القضايا التي تقع في دائرة اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة، من غرينلاند إلى غزة، في وقت أبدى ترامب باكراً رغبة في لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
الأسبوع الأول لدونالد ترامب في البيت الأبيض
وفي السياسة الخارجية، برز خلال الأسبوع الأول لدونالد ترامب في البيت الأبيض، اقتراحه تفريغ غزة من سكّانها ونقلهم إلى الأردن ومصر، بهدف معلن هو "إعادة إعمارها"، بعدما أصبحت مدمّرة بالكامل نتيجة العدوان الإسرائيلي عليها. هذا الاقتراح، قد يكون أجهض سريعاً على المدى القصير، مع تعليق الخارجية الأردنية بالرفض التام لأي تهجير للفلسطينيين، وتعليق السيناتور المقرب من ترامب، ليندسي غراهام، بأن هذا المقترح صعب التحقيق. ونقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أمس الاثنين، عن وزير إسرائيلي قوله إن تصريح ترامب حول استقبال الأردن ومصر الغزّيين يهدف جزئياً لمساعدة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في منع حكومته من الانهيار، مع ضغط اليمين المتطرف عليه لاستكمال الحرب على القطاع واستيطانه.
يريد ترامب إرغام السلفادور على القبول بترحيل المهاجرين إليها
وفي شأن آخر، واصل ترامب تعامله مع السعودية، على قاعدة المنفعة والابتزاز المالي والاستغلال الاستثماري، إذ أعلن أول من أمس، أنه سيطلب من المملكة استثمار حوالي تريليون دولار في الولايات المتحدة، ارتفاعاً من 600 مليار دولار تعهدت الرياض باستثمارها خلال السنوات الأربع المقبلة هناك "مرشحة للارتفاع حال أتيحت فرص إضافية"، بحسب وكالة الأنباء السعودية "واس".
إلى ذلك، وفور وصوله إلى البيت الأبيض، وقّع ترامب على العشرات من القرارات التنفيذية التي تراجع فيها عن حوالي 80 قراراً كان اتخذها سلفه. وفي العادة، تكون القرارات التنفيذية لأي رئيس أميركي، وسيلة ضرورية ومحدّدة الأهداف، للالتفاف على عرقلة الكونغرس لبعض المشاريع الرئاسية والإدارات المتعاقبة، سواء أكانت ديمقراطية أم جمهورية. لكن ترامب، المستند إلى كونغرس جمهوري بغرفتيه النواب والشيوخ، تمكن من تثبيت أكثر مرشحيه الوزاريين جدلاً، وهو مقدم البرامج السابق على "فوكس"، بيت هيغسيث، بمنصب وزير الدفاع، قبل أيام، متخطياً الضغوط التي أحدثتها الاتهامات الموجهة لهذا المرشح، المتعلقة بسلوكه الأخلاقي. إلا أن زحمة القرارات التي وقّعها، عكست رغبته اعتبار إدارة بايدن غير شرعية، وجاءت عبر انتخابات مزوّرة، لإنهاء وتعطيل برنامجه.
ومن أولى القرارات التي أصدرها ترامب، العفو عن حوالي 1500 موقوف وسجين ومتهم في أحداث اقتحام أنصاره الكونغرس في السادس من يناير 2021، لمنع المصادقة على فوز بايدن. وبحسب "أن بي سي"، فقد أثار هذا القرار صدمة حتى لدى مساعدي وحلفاء ترامب، الذين لم يتوقعوا أن يشمل العفو (أو تخفيف العقوبة) تقريباً كل المحكومين والمتهمين بالاقتحام. كما شملت قرارات ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ (كان انسحب منهما في ولايته الأولى)، وتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا (كما هدّد بعد فوزه بالرئاسة مجدداً، وهو فعلاً الاسم الذي بات يعتمد في بعض الولايات ومنها فلوريدا بقرار من حاكمها رون ديسانتيس قبل توقيع ترامب على القرار)، فضلاً عن إعادة العمل بسياسات لإدارته الأولى لمحاربة الإجهاض، وإقحام الجيش وحرس الحدود في عملية ضبط الحدود البرّية. ووصلت يد ترامب في الأيام الأولى لولايته الثانية، سريعاً، إلى الإدارات والوكالات الفيدرالية، بسبب "الإلفة" التي بات مع فريقه يتمتعان بها مع ديناميات العمل الرسمي بعد أربعة أعوام سابقة في السلطة، وفق تعبير شبكة سي أن أن في تقرير لها أمس الاثنين.
وحاول ترامب إنهاء العمل بحق الجنسية للمولودين على الأراضي الأميركية، وهو ما لاقى عرقلة من القضاء. وأوقف القاضي في نيوجرسي، مات بلاتكين، مؤقتاً العمل بقرار ترامب الخاص بحق الولادة، معتبراً أنه يخرق الدستور بشكل فاضح. وبحسب بلاتكين، فإن القرار مخالف للتعديل 14 في الدستور الأميركي، وإذا ما طبّق، فإنه "ستكون المرة الأولى في تاريخ أميركا، تواجه فيها فئة من الأطفال المولودين على الأرض الأميركية تهديدات تمسّ حياتهم وصحتهم ورفاهيتهم بشكل مباشر من قبل حكومتهم"، مضيفاً أن "الرؤساء في بلدنا، لديهم سلطات واسعة، لكنهم ليسوا ملوكاً". وكانت رفعت في نيوجرسي، و17 ولاية أميركية أخرى، وفي واشنطن العاصمة ومدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، دعاوى عدة ضد القرار، فور توقيعه من قبل ترامب، وهو ينص على أنه ابتداء من 19 فبراير/شباط المقبل، فإنه لحصول مولود على الأراضي الأميركية، على الجنسية، يجب أن يكون أحد والديه حاملاً لإقامة دائمة في البلاد على الأقل (أو مواطناً أميركياً).
في الإدارات العامة، بدأ عدد كبير من الموظفين يتلمسون رؤوسهم، في الأسبوع الأول لدونالد ترامب رئيساً لولاية ثانية، بعد إعلانه الحرب على ما يسمى برامج التنوع والمساواة والاندماج (DEI)، الخاصة بالنساء والمتحولين والمثليين جنسياً، ولا سيما بعد طلب إدارته من عدد من الموظفين في الحكومة الفيدرالية بهذه البرامج، أخذ إجازات مدفوعة، تمهيداً على الأرجح لطردهم وإغلاق برامجهم، وفق مهلة قد لن تكون أبعد من يوم الجمعة المقبل، بعدما أوصى القرار الوكالات المعنية بصياغة خطة بشأن كيفية إعفائهم من الخدمة.
يعتمد ترامب سياسة تمييزية إدارية في الداخل ويهدّد بتحويل الجيش الأميركي ووزارة الداخلية إلى سلطات إنفاذ القوانين الحدودية
وكان ترامب وعد خلال خطاب التنصيب، بإنهاء "سياسة الحكومة التي تحاول هندسة مسألة الجندر والعرق اجتماعياً في كل نواحي الحياة الأميركية العامة والخاصة". ويصف ترامب هذه البرامج التي تعنى بتشجيع اندماج الأميركيين "الملوّنين" والنساء والمثليين والمتحولين جنسياً بالمجتمع وسوق العمل، بـ"التمييزية"، كما يدعي أن هذا النشاط وهذه السياسة أدّت إلى "توظيف أشخاص لديهم مشاكل نفسية وثقافية". وتستهدف سياسته محاولة إبعاد هذه الفئات خصوصاً عن الجيش الأميركي، وكان لها ارتدادات سريعة. فعلى سبيل المثال، أنهى مركز ويلسون البحثي، الذي يعيّن الرئيس الأميركي مجلس أمنائه، مكاتب الـ"DEI" الخاصة به، ذاكراً في مذكرة داخلية أنها تشجع على التمييز وتهدر أموال دافعي الضرائب. كما حذفت القوات المسلحة الجوية الأميركية، تدريباً يتضمن التعريف بطياري توسكيجي الذين يحتلون مكانة بارزة في التاريخ الأميركي بوصفهم أول طيارين عسكريين أميركيين من أصول أفريقية في الجيش، كما يتضمن التعريف بالنساء الأميركيات اللواتي قدن طائرات حربية خلال الحرب العالمية الثانية. وأكدت القوات المسلحة الجوية الأميركية التزامها بالقرارات التنفيذية الصادرة عن الرئيس.
وأظهر الأسبوع الأول لدونالد ترامب في البيت الأبيض، جدّية في تعهده إحداث تغيير جذري في مسألة الهجرة، حيث أعلن سريعاً حالة الطوارئ على الحدود وسمح للمسؤولين عن الهجرة في البلاد، بنزع الوضع القانوني لبعض المهاجرين، كما بدأ البحث في إرسال حوالي 10 آلاف عسكري من الجيش إلى الحدود البرّية مع المكسيك، واستخدام القواعد العسكرية لاحتجاز المهاجرين غير النظاميين. وتشمل القرارات التي صدرت في الأسبوع الأول لدونالد ترامب في الحكم مجدداً، أو تقود، إلى تعزيز التدقيق الأمني الخاص بالمتقدمين بطلبات للحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة وذلك لـ"حماية البلاد من الإرهابيين الأجانب وأخطار أخرى متعلقة بالأمن الوطني". وأصدر ترامب أمراً تنفيذياً آخر، ينص حرفياً على "حماية الشعب الأميركي من الغزو"، من شأنه تقليص كل الأوجه المتاحة لمنح المهاجرين أوضاعاً قانونية أو اللجوء تحت عنوان لـ"دواع إنسانية". ووقع ترامب على عدد من القرارات التنفيذية الأخرى لمنع "الغزو"، ومنها قرار حمل عنوان "الانسحاب من قرارات تنفيذية وأوامر رئاسية مؤذية ومضرّة للبلاد"، تستهدف عدداً من قرارات سلفه الخاصة بالهجرة، ومنها أمر تنفيذي هدفه "معالجة أسباب الهجرة غير النظامية".
وبحسب مجلس الهجرة الأميركي American immigration council، فإنه خلال الأسبوع الأول لدونالد ترامب في البيت الأبيض، صدرت 10 أوامر تنفيذية لتغيير وجه القانون الأميركي المتعلق بالهجرة، بما يمس تقريباً كل أوجه هذا النظام المعقد والصارم. وبحسب المجلس، فإن ترامب وفى بوعده الخاص بمحاولة إعادة تعريف أميركا لتكون بلاداً تستبعد الجميع، من عابري الحدود البرّية طالبي الأمان، إلى حديثي الولادة من آباء وأمهات متواجدين على الأرض الأميركية. وتقترن هذه القرارات، وفق المجلس، بتهديدات قوية باستخدام العقاب المفرط لكل من لا يلتزم بها، ما يحول وزارة الداخلية إلى وكالة لإنفاذ القانون المتعلق بالهجرة. وبرأي المجلس، فإن عدداً كبيراً من طالبي اللجوء في البلاد، قد تحولوا تلقائياً إلى "مجرمين ومتهمين"، فيما تبدو الحدود البرّية فعلياً متجهة إلى أن تصبح مغلقة بالشمع الأحمر.
ويصوّب ترامب على "دول ثالثة"، في أميركا اللاتينية، لتصبح "مكبّاً" (بمصطلحاته العنصرية) لطالبي اللجوء إلى الولايات المتحدة. هذا أقلّه، ما بدا خلال الأيام الماضية، في محاولته لإخضاع بعض الدول لإملاءات الترحيل، بالترهيب. وأعلن البيت الأبيض أول من أمس الأحد، عن انتصاره في المواجهة مع كولومبيا، بشأن قبول رحلات المهاجرين المرحلين من الولايات المتحدة، بعد ساعات من تهديد ترامب بفرض تعريفات جمركية باهظة على الواردات الكولومبية وعقوبات أخرى على هذا البلد، الذي يعدّ شريكاً تجارياً قديماً للولايات المتحدة. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفات في بيان، إن "حكومة كولومبيا وافقت على جميع شروط الرئيس ترامب، بما في ذلك القبول غير المقيد لجميع الأجانب غير الشرعيين من كولومبيا العائدين من الولايات المتحدة، بما في ذلك على متن الطائرات العسكرية الأميركية، دون قيود أو تأخير". وأوضحت أن أوامر التعريفات الجمركية، التي كانت ستفرض بنسبة 25% على جميع السلع الكولومبية الواردة، ثم ترتفع إلى 50% في غضون أسبوع واحد، "ستظل رهن الاحتياط، ولن يتم التوقيع عليها". لكنها قالت إن ترامب سيحافظ على قيود التأشيرات على المسؤولين الكولومبيين وتعزيز عمليات التفتيش الجمركي للسلع القادمة من كولومبيا، "حتى تتم إعادة أول طائرة محملة بالمرحلين الكولومبيين بنجاح".