الأزمة السياسية في تونس تراوح مكانها: سعيّد يسقط مبادرة اتحاد الشغل

الأزمة السياسية في تونس تراوح مكانها: قيس سعيّد يسقط مبادرة اتحاد الشغل

26 مارس 2021
سعيّد يقدم مقترح حوار شبابي (Getty)
+ الخط -

لا يبدو أن هناك انفراجاً قريباً في الأزمة السياسية المعقدة التي تعيشها تونس، بسبب القطيعة الحاصلة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة، وتواصل المواقف الحادة المتبادلة بين الرؤساء الثلاثة، قيس سعيّد وراشد الغنوشي وهشام المشيشي، وتؤكد كل المؤشرات على الساحة أن جميع الأطراف المتنازعة في البلاد تتمترس حول مواقفها وتصعد وتدفع إلى تعميق الأزمة.

وأمام تعطّل لغة الحوار بين المؤسسات، واشتداد الأزمة السياسية التي انعكست بقوة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتصاعد الخلافات داخل البرلمان، وتصاعد منسوب "العنف السياسي" عموماً، تحاول عدة جهات إيجاد مخرج لهذه الوضعية الخانقة، خاصة بعد سقوط مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل في طرح حوار وطني تشرف عليه الرئاسة التونسية.

وكما كان متوقعاً، بدأ أمل جلوس كل الأطراف إلى مائدة الحوار يتضاءل، بعدما راوغ الرئيس سعيّد مع مقترح اتحاد الشغل الذي وضع بين يديه الإشراف على حوار وطني.

وفي لقاء عابر بوزير سابق، نزار يعيش، الأربعاء الماضي، عبّر سعيّد، عن استعداد رئاسة الجمهورية للإشراف على "تنظيم حوار وطني بمشاركة واسعة من الشباب عبر وسائل الاتصال الحديثة، بما يُمكّن من بلورة مقترحات ومطالب تنطلق من المستوى المحلّي، ثمّ تتمّ صياغتها لاحقاً من قبل مختصين بكافة المجالات على المستويين الجهوي والوطني للتوصّل إلى مخرجات متناغمة ومتناسقة"، وفق ما جاء في بلاغ عن رئاسة الجمهورية. وهو ما يعني أن سعيّد لا يريد حوراً مع الأطراف السياسية المتصارعة، بغاية حل الأزمة السياسية الراهنة، وإنما يريد حواراً موازياً مع الشباب يستفيد منه هو سياسياً.

 وعلى الرغم من وجاهة هذا الحوار وأهميته في صياغة مشاريع ومقترحات، إلا أنه لا يهدف إلى الحد من الخلافات بين أطراف سياسية ومؤسساتية، والتي بدأت منذ أشهر.

وتعليقاً على هذا التوجه الرئاسي، قال المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، مساء أمس الخميس، إن اتحاد الشغل لا علم له بهذا الحوار وأنه لم يتم التنسيق معه أو الإشارة إليه فيه.

وأضاف الطاهري، في تصريح لإذاعة "موزاييك" الخاصة أن ما قام به سعيّد "غير لائق وليس فيه احترام لهيبة الدولة ورئاسة الجمهورية وكلّ الشركاء الاجتماعيين"، معتبراً أن "الرئيس أهدر على تونس حوالي أربعة أشهر ودفعها إلى حافة الهاوية"، حسب تعبيره.

وأوضح الطاهري: "كما أعطينا قيمة لرئيس الجمهورية وقدمنا له مبادرتنا ولم نسلمها لأحد آخر، كان من المفروض على الأقل أن يعلمنا بأنه تراجع عن مبادرتنا وغير رأيه"، مشدداً على أن الرئيس "خرق الأعراف"، حسب رأيه.

وتابع المتحدث باسم اتحاد الشغل أنه "لم يعد هناك أدنى تواصل وعمل بين الرئاسة والاتحاد في اتجاه المبادرة التي سبق أن طرحها"، مستطرداً أن "الاتحاد يعمل على مشروع بديل وسيعلن عنه في الوقت المناسب".

وفي سياق متصل، ذهبت تأويلات عديدة إلى أن استقبال سعيّد للوزير السابق، نزار يعيش، يحمل إشارات إلى أنه قد يكون الشخصية المرشحة لرئاسة الحكومة إذا استبعد المشيشي.

وترجح هذه التأويلات أن تكون حركة "النهضة" غير ممانعة لهذه الشخصية، ولكن قيادات مطلعة من الحركة أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن هذا الموضوع لم يطرح أصلاً وأنه لا مجال لاستبعاد المشيشي.

وأوضحت أن المشكلة ليست في الأسماء أو الشخصيات كما يروّج البعض، وأن المشيشي أو غيره لا يمثلون جوهر الخلاف، وإنما في رؤى إدارة شؤون الدولة وفهم ظروف البلاد.

ولفتت إلى أن الخلاف في هذا الصدد عميق ولا مجال في القريب لضمانات بعدم تكرّره، لأن بعض الأطراف لا يهمها تعطل مصالح الشعب بقدر ما يهمها تسجيل نقاط سياسية مهما ساءت الظروف الوطنية، وإذا حصل تطور في هذا الصدد وتوافق في مبادئ الخروج من الأزمة بضمانات حقيقية فيمكن حينها مناقشة الأسماء.

ومع تراجع الأمل في حوار في الأمد القريب يخفف من الأزمة، يبدو أن كل طرف أصبح يحاول الضغط على منافسه بغاية الدفع إلى تنازلات وإنضاج ظروف معادلة سياسية جديدة.

ومع نجاح نسبي للائتلاف الحاكم في حلحلة العمل الحكومي والخروج من حالة الجمود بسبب رفض الرئيس قبول أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد الذين صادق عليهم البرلمان في التعديل الوزاري الأخير، ومع نجاحهم في إدخال تعديلات على قانون المحكمة الدستورية في البرلمان منذ يومين، بما يفتح أمامهم مجال تحرك برلماني وتمرير مشاريع قوانين جديدة، تحاول المعارضة ضرب هذا الائتلاف من خلال محاولة ثانية لسحب الثقة من رئيس البرلمان، راشد الغنوشي.

وبعد فشل المحاولة في يوليو/تموز من العام الماضي، تسعى كتل في البرلمان إلى إعادة الكرّة من جديد، وأكد نواب معارضون أن لائحة سحب الثقة من الغنوشي تجاوزت إلى غاية الآن المائة إمضاء، وأن تقديمها رسمياً في البرلمان لن يتم إلا في حالة حصولها على الأغلبية الضرورية، أي 109 أصوات على الأقل، وهو ما يبدو قابلاً للتحقيق هذه المرة.

ولا يبدو أن معضلة المحكمة الدستورية قد انتهت بتغيير بعض فصول القانون، وخاصة التخفيض في عدد الأصوات الضرورية لانتخاب أعضائها في البرلمان من 145 إلى 131 صوتاً، لأن ذلك سيحتاج أولاً إلى تصديق الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ثم إلى تصديق الرئيس سعيّد.

ويوضح أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، لـ"العربي الجديد"، أن هذا المشروع لا يمكن أن يُصبح قانوناً إلا بعد ختمه من رئيس الجمهورية.
ويضيف أنه "يحق للرئيس استعمال حقه في الرد، وإذا ما استعمله فلا يمكن تجاوزه إلا بأغلبية ثلاثة أخماس"، أي أن الرئيس سعيّد يمكن أن يرد القانون إلى البرلمان لمناقشته من جديد والتصويت عليه بأغلبية ثلاثة أخماس أي 131 صوتاً وليس بأغلبية من حضر كما حصل في جلسة الثلاثاء، ما يعيد الجميع إلى المربع الأول.

دلالات