الأزمة الدبلوماسية الجزائرية - الإسبانية: بوادر اتجاه للتصعيد

الأزمة الدبلوماسية الجزائرية - الإسبانية: بوادر اتجاه للتصعيد

28 ابريل 2022
رفض ألباريس "تأجيج نقاشات عقيمة مع الجزائر" (Getty)
+ الخط -

تنعطف الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وإسبانيا إلى مزيد من التوتر، على خلفية الموقف الإسباني المستجد من أزمة الصحراء، والذي أثار غضب الجزائر، وصولاً إلى الموقف الجزائري الغاضب أخيراً في أعقاب تعليقٍ وُصف بغير المقبول من قبل وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، رداً على تصريحات أدلى بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يوم السبت الماضي، حول الأزمة مع مدريد.

وكانت مدريد بقيادة حكومة بيدرو سانشيز قد أعلنت في الـ18 من شهر مارس/آذار الماضي، عن تبدل في موقفها بشأن قضية الصحراء، ودعم مقترح المغرب القاضي بمنح حكم ذاتي للصحراء، بعدما كان موقفها محايداً.

وأثار الموقف المستجد لإسبانيا، غضب الجزائر، التي استدعت سفيرها في مدريد سعيد موسى للتشاور، احتجاجاً على ما اعتبرته "انقلاباً مفاجئاً" في الموقف الإسباني، وقالت لاحقاً إنها لن تعيده قبل الحصول على توضيحات من إسبانيا.

يتوقع مسؤولون في الجزائر أن تراجع بلادهم أسعار الغاز، وتستدعي السفير الإسباني

ولمّح مسؤولون جزائريون إلى عزم الجزائر مراجعة اتفاقيات مع مدريد، بالإضافة إلى وقف إعادة المهاجرين غير النظاميين من إسبانيا. ورأى الرئيس تبون في حوار بثّه التلفزيون الجزائري مساء السبت الماضي، أن ما قامت به إسبانيا تجاه قضية الصحراء "غير مقبول أخلاقياً وتاريخياً"، ويتعين عليها تطبيق القانون الدولي كشرط لعودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين.

وقال وزير الخارجية الإسباني، الإثنين الماضي، إنه لن يردّ على تصريحات تبون لأنه لا يريد تأجيج نقاشات عقيمة.

الجزائر - إسبانيا: أبعاد سياسية واقتصادية للتصعيد

وبعد استدعاء سفيرها من مدريد، ووقف التعاون في ملف ترحيل المهاجرين غير النظاميين، يتوقع مسؤولون في الجزائر أن تتخذ بلادهم خطوات جديدة في سياق الأزمة مع إسبانيا، تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية، على غرار مراجعة أسعار الغاز، واستدعاء السفير الإسباني في الجزائر فرناندو موران كالفو سوتيلو، لإبلاغه احتجاجاً رسمياً، ردّاً على تصريحات ألباريس الأخيرة.

وفاقمت تصريحات وزير الخارجية الإسباني الغضب الجزائري من مدريد، خصوصاً أنها تمسّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، كرمز سيادي بالغ الحساسية بالنسبة للدولة الجزائرية.

وكان مساعد وزير الخارجية المكلف بملف الصحراء والمغرب العربي، عمّار بلاني، قد أعرب مساء الإثنين الماضي عن استياء جزائري حاد من كلام ألباريس، واصفاً تصريحات الوزير الإسباني بأنها "مؤسفة وغير مقبولة".

وأكد بلاني رفض الجزائر للتوضيحات التي حاولت مدريد تقديمها، قائلاً إنّ "الوزارة الإسبانية حاولت تصحيح الوضع مع الصحافة الإسبانية، لكننا نحوز على تسجيل صوتي يؤكد أن الوزير قد أدلى بالفعل بتصريحات مسيئة وتتناقض مع السلوك واللياقة البروتوكولية". وبرأي المسؤول الجزائري، فإن "مثل هذه التصريحات لن تساهم بالتأكيد في عودة سريعة للعلاقات الثنائية إلى طبيعتها، وسيتعين على الوزير الإسباني تحمل العواقب".

ويؤكد حديث بلاني عن العواقب توجه الجزائر نحو خطوات سياسية ودبلوماسية تكرّس مستوى الغضب من السلوك الإسباني، كما يؤكد أن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين ليست واردة في الوقت الحالي، خصوصاً بعد دخول عوامل توتر إضافية.

حسابات الربح والخسارة للجزائر ومدريد

وقال دبلوماسي جزائري (تحفظ على ذكر اسمه)، لـ"العربي الجديد"، إنه "إذا كانت مدريد بصدد اختبار الرد الجزائري، فهي مخطئة تماماً، وليست بالأساس في موقع يتيح لها القيام باختبار الرد الجزائري".

وأضاف الدبلوماسي الجزائري أنه "صحيح أن الجزائر تتصرف بحكمة وعقلانية ولا تود التعامل بشكل منفعل، وتضع فارقاً بين التعامل مع الدولة الإسبانية وبين التعامل مع الحكومات العابرة، لكن المساس بالرموز السيادية للدولة وإطلاق تصريحات غير مسؤولة، أمر غير مقبول". وشدّد على أنه "ينبغي على مدريد أن تدرك ذلك، وقد سبق لها أن قدّرت كيف كان الرد الجزائري في نفس المستوى مع دول أكثر أهمية من إسبانيا بالنسبة للجزائر".

ومنذ اندلاع الأزمة بين البلدين في مارس الماضي، بعد تغيير مدريد موقفها من النزاع في منطقة الصحراء وانحيازها للطرح المغربي، تُحمل الجزائر إسبانيا مسؤولية توتر العلاقات، بسبب ما وصفته بتنصل سياسي وأخلاقي من المسؤوليات التاريخية لإسبانيا بصفتها المستعمر السابق للمنطقة.

وتعتبر الجزائر أن مدريد هي المطالبة بتسوية الأزمة بطريقة ما، خصوصاً أن إسبانيا لا تملك الكثير من أوراق الضغط على الجزائر، فيما قد تلجأ الأخيرة إلى التصلب في بعض القضايا.

وفي هذا الإطار، قد تأخذ الخيارات الجزائرية في الأزمة أبعاداً اقتصادية، إذ على الرغم من أن الرئيس الجزائري حرص على توجيه طمأنة إلى الإسبان بشأن وفاء بلاده بكل التزاماتها في ما يخص إمدادات الغاز، ما يعني أن الجزائر لن تقحم الغاز ضمن أدوات إدارة الأزمة مع مدريد، إلا أن الرد الإسباني على ذلك لم يكن موفقاً.

وبنظر بعض المراقبين، فإن تعليق وزير الخارجية الإسباني جاء "متهوراً"، ومن شأنه أن يدفع بالجزائر إلى إجراء تقييم ومراجعة للتعاون مع مدريد في ملف الغاز، خصوصاً على مستوى الأسعار.

تعتبر الجزائر أن مدريد هي المطالبة بتسوية الأزمة، خصوصاً أنها لا تملك الكثير من أوراق الضغط

وكان سبق لمسؤولين جزائريين، هما الأمين العام لوزارة الخارجية شكيب قايد، والمدير العام لشركة "سوناطراك" (الوطنية للغاز والنفط)، توفيق حكار، أن هددا في الأول من شهر إبريل/نيسان الحالي، بإمكانية إجراء مراجعة حساب لأسعار الغاز مع إسبانيا.

وقال حكار إن "الجزائر قرّرت الإبقاء على الأسعار التعاقدية الملائمة نسبياً مع جميع زبائنها"، غير أنه "لا يستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الإسباني"، والذي تزوده الجزائر بالغاز من خلال خط أنابيب الغاز الوحيد البحري بحوالي 8 مليارات متر مكعب.

وإذا كان الرئيس تبون قد أعلن السبت الماضي أنه من المبكر عودة السفير الجزائري إلى مدريد، فإن الخطوات الجزائرية المقبلة إزاء إسبانيا ستوضح حجم الأزمة وانهيار الثقة السياسية بين البلدين.

واعتبر عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، عبد السلام باشاغا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الطرف الإسباني هو من في يده أن يعيد العلاقات إلى ما كانت عليه أو أن يدفعها إلى التصعيد".

ورأى أنه في ما يخص الجزائر، فإن الموقف الحالي "لم يتغير، بل سيزداد تصلباً في حال أصرت الحكومة الإسبانية على موقفها، خصوصاً أن أهم ورقة حاولت إسبانيا أن تتودد بها للجزائر قبل انقلابها من موقف الصحراء الغربية، هي إعادة تشغيل خط أنبوب الغاز عبر المغرب وزيادة الواردات من الغاز، الأمر الذي رفضته الجزائر بشكل قاطع".

وأشار باشاغا إلى أن "هناك خطوات دبلوماسية متبقية بعد استدعاء سفيرنا، كاستدعاء السفير الإسباني لإبلاغه احتجاجاً رسمياً"، معيداً التذكير بأن إسبانيا "ليس لديها الكثير لتضغط به على الجزائر مثل ما هو الحال مع فرنسا، لكن الجزائر لديها ورقة الغاز، وكذلك ورقة الهجرة غير النظامية، والتي سوّقت لها مدريد ظاهرياً على أنه الحجة الأساسية التي تقف وراء تقاربها الأخير مع الرباط".