الأزمة الأفغانية الباكستانية تتعمّق... والهند تدخل على الخط

22 يناير 2025
سيارة دمرت بالغارات الباكستانية على أفغانستان، 25 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شنت باكستان غارة جوية داخل أفغانستان، مما أدى إلى مقتل نحو 50 شخصًا وأثار غضب حكومة "طالبان"، التي رفضت الاعتراف بخط ديورند كحدود رسمية ورفعت قضية اللاجئين إلى الأمم المتحدة.

- بدأت "طالبان" بتعزيز علاقاتها مع الهند، مما أثار قلق باكستان، حيث اتفق الطرفان على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية، مما يعقد الوضع بالنسبة لإسلام أباد.

- الأزمة الأفغانية الباكستانية أدت إلى انقسام داخلي في باكستان بين الجيش والسياسيين، حيث يصر الجيش على موقفه الصارم بينما يدعو السياسيون إلى الحوار.

لم تكن باكستان تتوقع أن قصف سلاح جوها داخل أفغانستان في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والذي أدى إلى مقتل نحو 50 شخصاً، سيغضب "طالبان" الأفغانية إلى هذه الدرجة، إذ إنها نفذت قبل ذلك مرتين غارات جوية داخل الأراضي الأفغانية بحجة استهداف مسلحي "طالبان" الباكستانية، وكانت في حينها ردود فعل "طالبان" مقتصرة على بعض الهجمات والاشتباكات على الحدود مع الاحتجاج عبر الخارجية. لكن الأزمة الأفغانية الباكستانية تعمقت هذه المرة، مع أخذ كابول القضية بشكل جدي، وردود فعلها التي لم تقتصر على الهجمات الانتقامية على نقاط للجيش الباكستاني، بل هي ذهبت إلى ما كان يخشاه صناع القرار في إسلام أباد.

فقد رفعت "طالبان" قضية خط ديورند (خط الحدود)، وأعلنت رسمياً أنها لا تعترف به، وأن منطقة القبائل ومناطق الشمال الغربي في باكستان هي مناطق أفغانية. كما أنها كثفت جهودها لتقوية العلاقة مع الهند المنافسة لباكستان، في حين كان من أهداف باكستان الرئيسية في أفغانستان خلال العقود الماضية صد النفوذ الهندي، ومن أجله كانت تبذل جهوداً كبيرة ضد الحكومات السابقة (حامد كرزاي وأشرف غني). وفي إطار تصاعد الأزمة الأفغانية الباكستانية رفعت حكومة "طالبان"، لأول مرة، قضية تعامل السلطات الباكستانية مع اللاجئين الأفغان على الأصعدة الدولية، وقدمت شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة، مطالبة إياها بضرورة التدخل ضد الإجراءات الباكستانية. كما اتهمت الجيش الباكستاني بأنه يقوم بتدريب وتجهيز تنظيم داعش، مستندة في ذلك إلى دلائل ومستندات تقول إنها تملكها.

تصعيد موقف "طالبان" أفغانستان

وبالنظر إلى التصعيد في موقف حكومة "طالبان"، رأى مراقبون في باكستان أن تعامل المؤسسة العسكرية وحساباتها كانت خاطئة قبل سيطرة "طالبان" على الحكم وبعده. في هذا الشأن، قال الأكاديمي الباكستاني شفيق أحمد مروت، لـ"العربي الجديد"، إن مشكلة باكستان، خصوصاً المؤسسة العسكرية، أنها اعتبرت خلال العقود الأربعة الماضية أفغانستان وكأنها إقليم باكستاني تنفذ فيه خططها. وأضاف: هي في العلن تعترف بسيادة أفغانستان، لكنها في الخفاء، وعندما تضع خطط وآليات التعامل مع كابول، ترى أن أفغانستان تحت وصايتها وأمرها، وهو ظن خاطئ، وبسببه فشلت كل المخططات الباكستانية.

التقى وزير الخارجية في حكومة "طالبان" بوزير الخارجية الهندي في الثامن من يناير

وأوضح شفيق أحمد مروت أن تعمق الأزمة الأفغانية الباكستانية سببه أنّ صناع القرار في باكستان أخطأوا في التعامل مع حكومتي كرزاي وغني، تماماً كخطئهم في معرفة "طالبان"، مشيراً إلى أنهم كانوا يظنون أن "طالبان" لهم ومنهم، وأنها بمجرد أن تسقط حكومة أشرف غني ستكون أفغانستان تابعة لها، لذا عقدت مهرجانات أفراح في باكستان بعد سيطرة "طالبان" على أفغانستان، وبدأت زيارات مسؤولي الاستخبارات الباكستانية إلى كابول، فبعد أسبوعين من سيطرة "طالبان" على كابول (في 15 أغسطس/ آب 2021)، وصل رئيس الاستخبارات الباكستانية حينها الجنرال فيض حميد إلى العاصمة الأفغانية، ونشرت له صور في فندق في كابول وكأنه في مناسبة عظيمة. وتابع: بدأت إسلام أباد تطلب من "طالبان" الأفغانية القضاء على "طالبان" الباكستانية وتسليم قياداتها وغير ذلك، لكنها نسيت أن "طالبان" التي قاتلت أميركا لن تكون تابعة لها، وهي تتفاوض مع القوى الدولية، ولا تأخذ في الحسبان كثيراً المؤسسة العسكرية الباكستانية، كما أن علاقاتها مع "طالبان" الباكستانية متجذرة ونابعة من الأيديولوجيا والقبلية، فهم أبناء فكر واحد وأيديولوجية واحدة، كما أنهم جميعاً أبناء قبائل البشتون التي يفصل بينها خط ديورند.

تقارير دولية
التحديثات الحية

وفي إطار الأزمة الأفغانية الباكستانية لفت شفيق أحمد مروت إلى أن "طالبان" حينما رفضت مطالب باكستان ورسمت حداً للتعامل معها، بدأت الأخيرة تتعامل معها بشكل عدائي تماماً بما يتجاوز القصف الجوي وقد وصل الأمر إلى ملفات التعامل مع اللاجئين الأفغان في باكستان والتجار والحركة على الحدود، ما زاد من العداء في قلوب الأفغان، موضحاً أنه في حال أرادت إسلام أباد أن تعيد المياه إلى مجراها الصحيح، عليها أن تعترف بسيادة أفغانستان وأنها دولة جارة وصديقة، حينها يمكن أن يعيش البلدان بأمن وأمان واستقرار.

الأزمة الأفغانية الباكستانية عامل تقارب نيودلهي وكابول

من ضمن أهداف باكستان في أفغانستان على مدى العقود الماضية التصدي للنفوذ الهندي هناك، وكانت تتوقع أن تقوم "طالبان" بالقضاء على نفوذ نيودلهي الذي تصاعد خلال عهدي حكومتي كرزاي وغني. في البداية كانت الأمور تسير في هذا الاتجاه، إذ كانت تصريحات المسؤولين في نيودلهي تماماً معارضة لـ"طالبان"، والأخيرة لم تظهر أي رغبة في إيجاد علاقات مع الهند، لكن الأمور بدأت تتغير تدريجياً، وبدأت العلاقات الهندية الأفغانية تتحسن رويداً رويداً، وشهدت تطورات إيجابية. آخر تلك التطورات لقاء وزير الخارجية في حكومة "طالبان" الملا أمير خان متقي بوزير الخارجية الهندي فيكرم ميصري في دبي في الثامن من يناير/ كانون الثاني الحالي، حيث اتفق الطرفان على تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية. هذا اللقاء كان الأعلى مستوى بين البلدين منذ تولي الحركة السلطة في أفغانستان، وكان له صدى كبير في باكستان وأفغانستان. وثمة ترحيب بالتقارب بين نيودلهي وكابول بين الأطياف الأفغانية، بينما في إسلام أباد اعتبرت الأزمة الأفغانية الباكستانية الأخيرة عاملاً لتقوية العلاقات بين أفغانستان والهند وأن الأخيرة قد استغلت الوضع.

عبد المالك: المؤسسة العسكرية في باكستان ترى أن كل ما بذلته في أفغانستان قد يضيع إذا ما لم تقبل "طالبان" وصايتها

في هذا السياق، قال المحلل السياسي الباكستاني محمد أنس، لـ"العربي الجديد"، إنه عندما حصلت الأزمة الأفغانية الباكستانية كان من المفترض أن يؤدي ذلك إلى دفع العلاقات الهندية الأفغانية قدماً، فأفغانستان بحاجة إلى دعم اقتصادي وسياسي، وباكستان لا تفعل ذلك، بل تمارس الضغوط عليها، وصراعها معها متصاعد، ومن هنا فإن الطبيعي هو تحسن العلاقات بين الهند وأفغانستان.

ودعا أنس باكستان وصنّاع القرار فيها للتعامل مع الأمور بشكل طبيعي وفي ضوء الحقائق وعلى أرض الواقع، فـ"طالبان" الآن حكومة وليست جماعة مسلحة، وهي تمثل أفغانستان، التي حاربت من أجل الحرية على مدى عقود، وبالتالي يجب التعامل معها كأي دولة لها حق في توطيد العلاقات وتقوية النفوذ مع أي جهة شاءت، معتبراً أن "الأهم لنا هو علاقاتها معنا وليس علاقاتها مع الهند". وأضاف: "نحن لا نتحمل التوتر معها بأي حال، كما أن أفغانستان بحاجة إلى باكستان. الدولتان تواجهان أزمات متتالية ومتصاعدة، لا سيما في المجال الاقتصادي والمعيشي، من هنا يحق لأفغانستان تحسين علاقاتها مع الهند وليس من حق باكستان الاعتراض عليها، بل عليها أن تضع خططاً سليمة للتعامل مع كافة الجيران، سواء الهند أو أفغانستان".

لكن الإعلامي الباكستاني عبد الله مهمند رأى أن لباكستان شاغلاً أهم، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن "إسلام أباد تتيقن أنها لا تتحمل الأزمة مع كابول في ظل الحالة السائدة أمنياً واقتصادياً، ولكن شاغلنا الأساسي هو طالبان الباكستانية ونشاطها داخل أفغانستان، إنها خطر حقيقي لأمن باكستان. من هنا على حكومة طالبان أن تتعاون مع باكستان في هذا المجال، وإلا فإن الأمور لن تتحسن مهما حصل من التغيرات في الخطط والسياسات".

انقسام داخل باكستان

ومن بين الحقائق الموجودة على الأرض هي أن أفغانستان في ظل حكم "طالبان" خلقت انقساماً في الساحة الباكستانية، خاصة بين المؤسسة العسكرية من جهة والسياسيين ورجال الدين من جهة ثانية. وظهر هذا الانقسام خلال اجتماع مندوبي الأحزاب السياسية والدينية بقائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير في مدينة بشاور، شمال غربي باكستان، في 16 الشهر الحالي، وكان الهدف بحث مجريات الوضع الأمني على الحدود وفي شمال غربي باكستان. في البداية ألقى الجنرال كلمة بنبرة شديدة وجه فيها الاتهامات لأفغانستان، مؤكداً أن على الأخيرة أن "تتعاون معنا، وأن بإمكاننا أن نذهب إلى أي حد من أجل إحلال الأمن وتأمين الحدود". ولكن بعدما ألقى مندوبو الأحزاب كلماتهم، وأجمعوا على أن الأزمة الأفغانية الباكستانية ليست في صالح إسلام أباد وأن الحل هو الحوار، طالبين من قائد الجيش العمل على تعزيز التعاون مع أفغانستان والحديث معها على كل المستويات من أجل إحلال الأمن وحل قضية "طالبان" الباكستانية، مع تجنب الصراع معها، قال منير: "لا نريد ولا نتحمل الصراع مع أفغانستان، وسنجري معها الحوار من أجل حل المشكلة"، مشدداً على أن "أفغانستان دولة جارة وصديقة ومشكلتنا الأساسية هي طالبان الباكستانية. نحن نطلب منها التعاون بهذا الصدد، ولا نريد أكثر من ذلك أو أقل".

وفي 18 من الشهر الحالي، أعلن المندوب الباكستاني الخاص لأفغانستان محمد صادق حزمة من التعديلات على الضرائب للتجار الأفغان الذين ينقلون بضائعهم عبر باكستان. وأكد، في بيان، أن أفغانستان دولة جارة وشقيقة، وباكستان تسعى من أجل تعزيز التعاون معها دوماً. وعلاوة على ذلك طلبت المعارضة الباكستانية في البرلمان، وهي المتمثلة في حزب عمران خان وبعض الأحزاب القومية والدينية، من باكستان الحوار البنّاء مع أفغانستان، وتجنّب الصراع معها.

تجدر الإشارة إلى أن سلاح الجو الباكستاني شن غارات على جنوب أفغانستان، وقتل أكثر من 50 شخصاً في 24 ديسمبر الماضي، بالتزامن مع زيارة صادق لكابول. وكان من المفترض أن يلتقي المندوب الباكستاني بوزير الداخلية في حكومة طالبان سراج الدين حقاني بشأن التعامل مع "طالبان" الباكستانية، كما أجرى لقاء قبل ذلك بوزير الخارجية الملا أمير خان متقي، ولم يكن على علم بالقصف، بل أكدت بعض المصادر في حكومة "طالبان" لـ"العربي الجديد"، أن صادق أصابته الدهشة بعدما علم بالقصف الباكستاني للمناطق الأفغانية.

وفي تعليق له، قال الأكاديمي الأفغاني عبد المالك، لـ"العربي الجديد"، إن المؤسسة العسكرية لها الكلمة في باكستان، وهي ترى أن كل ما بذلته خلال العقود الماضية في أفغانستان قد يضيع إذا ما لم تقبل "طالبان" وصايتها، كما أنها لا تريد الحلول السياسية لقضية "طالبان" الباكستانية، بل تريد منها الاستسلام، ومن أجل الوصول إلى ذلك، تطلب من "طالبان" الأفغانية مساعدتها، موضحاً أن المؤسسة العسكرية الباكستانية لا تبالي بما بذله السياسيون، سواء كان المندوب الخاص لأفغانستان محمد صادق أو غيره، من جهود لتحسين علاقات باكستان مع جارتها أفغانستان، وهو أمر مؤسف للغاية.