الأردن يتنفس الصعداء بقرب رحيل ترامب: هل تنتهي الضغوط الأميركية؟

الأردن يتنفس الصعداء بقرب رحيل ترامب: هل تنتهي الضغوط الأميركية؟

29 نوفمبر 2020
من لقاء عبد الله الثاني وترامب في يونيو/حزيران 2018 (Getty)
+ الخط -

واجه الأردن في عهد إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، ضغوطاً كبيرة، خصوصاً في ما يتعلق بالملف الفلسطيني، وفرض "صفقة القرن"، وهي خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، إضافة إلى وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في دولة تستضيف أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين. وتعتبر القضية الفلسطينية المحرك الأساسي لعلاقات عمّان الخارجية، والفاعل الأهم في السياسة الداخلية. وشهدت العلاقات الأردنية - الأميركية في عهد ترامب، الذي خسر أخيراً سعيه لولاية ثانية في مواجهة جو بايدن، فتوراً ملحوظاً، نتيجة الإجراءات والسياسات التي اعتمدها كنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وخطة الإملاءات لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة بـ"صفقة القرن". إلا أن هذا الفتور لم يُحدث تغييراً كبيراً في العلاقات الأردنية - الأميركية من الناحيتين العسكرية والاقتصادية. على الرغم من ذلك، تتطلع عمّان اليوم إلى مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية مع واشنطن، مع وصول جو بايدن إلى سدة الرئاسة الأميركية.  


يرى الأردن في واشنطن شريكاً استراتيجياً، وفي علاقاته بالولايات المتحدة ضرورة أمنية استراتيجية

يرى الأردن في واشنطن شريكاً استراتيجياً، وفي علاقاته بالولايات المتحدة ضرورة أمنية استراتيجية، فيما تنظر الولايات المتحدة لهذا البلد كشريك في مختلف الملفات الإقليمية، بما فيها ملف الحلّ النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتحالف الدولي ضد الإرهاب، حتى وإن تغيرت الإدارات. وفي عهد ترامب، اقترحت الإدارة الأميركية تخصيص 1.3 مليار دولار كمساعدات للأردن ضمن مشروع موازنتها للعام 2021، في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، في إطار مذكرة تفاهم مدتها خمس سنوات، تعهدت بموجبها واشنطن بتقديم 1.275 مليار دولار سنوياً من المساعدات الخارجية للأردن، وذلك من عام 2018 إلى 2022، ما مجموعه 6.375 مليارات دولار. 

وبالتأكيد، فإن فوز بايدن- وهزْمه لترامب- له ما بعده. وما إن أُعلن خبر فوز المرشح الديمقراطي ونائب الرئيس السابق في انتخابات الرئاسة الأميركية، حتى سارع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى تهنئته والتأكيد على متانة العلاقات التاريخية بين البلدين. وعاد الملك عبد الله وهاتف الإثنين الماضي، الرئيس الأميركي المنتخب، معرباً عن "تطلعه للعمل معه لتوطيد علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والبناء عليها لتوسيع التعاون في مختلف المجالات، وبما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة". 

في هذا الإطار، يرى وزير الإعلام الأردني السابق محمد المومني، والذي يُعتبر من الشخصيات الأردنية القريبة من واشنطن، أن العلاقات الأردنية - الأميركية هي علاقات استراتيجية راسخة، متوقعاً استمرارها بالوتيرة ذاتها مع الإدارة الأميركية الجديدة. ويضيف المومني في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بلاده "حافظت على العلاقة الإيجابية مع الإدارات الأميركية الديمقراطية والجمهورية، وحاولت دائماً أن تبقيها ضمن مستوى مؤسساتي واستراتيجي، يقوم على الصراحة والتعاون بين الأصدقاء". 

ويتوقع الوزير الأردني السابق أن تمنح إدارة بايدن مزيداً من الزخم لحلّ الدولتين، وهو ما يصبّ في المصلحة الأردنية العليا. كما أن الانفتاح على الفلسطينيين، إضافة إلى إعادة تمويلهم وتمويل منظمة الـ"أونروا" أيضاً، يصبّ في مصلحة الأردن، وسينهي "صفقة القرن" التي أعلنت المملكة رفضها. كما يعتبر المومني، أن وصول بايدن إلى البيت الأبيض وإدارته الجديدة لن يؤثرا على علاقات الأردن مع الدول العربية الأخرى، وهي علاقات قائمة على التاريخ والمصالح المشتركة، بحسب قوله.

من جهته، يرى رئيس "مركز دراسات الشرق الأوسط"، جواد الحمد، أن "متغيرات مهمة ستحصل بعد فوز بايدن، وهي أن الضغط الشديد الذي عانى منه الأردن بسبب توجهات الإدارة الجمهورية اليمينية المتطرفة في واشنطن، والمتعاونة مع اليمين الإسرائيلي، والمتشددة تجاه بلاده، سيكون أقل، وهو ما سيفتح أمام عمّان فرصة لمزيد من الحوار والتفاهم". ويوضح الحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأردن كان يتعرض في عهد إدارة ترامب، لضغوط مرتبطة بالقضية الفلسطينية وقضايا التطبيع، حتى من قبل دول عربية، مشيراً إلى أن الإدارة الجديدة بقيادة بايدن تتفهم ظروف الأردن الداخلية والإقليمية، وتعذره في كثير من المواقف، وتمنحه هامشاً أكبر من الإدارة الجمهورية المغادرة، في التعامل مع هذه القضايا. ويعتبر أن ذلك سينعكس أيضاً على دول لن تستمر بالضغط على الأردن، خصوصاً في ما هو مرتبط بالمساعدات المالية، وابتزاز الموقف السياسي بسبب الأزمة الاقتصادية. 

ويشير رئيس "مركز دراسات الشرق الأوسط"، إلى لعب عمّان قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، دوراً إقليمياً مهماً، وهي لعبته بارتياح سواء مع الإدارات الأميركية الجمهورية أو الديمقراطية، لكن أفضل العلاقات نُسجت بين البلدين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. ويتوقع الحمد أن يستعيد الأردن دوره في الإقليم في ظلّ إدارة بايدن، خصوصاً تجاه القضية الفلسطينية والقدس المحتلة وإدارة المقدسات، وكذلك بالنسبة للقضية السورية. ويعتقد الحمد أن الإدارة الديمقراطية يهمها استمرار الدور الأردني في المنطقة، وهو ما ينعكس على الاستقرار الداخلي، السياسي والاقتصادي، وربما يجرّ إلى مساعدات مالية جديدة ودعم لوجستي. كما يعتقد أنه لن يكون هناك ضغط سياسي من الولايات المتحدة والحلفاء في المنطقة، على المستوى الداخلي، تجاه قوى سياسية محلية أو أفراد لموقفهم السياسي. ويشدد الحمد على أن الأردن يقوم بدور فاعل في محاربة الإرهاب في المنطقة، ودور هام في ممارسة الحياد الإيجابي، وهو ما يعني أن هذا الدور سيحظى بفرصة جديدة للتقدم، وقد يحصل ذلك على حساب دول عربية أخرى. 


تعرض الأردن في عهد ترامب لضغوط من دول عربية، ومحاولة ابتزاز لمواقفه السياسية

وحول القمة الثلاثية التي عقدت في أبوظبي أخيراً بين الملك الأردني وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، يرى الحمد أنها قمة استباقية من بعض الدول، للضغط على الأردن، داعياً الحكومة الأردنية للتريّث في مواقفها إلى حين تولي الإدارة الأميركية الجديدة مسؤولياتها، مؤكداً على الدور المحوري للأردن في المنطقة، وأن هذا البلد أمام فرصة لاستعادة دوره الفاعل في الإقليم، كما في السابق. 

بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسين بن طلال، الدكتور حسن الدعجة، لـ"العربي الجديد"، إن التغيّر في الإدارة الأميركية يصبّ في صالح الأردن، فالقضية الفلسطينية هي القضية الأولى بالنسبة للمملكة، وفيما كانت إدارة ترامب متحيزة جداً للكيان الإسرائيلي، في "صفقة القرن" وقضية القدس ونقل السفارة، إلا أن بايدن سيعيد التوازنات. وبرأيه، فإن الرئيس الأميركي الجديد، لن يلغي القرارات السابقة، لكنه سيكون أكثر توازناً، وهو مؤيد لحلّ الدولتين، ما سيخفف الضغط على المملكة. 

ويصف الدعجة دعم ترامب لإسرائيل بـ"الدعم المتطرف، والذي يتجاوز المبادئ الديمقراطية التي تنادي بها واشنطن، وقامت عليها الولايات المتحدة، لكن بايدن سيعيد الأمور إلى نصابها"، برأيه. كما يؤكد أستاذ العلوم السياسية بدوره، أن العلاقة الأردنية - الأميركية استراتيجية ووطيدة، وتركز على المصالح المشتركة، معتبراً أن فوز بايدن برئاسة الولايات المتحدة سيقوي الموقف الأردني في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة. ويلفت في هذا الإطار، إلى أن هذا يخدم السياسة الواقعية الأردنية في المنطقة، والتي لم تمل كل الميل إلى أي اتجاه، ولم تنصع للضغوطات الإقليمية وجابهتها، مثل قضايا ضمّ غور الأردن، ومحاولة دفع عمّان للتخلي عن دورها في كلّ من سورية وليبيا أيضاً. 

ويصف الدعجة ترامب بالشخصية الشعبوية، فهو كان يركز بشكل أكبر على الاقتصاد وقضايا الداخل، لكن الديمقراطيين يؤمنون بدور أميركي عالمي أكبر، متوقعاً أن تطغى اللغة السياسية على الاقتصادية في الفترة المقبلة. كما يتوقع أن يعيد بايدن الدور الفاعل للسياسة الأميركية في الخارج، وأن يستمر الدعم الاقتصادي للأردن، المرتبط بسياسات الدولة العميقة. ويرى الدعجة أن بايدن سيطالب الأردن بمزيد من الديمقراطية، والإصلاحات السياسية، وإطلاق الحريات، لكنه سيوائم أيضاً بين المطالب الديمقراطية والقضايا الأمنية المرتبطة بالاستقرار، وهذا سينعكس ربما على الانتخابات المحلية المقبلة، ومجمل الحياة السياسية، لافتاً إلى أن الأردن منفتح على الديمقراطية مقارنة بدول عربية أخرى. 

ويعتقد الدعجة أن أي انسحاب أميركي سياسي من المنطقة، ربما ستقوم الصين الصاعدة دولياً بملئه، معتبراً أن الأردن وغيره من الدول عليها أن تُشعب علاقاتها، وأن تبحث عن مصالحها التي تضمن استقرارها، مبيناً أن السياسة الدولية لا ترحم. ويرى أنه لو نجح ترامب في هذه الانتخابات، لكان سيُقدم على استكمال "صفقة القرن"، قسراً وقهراً، لكن بايدن سيوازن العلاقات.