اغتيال فخري زادة: خلافات إيرانية على التصعيد النووي

اغتيال فخري زادة: خلافات إيرانية على التصعيد النووي

02 ديسمبر 2020
يسيطر اغتيال فخري زادة على الساحة الإيرانية (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

على وقع خلافات إيرانية داخلية حول إدارة المرحلة الراهنة، في ظل التطورات المتسارعة داخلياً ودولياً، كان مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، يصادق، أمس الثلاثاء، على مشروع قانون يعيد البرنامج النووي الإيراني إلى ما قبل الاتفاق النووي المبرم عام 2015، من خلال اتخاذ خطوات نووية لافتة، وهو تطور لم يخرج أيضاً عن دائرة الانقسامات، مع معارضة الحكومة لسير البرلمان في هذا الاتجاه.

وأحدثت التطورات المتلاحقة انقسامات داخل إيران، في مواجهة السياسات الأميركية والموقف من الاتفاق النووي، والرد على العقوبات الأميركية، لتأتي عملية اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زادة، يوم الجمعة الماضي، بالقرب من العاصمة طهران، لتزيد من هذه الخلافات. وإضافة إلى اغتيال فخري زادة، الذي وجهت طهران اتهامات رسمية للاحتلال الإسرائيلي بالوقوف وراءه، وإقحامها كلاً من الولايات المتحدة والسعودية ومجاهدي خلق بالحادث، برز تطور آخر ساهم في تزايد الخلافات الإيرانية، وهو فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وفي حمأة هذا الانقسام، كان البرلمان يقر، أمس، مشروعاً بعنوان "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات" الأميركية، المفروضة على إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 8 مايو/ أيار 2018، مصادقاً على مجموعة قرارات لافتة. وأقر النواب في جلسة للبرلمان، أمس، الخطوط العريضة للمشروع، بموافقة 251 نائباً من 290 هو عدد النواب الإيرانيين، وسط معارضة الحكومة الإيرانية. وبموجب البنود التي أقرها البرلمان، فقد ألزم الحكومة الإيرانية بـ"إنتاج 120 كيلوغراماً من اليورانيوم على الأقل بنسبة تخصيب 20 في المائة" في منشأة فوردو، وذلك بعد شهرين من إقرار القانون، وفق البند الأول. علماً أن إيران وقبل التوصل إلى الاتفاق النووي كانت تنتج اليورانيوم بنسبة تخصيب 20 في المائة، لكنها تعهدت بموجب الاتفاق بتخفيضها إلى 3.67 في المائة، قبل أن تقرر رفع النسبة إلى 4.5 في المائة خلال العام الماضي، في إطار الخطوة الثانية من الخطوات الخمس التي قلصت بموجبها تعهداتها النووية. فضلاً عن أن البرلمانيين ألزموا الحكومة أيضاً بإقرار البند الثاني من المشروع بـ"إنتاج 500 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب شهرياً".

ولم يكتف البرلمان الإيراني المحافظ بهذه النسبة، إذ طالب هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أيضاً "برفع الحاجات السلمية لصناعات البلاد لليورانيوم بنسبة تخصيب أعلى من 20 في المائة بشكل كامل". كما وافق بموجب البند الثالث من المشروع على تركيب ألف جهاز جديد للطرد المركزي في منشأة نطنز، وسط إيران، والقيام بعمليات التخصيب وضخ الغاز إلى هذه الأجهزة، خلال ثلاثة أشهر بعد إقرار القانون، علاوة على إلزام الحكومة بـ"تدشين مصنع إنتاج اليورانيوم المعدني في أصفهان في غضون 5 أشهر من إقرار القانون".

يقر المشروع إنتاج يورانيوم بنسبة تخصيب 20 في المائة

وخلال الجلسة، ردد بعض المشرعين هتافات "الموت لأميركا" و"الموت لإسرائيل" بعدما وافق أعضاء البرلمان على مشروع القانون، الذي كان البرلمان قد وافق قبل إجراء الانتخابات الأميركية بيوم واحد، على وضعه ضمن جدول الأعمال لمناقشته لاحقاً، لكن اغتيال فخري زادة دفعه إلى تقديم الموعد وإعطائه الأولوية. فقد صوّت البرلمان، الأحد، على تقديم موعد مناقشة المشروع الهادف لـ"إحياء الصناعة النووية الإيرانية" حسب رؤيته، من خلال اتخاذ إجراءات نووية من شأنها أن تلغي التعهدات الإيرانية المنصوص عليها في الاتفاق النووي المبرم بين طهران والمجموعة الدولية عام 2015، ليعيد ذلك البرنامج النووي الإيراني إلى مرحلة ما قبل التوصل إلى هذا الاتفاق.

ويتجاوز المشروع الخطوات الخمس التي اتخذتها طهران لوقف تعهدات نووية، خلال العامين الماضيين، رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وما تبعه من عقوبات أميركية "تاريخية" و"مماطلات" الأطراف الأوروبية في تنفيذ "تعهداتها الـ11" لتمكين إيران من جني ثمار الاتفاق النووي الاقتصادية.

ويعني تنفيذ الخطوات التي أقرها البرلمان أمس، إنهاء العمل بـ"البروتوكول الإضافي" الأممي، غير أن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي قال في مؤتمر صحافي، أمس، إن إلغاء هذا البروتوكول "ليس من ضمن صلاحيات المجلس" (أي البرلمان الإيراني)، معلناً معارضة الحكومة قرار النواب في هذا الشأن، مؤكداً أن الأمر حسب الدستور من صلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي في البلاد. وأضاف ربيعي "اذا كان الهدف من المشروع هو إلغاء العقوبات، فإنه لن يؤدي إلى ذلك". غير أن رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، كان له رأي آخر، وقال وفقاً لوكالة "فارس" الإيرانية، إن "المجلس يحق له ويمتلك الصلاحية للخوض في هذا الموضوع مع مراعاة الدستور".

ولم يكن ربيعي المسؤول الوحيد الذي عبّر عن رفض الحكومة لهذه الخطوات، بل أبدى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، الموقف نفسه، وقال في مؤتمر صحافي، أمس، إن المشروع البرلماني لا يعكس وجهة نظر الحكومة، والبرلمان "سلك مساراً مستقلاً"، معرباً عن أمله في "أن يولي النواب اهتماماً بآراء الخارجية الإيرانية".

غير أنه يبقى من المستبعد في الوقت الراهن تنفيذ الخطوات النووية الجديدة الهادفة على ما يبدو إلى ممارسة الضغط على الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، قبل استلامه السلطة، ومعرفة ما إذا كان سيتبع مساراً آخر يختلف عن ذلك الذي اتخذه الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب وفق استراتيجية "الضغوط القصوى" ضد إيران.

الحكومة: إلغاء البروتوكول الإضافي ليس اختصاص البرلمان

وجاء قرار البرلمان أمس، وسط ارتفاع حدة الخلافات بين الحكومة الإيرانية والمحافظين، فمنذ اللحظات الأولى لاغتيال فخري زادة، واجهت حكومة الرئيس حسن روحاني اتهامات من البرلمانيين ووسائل الإعلام والإعلاميين البرلمانيين بأن هذه الاغتيالات هي نتيجة التفاوض مع الغرب والاتفاق النووي المبرم مع المجموعة الدولية عام 2015. ووصلت هذه الاتهامات إلى حد اتهام الحكومة بأنها هي التي قدّمت اسم فخري زادة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما أدى إلى التعرف إليه ومن ثم اغتياله. لكن الحكومة نفت ذلك، وقال وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، الإثنين، إن "الموساد" والولايات المتحدة هما اللذان قدّما الاسم للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2005، مشيراً إلى أنه بعد ذلك وضع مجلس الأمن الدولي اسم فخري زادة على قائمة العقوبات في القرار 1747 الصادر في 24 مارس/ آذار 2007. علماً أنه في ذلك الوقت كانت الحكومة الإيرانية محافظة، برئاسة محمود أحمدي نجاد.

وفي الوقت ذاته، وفيما تعتبر الحكومة الإيرانية أن فوز بايدن "فرصة" لرفع العقوبات والعودة إلى التفاوض مع واشنطن لخفض التوترات وإلغاء العقوبات على البلاد، إلا أن هذا التوجه يلقى معارضة قوية وانتقادات من المحافظين الإيرانيين، الذين يعتبرون أن إرسال هذه الإشارات إلى الإدارة الأميركية الجديدة ليس لصالح البلاد، محمّلين إياها مسؤولية الأزمة الاقتصادية و"تجرؤ الأعداء" على استئناف الاغتيالات. غير أن مقربين من حكومة روحاني يرون أن الضغوط التي تتعرض لها وكذلك الوقوف بالمرصاد ضد أي توجه لها نحو التفاوض مع بايدن خلال الأشهر السبعة المتبقية من ولاية روحاني، لها دوافع انتخابية مرتبطة بالانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران المقررة في يونيو/ حزيران المقبل، وذلك بعدما سيطر المحافظون على البرلمان الحالي بالكامل خلال الانتخابات التي أجريت في فبراير/ شباط الماضي، بعد إقصاء الإصلاحيين، الذين رُفضت أهلية معظم مرشحيهم لخوض غمار السباق.

كما أن هناك خلافات في الوقت الراهن حول الخطوات التي يمكن اتخاذها للرد على اغتيال فخري زادة، وسط تهديد القادة العسكريين والسياسيين بأن "الرد حتمي وحازم"، لكن "في الوقت المناسب". وثمة قناعة لدى صنّاع القرار الإيراني بأن الاحتلال الإسرائيلي والسعودية يحاولان جرّ طهران إلى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة في الفترة المتبقية من ولاية ترامب، فضلاً عن أن مراقبين يرون أن ترامب أيضاً يبدو متحمساً لمثل هذا الخيار لتفخيخ مسار بايدن تجاه إيران وعرقلة توجهاته للعودة إلى التفاوض معها. غير أن البرلمان الإيراني المحافظ يرى أن ثمة ضعفاً تبديه الحكومة في اتخاذ القرارات اللازمة المتاحة للرد على اغتيال فخري زادة، فقد هاجمها، يوم الأحد، في بيان النعي، معرباً عن الأسف لـ"عدم الرد المتوازن" على الاغتيالات السابقة ضد العلماء النوويين، ومتهماً الحكومة بالسعي لاتّباع مسار التفاوض مع "أسياد المجرمين"، مع الدعوة إلى "إحياء الصناعة النووية" و"وقف العمل بالبروتوكول الإضافي"، الذي بموجبه تعهدت إيران بتفتيش "صارم" و"غير مسبوق" لمنشآتها النووية وفق الاتفاق النووي.