اغتيال الكراد بعد تفاوض مع النظام: درعا نحو المجهول؟

اغتيال الكراد بعد تفاوض مع النظام: درعا نحو المجهول؟

16 أكتوبر 2020
نفذت اغتيالات عدة بالمنطقة منذ إبرام المصالحات (محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -

تخيّم الصدمة على محافظة درعا، جنوب سورية، عقب اغتيال عددٍ من قادتها العائدين من العاصمة دمشق، بعد جلسة مفاوضات مع النظام حول عدد من القضايا الخاصة بالمحافظة، ولا سيما ملف المعتقلين، بينما تتوجه الاتهامات إلى النظام بالوقوف وراء عملية الاغتيال التي قضى فيها أدهم الكراد، وهو واحد من أكثر قادة "الجيش السوري الحر السابقين"، الرافضين للمهادنة مع النظام والإيرانيين في جنوب سورية. ويُتوقع أن يكون للاغتيال انعكاسات كبيرة على مشهد الصراع المعقّد في الجنوب السوري، في ظلّ تنافس غير معلن بين الروس والإيرانيين المتحكمين بقرار النظام، في محافظتي درعا والسويداء. ويعد الوجود الإيراني أحد أبرز أسباب التوتر في المنطقة برمتها.

كان الكراد أحد أبرز القياديين المفاوضين مع النظام، لا سيما في حي درعا البلد

وشيّعت محافظة درعا أمس الخميس، جثامين قادة سابقين عدة في "الجيش الحر"، في مقبرة الشهداء في حي درعا البلد في مدينة درعا مركز المحافظة، أبرزهم أدهم الكراد، الذي كان حتى لحظة اغتياله واحداً من أبرز القياديين المفاوضين مع النظام، ولا سيما في حي درعا البلد الذي يعد من أهم معاقل المعارضة السورية للنظام في محافظة درعا.

وأماط "تجمع أحرار حوران" أمس، تفاصيل جديدة عن عملية اغتيال القادة ومرافقين اثنين كانا برفقتهم. وأفاد التجمع بأن "عملية الاغتيال، حصلت مساء الأربعاء، على الأوتوستراد الدولي دمشق - درعا قرب مفرق قرية تبنة الواقعة شمال درعا والقريبة من مدينة الصنمين، وذلك أثناء عودة المغدورين من العاصمة دمشق". وأوضح أن الكراد ورفاقه قصدوا دمشق لمطالبة النظام بـ"الإفراج عن المعتقلين وتسليم جثامين شهداء معركة تحرير الكتيبة المهجورة لأهلهم، التي حدثت في العام 2016"، مشيراً إلى أن مركبة مغلقة من نوع "فان" بيضاء اللون "طاردت سيارة الكراد ومن برفقته، وحاولت إيقافهم، لكن حصلت مقاومة من قبل المغدورين، قبل أن تنحرف بهم السيارة عن الطريق، مع وصول مركبة فان أخرى سوداء اللون بداخلها مجموعة مسلحين، قاموا بإطلاق النار على القادة بالأسلحة الرشاشة حتى أجهزوا عليهم ومن ثم أحرقوهم مع السيارة". وقتل مع الكراد، الذي كان يشغل منصب قائد فوج الهندسة والصواريخ في "جيش الجنوب" الذي كان يتبع للمعارضة، قياديان سابقان اثنان في فصائل المعارضة، كانا أعضاء في اللجنة المركزية لمحافظة بعد التسوية مع النظام، إضافة إلى مقتل شخصين كانا برفقة القادة الثلاثة.

واتهم "تجمع أحرار حوران" جهاز الأمن العسكري، الذي يعد من أشرس أجهزة النظام الأمنية، بالوقوف وراء عملية الاغتيال، مشيراً إلى أن رئيس هذا الجهاز في درعا، العميد لؤي العلي، "على دراية بخروج القادة من درعا وعودتهم إليها، إضافة إلى كون المنطقة التي حدثت فيها العملية لم يسبق أن سيطرت عليها فصائل معارضة، وتنتشر فيها وبقربها حواجز ومقار لنظام الأسد والمليشيات الإيرانية"، وفق التجمع.

من جهته، أكد المتحدث باسم التجمع، أبو محمود الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك أدلة قطعية على أن لؤي العلي وراء عملية الاغتيال"، مشيراً إلى أن الكراد اجتمع في دمشق يوم الأربعاء الماضي، مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية كفاح ملحم، وطالب بإقالة العلي من منصبه. وأضاف الحوراني، أن "العلي أعد كميناً للكراد في طريق عودته واغتاله مع رفاقه". وبيّن أن الكراد قصد دمشق لمناقشة ملفات عدة مع النظام، منها ملف المعتقلين والمنشقين عن جيش النظام، إضافة إلى المطالبة بإعادة جثث 40 مقاتلا من "الجيش الحر"، قُتلوا في كمين شرق بلدة أبطع عام 2019. وتوقع الحوراني أن تتجه الأوضاع في درعا إلى التصعيد، مرجحاً رداً عسكرياً مباشراً من قبل فصائل درعا على اغتيال الكراد ورفاقه، ومعرباً عن اعتقاده بأن القادة السابقين في فصائل المعارضة السورية كلّهم أهداف بالنسبة للنظام.

وهذه من المرات النادرة التي خرج فيها الكراد من معقله (حي درعا البلد) لأنه "كان يدرك أن أجهزة النظام كانت تترصده لاستهدافه"، وفق مصادر محلية، أشارت إلى أن النظام استدرج الكراد بحجة التفاوض حول المعتقلين كي يغتاله. وعلى الرغم من اضطرار الكراد إلى إجراء تسوية مع النظام تحت رعاية روسية منتصف العام 2018، إلا أنه ظلّ على موقفه الرافض لأي مهادنة، خصوصاً مع الجانب الإيراني الذي يبدو من أكبر المستفيدين من عملية اغتيال الكراد، صاحب العبارة الشهيرة "تسقط موسكو قبل أن تسقط درعا". وكان الكراد من أشد المنتقدين أيضاً للجانب الروسي الذي تخلى عن مسؤولياته تجاه اتفاقات التسوية التي رعاها، والتي أرادها النظام مدخلاً للفتك بمعارضيه، لا سيما الذين تولوا مهام قيادية في المعارضة بشقيّها العسكري والسياسي.

وتوقع العميد إبراهيم الجباوي، وهو قيادي سابق في فصائل المعارضة السورية في جنوب سورية، أن تتجه درعا "إلى المجهول في ظلّ الفوضى التي ينتجها النظام والمليشيات الإيرانية المساندة له". وفي حديث مع "العربي الجديد"، أشار الجباوي إلى أن "من المفترض أن تكون هناك ردود فعل رادعة من قبل الفصائل في درعا على اغتيال أدهم الكراد ورفاقه"، مستدركاً بالقول: "أعتقد أن الضامن الروسي قد لا يسمح بذلك، بحجة الحفاظ على الاستقرار المفقود أصلاً". وتابع: "شعبياً وثورياً، لا يمكن أن يذهب الحادث بلا ثأر من قوات النظام وأجهزته الأمنية، ولكن باعتقادي سيكون عملاً فردياً، لأن النظام سيعتبر أي تحرك جماعي ذريعة لشن حملة واسعة النطاق بمساندة من المليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني، في ظل تساهل الضامن الروسي معهما، وغياب قوة رادعة من جانب موسكو لمنع أي عمل من هذا النوع".

سيعتبر النظام أي تحرك جماعي ضده ذريعة لشن حملة واسعة بمساندة المليشيات الإيرانية وحزب الله

ومع اغتيال الكراد، يبرز في درعا بشكل أكبر اسم القيادي السابق في فصائل المعارضة أحمد العودة، الذي يقود الآن "اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس" الذي تشرف عليه روسيا، إذ يُنظر إلى العودة المتمركز في ريف درعا الشرقي على أنه "رجل روسيا" في جنوب سورية. وكان العودة قد دخل أخيراً في صراع مع مليشيات محلية في محافظة السويداء المجاورة ذات الغالبية الدرزية من السكان، ما دفع قوات النظام للانتشار على الحدود الإدارية بين المحافظتين، في خطوة ربما تعد تمهيداً لتحرك باتجاه ريف درعا الشرقي، الخارج عن سيطرة النظام على الرغم من اتفاقات التسوية.

وجاءت عملية اغتيال الكراد ورفاقه كجزء من مرحلة طويلة من الاغتيالات بدأت أواخر عام 2018، إذ اضطرت فصائل المعارضة إلى إبرام اتفاقات "تسوية" مع الجانب الروسي، أنهت سنوات من القتال مع قوات النظام في جنوب سورية، ودفعت معارضي الاتفاقات من عسكريين ومدنيين إلى الشمال السوري. لكن الجنوب السوري لم يشهد أي استقرار منذ ذلك الحين، وجرت مئات عمليات الاغتيال والاختطاف من قبل جهات عدة في المنطقة. وأحصى مكتب التوثيق في "تجمع أحرار حوران" مقتل 35 شخصاً بينهم طفلان في محافظة درعا، خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي وحده، 33 منهم قتلوا بواسطة إطلاق نار، وواحد نتيجة انفجار مخلفات حربية، وواحد تحت التعذيب في معتقلات النظام. كما وثق المكتب مقتل 11 ضابطا وعنصرا من قوات النظام من قبل مجهولين بحوادث استهداف متفرّقة بالمحافظة. واتهم المكتب النظام والجانب الإيراني بالوقوف وراء عمليات الاغتيال في درعا "والتي تطاول في غالب الأحيان معارضين لنظام الأسد ومشروع التمدد الإيراني في المنطقة"، وفق المكتب.