اعتقال صحافي مصري يجدّد تباينات المخابرات والأمن الوطني

اعتقال صحافي مصري يجدّد تباينات المخابرات والأمن الوطني

16 فبراير 2022
كان الجيش المصري أيضاً بصلب الصراع (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد" عن وقوع أزمة بين المخابرات العامة المصرية، وجهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية ("أمن الدولة" سابقاً)، وصلت إلى حد تعنيف لضباط وقيادات في جهاز الأمن الوطني، ثاني أهم وأكبر جهاز أمني مصري بعد المخابرات العامة، ومنع نشر الأخبار الخاصة به في المواقع والصحف التي تتبع غالبيتها لشركة "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية" المملوكة للمخابرات. 

سبب الخلاف بين الأمن الوطني والمخابرات

وقالت المصادر، إن سبب الأزمة التي وقعت أخيراً، يعود إلى تواصل أحد الصحافيين العاملين في موقع تابع مباشرة للمخابرات العامة، مع إحدى السيّدات، بخصوص إحدى القضايا، من خلال عمله المتمثل في متابعة أخبار "محكمة الأسرة". وكانت السيدة تتردد على محكمة الأسرة حيث كانت تقيم دعوى ضد زوجها السابق، وهناك تعرفت إلى الصحافي الذي لم يكن يعلم أن طليقها كان أحد القيادات الكبرى في جهاز الأمن الوطني، بحسب المصادر. 

تحاول قيادات الأمن الوطني دائماً الخروج على سلطة ضباط الجيش والمخابرات العامة، والمتمثلة في اللواء عباس كامل

وتابعت المصادر، أنه عند علم القيادي الكبير السابق بالتواصل بين زوجته السابقة والصحافي، استخدم علاقاته القوية داخل الجهاز، في القبض على الصحافي، وإخفائه في أحد مقار الجهاز لأيام عدة، قبل أن يبدأ رئيس تحرير الموقع في السؤال عنه في وزارة الداخلية، التي نفت من جهتها القبض على الصحافي. 

وقالت المصادر إنه عندما فشل مسؤول الموقع، الذي كان يغطي في السابق أخبار النيابات ووزارة الداخلية، في كشف مصير زميله بالموقع، لجأ إلى ضابط في المخابرات، يتمتع بسلطات واسعة، وطلب منه المساعدة في معرفة ماذا حدث للصحافي. 

من جهته، أجرى الضابط، بحسب المصادر، اتصالاً بجهاز الأمن الوطني، ليسألهم عن الصحافي، وتلقى رداً مؤكداً بأنه "ليس موجوداً لديهم، ولم يلقوا القبض عليه من الأساس" ونصحوه بالسؤال عنه في قسم شرطة العمرانية بالجيزة. وقام المسؤول بالفعل، بالاتصال بالقسم، وأكدوا له أنهم لا يعلمون شيئاً عن مصير الصحافي، وأنهم لم يلقوا القبض عليه. 

وقالت المصادر، إنه بعد فشل مسؤول الموقع، بمساعدة الضابط، في معرفة مصير الصحافي، قرّرا اللجوء إلى مسؤول أعلى في المخابرات العامة، والذي قام بدوره بالاتصال بجهاز الأمن الوطني مرة أخرى. وهنا كانت بداية الأزمة، حيث أكد "الأمن الوطني" أن الصحافي "ليس موجوداً لديه". 

ولكن بعد ذلك، علم المسؤول الأعلى في المخابرات، من خلال أحد ضباط جهاز الأمن الوطني، أن الصحافي محتجز لدى الجهاز، وهو ما أغضبه بشدة، فاتصل برئيس الجهاز (اللواء عادل جعفر) وأمره بأن يفرج عن الصحافي المعتقل فوراً، وهو ما حدث بالفعل بعد الاتصال مباشرة، بحسب رواية المصادر.

من جهتها، أكدت مصادر صحافية متعددة من داخل مؤسسات تابعة لـ"المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية"، التابعة للمخابرات العامة، أن أوامر صدرت لرؤساء تحرير الصحف والمواقع بمنع نشر أخبار جهاز الأمن الوطني، التي كانت تنشر سابقاً دون تدخل بمجرد وصولها إلى المواقع. 

وأشارت المصادر إلى أن آخر تلك الأخبار التي تمّ منعها من النشر، والتي تخصّ جهاز الأمن الوطني، كان خبراً يقول إن "الأجهزة الأمنية، تؤكد أن جميع الفيديوهات التي تم تداولها عبر صفحات العناصر الإخوانية الإرهابية الهاربة خارج البلاد، والتي تحوي بعض العبارات الجنائية، مفبركة".

ويزعم الخبر أن "ذلك يأتي في إطار سعي جماعة الإخوان الإرهابية للتقرب من العناصر الجنائية القائمة على أعمال البلطجة في محاولة يائسة لنشر الأكاذيب، بعدما لفظها الشعب المصري". 

أزمة ليست الأولى بين الجهازين

المصادر الخاصة أكدت أن هذه الأزمة ليست الأولى بين الجهازين الأقوى في مصر، حيث إنه أحياناً كثيرة تتصاعد الخلافات بين الفريق الذي يضم المخابرات العامة والقوات المسلحة من جهة، والفريق الآخر الذي يضم جهاز الأمن الوطني ووزارة الداخلية من جهة أخرى.

يذكر أن "الأمن الوطني" ظلّ لعقود طويلة إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، صاحب النفوذ الأوسع داخل البلاد، حتى أنه وصل إلى حدّ التجسس على وزير الدفاع السابق المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة.

وتقع الخلافات بين الطرفين على الرغم من أن الفريق الأول بسط نفوذه على الثاني منذ سنوات، وتحديداً عندما قيل إن المخابرات الحربية، ساعدت على إسقاط جهاز أمن الدولة في عام 2011، حيث وقعت سلسلة من الهجمات شنّها متظاهرون في محافظات مصر في يوم واحد، هو 5 مارس/ آذار 2011، ضد مباني مباحث أمن الدولة التابعة لوزارة الداخلية، وعلى رأسها المقر الرئيسي في منطقة مدينة نصر.

حينها، اقتحم نحو 2500 شخص مبنى أمن الدولة، واستولوا على "بعض الوثائق الرسمية" تحت أعين القوات المسلحة، والتي سيطرت بدورها على الجزء الأهم والأخطر من تلك الملفات، التي تمّ استخدامها فيما بعد لإخضاع وزارة الداخلية وضباطها. 

وأضافت المصادر أنه "على الرغم من نجاح خطة بسط نفوذ المخابرات الحربية، كأحد الأجهزة في الجيش، على جهاز وزارة الداخلية وجناحه الأخطر، الأمن الوطني، إلا أن قيادات الأمن الوطني لم تتخلص من عقدة سيطرة الجيش عليهم، ولذلك فإنهم يحاولون دائماً الخروج على سلطة ضباط الجيش والمخابرات العامة، والمتمثلة في اللواء عباس كامل". 

ولفتت المصادر إلى أنه "كانت هناك محطات خلاف سابقة أيضاً، كان أحدثها أزمة المخرج المصري خالد يوسف. وعاقب جهاز الأمن الوطني، يوسف، بنشر فيديوهات جنسية له على مواقع التواصل الاجتماعي، تمّ على أساسها القبض على فنانتين ظهرتا معه في الفيديوهات، وتم تقديم بلاغ ضده". ودفع ذلك يوسف إلى الهرب خارج البلاد إلى باريس، على الرغم من أنه كان في ذلك الوقت نائباً في البرلمان.

وأوضحت المصادر أن "الأمن الوطني استغل معارضة خالد يوسف للتعديلات الدستورية التي سمحت للسيسي بإطالة مدة بقائه في الحكم، لمعاقبته على تحوله من متعاون مع جهاز الأمن الوطني إلى متعاون مخلص لجهاز المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل". 

توسع نفوذ جهاز الأمن الوطني داخل نظام السيسي، والذي اكتسبه الجهاز بعيد تظاهرات سبتمبر 2019

وأضافت المصادر أن "أزمة الصحافي الأخيرة، وعلى الرغم من أنها تبدو كسبب ظاهري للخصومة ما بين الأمن الوطني من جهة، والمخابرات العامة من جهة أخرى، إلا أن الخصومة لها جذور أعمق من ذلك".

وقائع من خصومة متجذرة

ومن بين أسباب الخصومة المتجذرة، على سبيل المثال، توسع نفوذ جهاز الأمن الوطني أخيراً داخل نظام الرئيس السيسي. وهو النفوذ الذي اكتسبه الجهاز بعيد تظاهرات سبتمبر/ أيلول 2019، التي اندلعت بعد فيديوهات المقاول والممثل محمد علي.

وكان علي، الذي يقيم في إسبانيا، قد نشر مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، قال فيها إنه كان يعمل في صناعة البناء لمدة 15 عاماً بموجب عقود مع الجيش المصري، وإنه قام بموجب ذلك ببناء خمس فيلات لأصدقاء السيسي وقصر للرئيس المصري.

واتهم المقاول، الرئيس المصري، بإهدار الأموال العامة و"رفع مستوى الفساد المنخفض إلى مستوى جديد"، والتي تعاملت معها وزارة الداخلية بطريقة مبتكرة، رفعت أسهم وزير الداخلية اللواء محمود توفيق، لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي، على حساب جهاز المخابرات العامة.

وجاء ذلك خصوصاً مع انتشار الحديث حول تورط قيادات بالجيش والمخابرات العامة في محاولة إسقاط نظام السيسي، مستغلة فيديوهات محمد علي والتظاهرات الواسعة التي اندلعت في 20 سبتمبر 2019 في عددٍ من المدن المصرية، وعلى رأسها القاهرة والإسكندرية، ودمياط للمُطالبة بعزل السيسي وإسقاطِ النظام.

وشهدت الاحتجاجات مشاركة المئات من عموم الشعب المصري، بينما تحدثت تقارير أخرى عن الآلاف، حيثُ رددوا هتافات من قبيل "الشعب يريد إسقاط النظام" وأخرى تدعو المواطنين إلى عدم الخوف من النظام والمُطالبة برحيله. 

وأشارت المصادر إلى أنه بعد تلك التظاهرات، اضطر السيسي إلى اتخاذ بعض الإجراءات، منها "الإيحاء بأنه قرّر تنحية بعض ضباط المخابرات العامة، وعلى رأسهم نجله محمود السيسي وزميله العقيد أحمد شعبان، لفترة من الزمن عاد بعدها الرجلان إلى مواقعهما داخل النظام بعد استتباب الأمر لصالح السيسي.

وجاء ذلك عقب مفاوضات مع الغاضبين داخل القوات المسلحة والمخابرات العامة من رجال الفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، والذي تمّ اتهامه وحبسه بعد إعلان ترشحه للرئاسة منافساً للسيسي، والفريق أحمد شفيق الذي كان متهماً على ذمّة قضايا أخرى.

وأكدت المصادر أن تلك الأزمة التي وقعت داخل الجيش، وساهم في حلّها من خلال التفاوض بين الأطراف المختلفة، المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق، ساهمت بشكل أو بآخر في توسيع نفوذ وزارة الداخلية، وخصوصاً جهاز الأمن الوطني، وهو ما أثار حفيظة ظلّ السيسي، اللواء عباس كامل.