استمع إلى الملخص
- أكدت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أن الاعتقالات تهدف لإسكات الأصوات الداعية للوحدة الوطنية، مشددةً على حق الشعب في التعبير الحر، وتعهدت بمواصلة جهودها للحفاظ على السلم الأهلي.
- تزامنت الاعتقالات مع حوادث إطلاق نار على ممتلكات معارضين، مما أثار مخاوف من تأثيرها السلبي على السلم الأهلي، وسط دعوات لوقف التصعيد والبحث عن حلول سلمية.
شنّت الأجهزة الأمنية الفلسطينية خلال الـ24 ساعة الماضية، حملة اعتقالات واستدعاءات واسعة في الضفة الغربية طاولت المئات، وذلك على خلفية معارضتهم ورفضهم العملية الأمنية التي تقوم بها السلطة في مخيم جنين. وعلم "العربي الجديد" أن الاستدعاءات طاولت كذلك عدداً من قيادات وكوادر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، على خلفية تنظيم الجبهة مسيرة تدعو لإنهاء الأحداث المؤسفة في جنين، ومن أبرز من جرى استدعاؤهم ممثل الجبهة في لجنة التنسيق الفصائلي في محافظة نابلس، محمد دويكات، وآخرون.
وتواصل "العربي الجديد" مع نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ماجدة المصري، للتعليق حول اعتقال الأجهزة الأمنية عدداً من نشطاء وكوادر الجبهة، حيث ردّت قائلة: "لا نريد التعليق على هذا الأمر، ونبحث كيفية معالجته داخلياً".
ولاحقاً، أكّدت الجبهة، في بيان صحافي، أنه جرى الاعتداء على نصر الملّح، عضو اللجنة المركزية للجبهة، واعتقاله من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية على خلفية مشاركته في الوقفة والمسيرة التي نظمتها الجبهة مساء أمس في مدينة رام الله، تحت عنوان "نداء الوحدة الوطنية"، وذلك من أجل الضغط لوقف حالة الاحتقان والاقتتال الداخلي في جنين ومخيمها، والاستجابة للمبادرات الهادفة إلى الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية، سواء من القوى أو المؤسسات أو الشخصيات الوطنية ولتغليب المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني على أية اعتبارات أخرى.
واعتبرت الجبهة "هذا الاعتقال محاولة لإسكات الأصوات الحريصة على وحدة الشعب الفلسطيني وقواه"، مؤكدة "حق الشعب الفلسطبني بقطاعاته وقواه ورموزه الوطنية بالتعبير الحر عن آرائهم، وحق الجميع بالتظاهر والتجمع السلمي، خاصة في هذه الظروف التي تشهد فيها العديد من المحافظات حالة من الاحتقان على ضوء التداعيات التي خلقها الاقتتال الداخلي في جنين ومخيمها". وشددت الجبهة على أن "الاعتقالات وتهديد العشرات من عناصرها بالاعتقال، في حال مشاركتهم بالمسيرات التي تنظمها للضغط باتجاه وقف الاقتتال الداخلي في صفوف الشعب والحفاظ على نسيج المجتمع الفلسطيني وتلاحمه، لن تؤثر على استمرار الجبهة في الاضطلاع بهذا الدور المبادر الذي لعبته تاريخياً من موقع مسؤوليتها الوطنية في الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الداخلية".
وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن الحملة طاولت المئات من الأسرى المحررين والناشطين والصحافيين في الضفة الغربية، من بينهم المصور الصحافي وهاج بني مفلح، والمختص في الشؤون الإسرائيلية والأسير المحرر عزام أبو العدس من نابلس. وقالت أميمة صوالحة، زوجة أبو العدس، لـ"العربي الجديد"، إن جهاز الأمن الوقائي اعتقل زوجها بعد استدعائه للتحقيق أمس. وظهر أبو العدس في مقطع مصور قبل اعتقاله، قال فيه إن "إصرار السلطة على نهجها في تعقب وملاحقة كل من ينتقدها لن يجلب لها الأمن، ولن تعزز من السلم الأهلي، بل سيكون لها تبعات خطيرة على التماسك المجتمعي".
كما طاولت الاستدعاءات عشرات النسوة اللواتي علّقن على منشورات تتعلق بالحملة على جنين، معربات عن رفضهن لسلوك السلطة. وأكد أحد الذين جرى استدعاؤهم وفضل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه شاهد في غرفة الانتظار لدى جهاز الأمن الوقائي في نابلس ما لا يقل عن عشر سيدات، وعلم من إحداهن التي حادثها بعد مغادرتها المقر أن سبب حضورها هو وضعها "لايك" على منشور يرفض عملية السلطة في جنين، وأن صديقة لها جرى تهديدها إن لم تحذف منشوراً وضعته على صفحتها يدعم موقف كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
من جهته، أكد رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة الغربية، خليل عساف، أن سياسة السلطة لن تحقق لها الأمن ولا الاستقرار، وأن الاعتقالات والاستدعاءات للمعارضين لنهجها غير قانونية وتمس حرية الرأي والتعبير. وقال عساف لـ"العربي الجديد" إن هذا السلوك سيكون له نتائج كارثية تهدد النسيج المُجتمعي الفلسطيني. وتابع: "يجب التوقف عن إثارة النعرات والخواطر، والتوقف عن اتهام المقاومين بكرامتهم الوطنية، لأن المساس بالكرامة الوطنية لأي مواطن فلسطيني مسألة حساسة ومقدسة ولا يجب المساسُ بها"، مؤكداً أن "استمرار التصعيد مقابل التصعيد والرصاص الفلسطيني مقابل الرصاص الفلسطيني لا يصبُ إلّا بمصلحة الاحتلال الإسرائيلي". لكن عساف أكد أيضاً "ضرورة محاسبة المخالفين وفقاً لنصوص القانون، مع احترام كرامة المُعتقلين، وليس من خلال الحملات الأمنية".
وترافقت الاعتقالات والاستدعاءات مع تعرض ممتلكات ومنشآت لإطلاق النار من جهات "مجهولة"، بعد أن أبدى أصحابها معارضتهم لما يجري في جنين، دون أن تبدي الجهات الرسمية الفلسطينية أي ردة فعل تجاه تلك الأفعال أو الإعلان عن ملاحقة الفاعلين. وقد نشر الأسير المحرر محسن أبو إسلام، على حسابه في موقع فيسبوك، أن المسمكة التي يملكها في قلقيلية تعرضت لإطلاق نار من مجهولين وصلوا إلى الموقع بسيارة لا تحمل لوحة تسجيل وأطلقوا النار عليها منتصف الليلة ما قبل الماضية. وأضاف أبو إسلام أنه بعدما شارك المنشور على "فيسبوك"، اتصل به جهاز الاستخبارات العسكرية وطلب منه الحضور للمقابلة وظل محتجزاً حتى ساعات المساء، بحجة أن المنشور فيه تهديد، وأنه يعرف من أطلق النار عليه، مؤكداً أنه بعد الخروج من مقر الاستخبارات توجه للشرطة وقدم شكوى.
وقبل ذلك بيوم، أطلق مسلحون النار نحو منزل ومحل تجاري ومخبز في مدينة قلقيلية، دون أن يبلغ عن وقوع إصابات أو أضرار مادية، فيما بدا أنه رسالة من مطلقي النار لأصحاب تلك الممتلكات، على خلفية انتقادهم عملية أجهزة السلطة المستمرة ضد المقاومة في مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية. كما استهدف مسلحون مركبة طبيب الأسنان سعيد حبش في مدينة نابلس، وانتشرت صور تظهر حجم الأضرار التي أصابتها. وجاء هذا بعد ساعات من نشر حبش منشورات تدعو السلطة إلى "تحكيم العقل والنزول عن الشجرة في ما يخص هجمتها على جنين ووقف الاعتقالات السياسية، خاصة ضد طلبة جامعة النجاح".
ومنذ واحد وعشرين يوماً تواصل الأجهزة الأمنية حصار مداخل مخيم جنين مع إغلاقها بالسواتر الترابية، بينما قتل خمسة من أهالي المخيم، إضافة إلى مقتل ثلاثة من ضباط الأجهزة الأمنية الفلسطينية. ويشهد مخيم جنين منذ ذلك الحين اشتباكات متكررة بين مقاومين فلسطينيين والأجهزة الأمنية الفلسطينية، بالتوازي مع السيطرة على منازل في مناطق مختلفة من المخيم وتحويلها لثكنات عسكرية وطرد سكانها منها، ونشر قناصة عليها.
وتصاعدت الأمور بعدما أعلنت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الرابع عشر من الشهر الجاري، عن تنفيذ المرحلة ما قبل الأخيرة من العملية الأمنية "حماية وطن"، بهدف استعادة السيطرة الأمنية في المنطقة. وشهدت مدينة جنين ومخيمها مسيرات مبايعة للمقاومة ورافضة لسياسات الأمن الفلسطيني، ومن أجل حقن دماء الفلسطينيين، كما شهدت المدينة إضرابات تجارية على عدة أيام لإنهاء الأزمة وخشية من الأوضاع الميدانية، في ظل تواصل الاشتباكات، فيما قدمت العديد من المبادرات على مستوى الضفة الغربية لإنهاء الأزمة، لكنها لم تنجح حتى الآن.
وكانت فصائل فلسطينية قد حذرت من احتمال انتقال الأحداث المتوترة التي يشهدها مخيم جنين إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية، داعية إلى إنهاء الحملة الأمنية على مخيم جنين، فيما أعربت منظمات أهلية فلسطينية عن مخاوفها من تأثير هذه الأحداث على السلم الأهلي داخل المجتمع الفلسطيني. وتأتي الأحداث على خلفية اعتقالات نفّذتها الأجهزة الأمنية بحقّ نشطاء من المخيم ينتمون لحركة الجهاد الإسلامي، تبعها استيلاء أفراد الكتيبة في الخامس من الشهر الجاري على مركبتين إحداهما تعود للارتباط العسكري الفلسطيني والأخرى لوزارة الزراعة، أعقبها عودة اعتقال نشطاء وذوي شهداء من المخيم، ثمّ حصاره وإغلاق مداخله.