اضطرابات وانقسامات في السويداء بانتظار حسم شكل العلاقة مع دمشق

12 فبراير 2025
مجموعة من عشائرالسويداء، منطقة عسكرية وسط المحافظة، 25 يناير 2025 (عمر ألفين/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد السويداء اضطرابات أمنية بسبب التوترات بين الفصائل المحلية ودمشق، مما يهدد السلم الأهلي ويمتد تأثيره إلى ريف دمشق الجنوبي، في ظل غياب الدولة وانتشار السلاح العشوائي.

- تسعى الفصائل المحلية لضبط الأمن وحماية المؤسسات، مع محاولات للاندماج مع الجيش الوطني، بينما توجد تجاذبات مع القيادة العامة في دمشق حول كيفية تحقيق هذا الاندماج.

- تتمتع السويداء بخصوصية في التعاطي السوري، حيث شهدت مواقف متباينة تجاه النظام والمعارضة، وبرزت حركة "رجال الكرامة" كقوة معارضة، مما أدى إلى استمرار الحراك حتى سقوط النظام.

تشهد محافظة السويداء جنوبي سورية، اضطرابات أمنية وانقسامات محلية، في ظل البحث عن مخرج للعلاقة مع دمشق، خصوصاً في ما يتعلق بالتحاق الفصائل المحلية بوزارة الدفاع، وملء الفراغات في المؤسسات، ومحاولة المجتمع المدني صد الهجمات الانفصالية. ولمرتين خلال الأيام الماضية، حصلت اضطرابات وسط تحشيد مسلح وانقسامات عشائرية، ما اعتبر تهديداً للسلم الأهلي بين مكونات المجتمع المحلي، فيما امتدت إلى ريف دمشق الجنوبي في البلدات والمناطق المحيطة بالطريق الواصل من السويداء إلى دمشق.

أتت هذه التطورات على خلفية مقتل الشاب رعد الحمود، الأحد الماضي، وإصابة زميله وائل العبدالله من أبناء بلدة الثعلة، الواقعة إلى الغرب من مدينة السويداء، بعدة طلقات نارية من قبل ثلاثة مسلحين في عملية سطو على أسلحة صيد كانت بحوزتهما ودراجة نارية. ادعى أقارب المصاب أن مرتكبي الجريمة من أبناء بلدة الدارة المجاورة التي تقطنها عشائر البدو، ما دفع إلى المطالبة بتسليم الجناة وتهديدات متبادلة، بين أبناء بلدة الثعلة ومن معها من فصائل مسلحة، وأبناء عشائر البدو من الطرف الآخر. كان قد سبق ذلك توتر واقتتال مسلح بين مكوني المجتمع في السويداء، الدرزي والبدوي، يوم 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، إثر إصابة أحد الشبان من آل حمزة، في بلدة رساس جنوبي السويداء. ونتج من الاقتتال سقوط عدد من الضحايا والجرحى، كان معظمهم من المدنيين وطلاب الجامعات العابرين بحافلات النقل العامة على طريق دمشق – السويداء، وكذلك في بلدة المطلة التي يقطنها بعض عشائر البدو، والواقعة على الطريق من جهة ريف دمشق الجنوبي.

خلق فتنة

وقال الناشط عمر الصبرا، وهو من أبناء عشائر البدو، إن "هناك سعياً حثيثاً من جهات داخل المحافظة وخارجها لخلق فتنة بين المكونين الرئيسيين فيها، تهدف إلى زعزعة السلم الأهلي وخلق النزاعات الدموية والانقسام". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الجهات "من صناعة النظام البائد، غذاها زمن الثورة كي يستطيع أن يحافظ على وجوده وسيطرته"، فيما "استمرت بتغذية الفتنة وافتعال النزاعات، في ظل غياب الدولة والانتشار العشوائي للسلاح". وبحسب الصبرا "بات لدى غالبية الناس من المكونين الدرزي والبدوي قناعة بأن هذا الفلتان الأمني لن تجني منه المحافظة سوى القلق والخوف الدائم"، موضحاً أنه "قد تخرج النزعات الفردية عن السيطرة، وتصل إلى نتائج كارثية إذا لم تتدخل السلطة وتضبط السلاح العشوائي وحركة الفصائل المحلية من الطرفين".

ضياء الخطيب: السويداء تعيش وسط إرث من مخالفات النظام السابق من خلال الانتشار العشوائي للسلاح

أما الناشط الإعلامي، ضياء الخطيب، فأشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن السويداء "تعيش وسط إرث من مخالفات النظام السابق، من خلال الانتشار العشوائي للسلاح، بأيدي جميع المكونات"، والموزع بين "فصائل مقاتلة تحمل أجندات داخلية وخارجية، وعصابات تابعة للنظام السابق استباحت البلد بالعنف والجريمة والاتجار بحياة الناس والممنوعات والمهربات"، و"حراك شعبي يسعى جاهداً لوأد الفتنة وتغليب لغة العقل والحوار وإرساء دعائم تثبيت الدولة والنهوض بمؤسساتها". وما بين هذين الاتجاهين، بحسب الخطيب، تظهر "نزعات الجنوح لبسط السيطرة وشكل التمثيل أو الحكم المحلي في المحافظة، في ظل تغذية دائمة لهذه النزعات". وأشار إلى أنه "ليس غريباً أن تدخل القرارات الحكومية غير المدروسة أحياناً في ميزان القوى المحلية لصالح أحد الاتجاهات، في الوقت الذي يسعى فيه الحراك المحلي جاهداً لتثبيت دعائم الحكومة في المحافظة، ودعم تمكين المؤسسات الحكومية، وفي مقدمتها القضاء والضابطة العدلية".

من جهته، ذكر أحد قادة الفصائل، طالباً عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن (فصيله) كان له "دور محوري ومهم حتى الآن في تحرير المحافظة وحماية أهم المؤسسات الخدمية والمصارف والبنوك، وحتى الأهالي، ولا نرفض الانضمام إلى جيش وطني". وأضاف أن "القيادة (دمشق) وجدت أننا نحمل عنها جزءاً كبيراً من عبء ضبط الأمن وسير عمل المؤسسات في السويداء، وهو ما أشاد به العديد من الوزراء والموفدين إلى المحافظة". أما عن رؤية فصيله، فشدّد على أنه "فصيل مسلح تتلخص رؤيته في الانضمام إلى جيش وطني ضمن حدود المحافظة، وبما يملك من سلاح ومعدات"، معتبراً أن ذلك "لا يأتي بتسوية، لأننا لم نكن يوماً إلى جانب النظام البائد، ولم نحمل السلاح في وجه أخوتنا السوريين". وأكد أنه "بالتالي نحن نركز أولاً على وطنية الجيش، أي تنوعه وحياده عن حكم الشخص والعائلة، وهذا لم نره حتى الآن في قيادات الجيش أو عناصره الملثمين، فما زلنا نرى فيه محاولة انتقال من الشكل المليشيوي كما كان، إلى الجيش المنظم".

اضطرابات وانقسامات في السويداء

عقب سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، برزت اضطرابات وانقسامات في السويداء، ومشاكل معقدة تجلت في انتشار السلاح وسرقة مستودعات الجيش، وغياب مظاهر الدولة الجديدة، وسط محاولات لضبط إيقاع الشارع المنقسم، بين مؤيد ومعارض لها. وانقسمت الآراء بين من يطالب بعلاقة واضحة لا لبس فيها مع دمشق والحكومة الجديدة، ومن يدعو إلى الانفصال أو اللامركزية. كذلك شهدت المحافظة اجتماعات متتالية مع المرجعيات الدينية والاجتماعية لترتيب الوضع العام، خصوصاً المتعلق بالأمن العام والجيش. وفي موازاة ذلك، كانت لقاءات في دارة الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للموحدين الدروز في السويداء، مع ممثلين عن الحكومة الانتقالية، تسير بشكل حثيث. وصدر تصريح حول وجود تسوية منتظرة للعسكريين والضباط لحل قضيتهم والتحاقهم بوزارة الدفاع، وجرت تسوية عناصر وضباط الشرطة الذين بدأوا بالفعل عملهم على الأرض.

واتفقت بعض الفصائل الكبرى على تشكيل غرفة عمليات مشتركة بالتنسيق مع غرفة عمليات الجنوب في محافظة درعا المجاورة (غرفة عمليات الجنوب تأسست في 6 ديسمبر الماضي، في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء). وبدأ ممثلون عن هذه الفصائل بالتنسيق مع وزارة الدفاع ووزارة الداخلية من أجل ضبط إيقاع العمل في السويداء، تحت إشراف موفد الإدارة الجديدة إلى السويداء، الدكتور مصطفى البكور، في مقدمة لدمج الفصائل المحلية بالجيش الوطني وقوى الأمن المستحدثة. برز في هذا المجال توجه الفصيلين الأكثر عدداً وتسلحاً، وهما "حركة رجال الكرامة" وفصيل "لواء الجبل" ليتصدرا محاولات ضبط الأمن داخل المدن وحماية المؤسسات العامة، من بينها مقارّ مجلس المحافظة وقيادة الشرطة والأمن الجنائي والهجرة والجوازات. لكن شكل الاندماج مع الجيش والقوى الأمنية بقي رهن تجاذبات الرؤى بين الفصائل المحلية من جهة، والمجتمع المحلي والقيادة العامة بدمشق من جهة أخرى. وما زالت الفصائل ترى هذا الأمر من منظور الانضواء تحت قيادة الجيش كتلةً مسلحة، فيما ترى القيادة أن حل الفصائل وتسليم السلاح هو المقدمة اللازمة لتكوين الجيش الوطني، وبناءً عليه تؤخر عمليات التسوية العسكرية في المحافظة.

تحدث سليمان عبد الباقي أخيراً عن عملية دمج مرتقبة لفصائل السويداء في وزارة الدفاع

وفي ظل ما جرى أخيراً، اتجهت بعض الفصائل، وفي مقدمها "تجمع أحرار الجبل" الذي يقوده سليمان عبد الباقي، إلى خطوة أكثر تقرباً من القيادة في دمشق، بإعلان "عملية دمج مرتقبة للفصائل في وزارة الدفاع". وأكد عبد الباقي في تصريحات لـ"تلفزيون سوريا"، أول من أمس الاثنين، أن"الاجتماعات بين ممثلي فصائل السويداء ووزارة الدفاع السورية مستمرة، بهدف التوصل إلى صيغة تنظيمية جديدة تضمن دمج الفصائل المسلحة ضمن جيش موحد". وأضاف أن "الضباط المنشقين عن الجيش السوري سيُعادون إلى الخدمة في التشكيل العسكري الجديد"، مشيراً إلى أن العلاقة مع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قديمة، وأن التنسيق "كان قائماً قبل بدء معركة التحرير". وفي اتصال مع "العربي الجديد"، شدّد عبد الباقي على رؤيته لاندماج الفصائل المحلية بوزارة الدفاع، وضبط السلاح بما لا يتعارض مع المخاوف الداخلية.

خصوصية السويداء

طوال عمر الثورة، كان للسويداء خصوصية في التعاطي السوري معها، سواء من قبل النظام أو المعارضة. ورغم أن المحافظة كان لها حضور في الأيام الأولى للاحتجاجات ضد النظام ربيع عام 2011، بمشاركة محدودة، إلا أن حسابات مذهبية في المحافظة، ذات الغالبية من أبناء طائفة الموحدين الدروز، دفعت إلى اتخاذ خطوات إلى الوراء. ثم اتخذت السويداء قرار النأي بالنفس عن الاقتتال الذي اعتبره رجالات المحافظة ووجوهها سورياً – سورياً، وبدأت منذ عام 2012 حركة استنكاف من شبان المحافظة عن الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيش النظام السابق. حاول هذا النظام التدخل أمنياً لإنهاء العصيان مراراً وتكرراً بملاحقة الشبان وزيادة الوجود الأمني على الحواجز لإيقافهم وجرهم إجبارياً إلى الخدمة.

مقابل ذلك، تطورت حالة السخط تجاه النظام على المستوى الديني والاجتماعي، فتشكلت مجموعات عسكرية محلية لحماية المحافظة، إلى أن قام الشيخ وحيد البلعوس، الذي عرف بـ"شيخ الكرامة" بمحاولة لتوحيد جهود هذه المجموعات بما عرف بـ"حركة رجال الكرامة" عام 2014، والذي دعا إلى عدم سوق الشباب إلى الخدمة، وحماية من يريد النظام سوقهم عنوةً. واعتبر ذلك تحدياً واضحاً من قبل البلعوس للنظام، الذي شكل حالة معارضة داخل السويداء، وساهم حضوره وخطابه بالتفاف شعبي ديني واجتماعي حوله، حتى اغتياله في بداية أيلول/ سبتمبر 2015 خلال تفجيرين داميين هزا السويداء. واتهم النظام بالوقوف وراءهما بهدف اغتيال البلعوس وتصفية حركته سياسياً. وصيف عام 2023 انتفض أبناء المحافظة بمطالب معيشية واجتماعية، تحوّلت إلى مطالب بإسقاط النظام وطرد المليشيات الأجنبية من البلاد، وتطبيق القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري. واستمر الحراك حتى سقوط النظام نهاية العام الماضي.