اشتباكات مسلّحة ليلاً في ريف السويداء تخلّف عشرات القتلى والجرحى

01 مايو 2025   |  آخر تحديث: 22:21 (توقيت القدس)
جوفية حرب أمام مقرّ الهجري في قنوات (عامر السيد علي/العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت السويداء اشتباكات عنيفة بدأت بكمين على طريق دمشق - السويداء، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، وتوسعت المواجهات إلى بلدة الصورة الكبيرة، مع هجمات بالهاون والأسلحة.
- أعلنت مستشفيات السويداء حالة الاستنفار القصوى، وأطلق بنك الدم نداءً عاجلاً، بينما شهدت السويداء احتجاجات وإضراباً عاماً رفضاً للسياسات التهميشية، ودعا الشيخ حكمت الهجري إلى تدخل دولي.
- تباينت ردود الفعل، حيث اعتبر وائل علوان أن بيان الشيخ الهجري لا يمثل موقف السويداء بالكامل، داعياً إلى تعزيز الشراكة مع الحكومة ونزع السلاح لضبط الأمن.

مجموعة من أهالي السويداء تعرضت لكمين مسلح خلال توجهها إلى صحنايا

توسّعت المواجهات ليلاً إلى بلدة الصورة الكبيرة

تجاوز عدد قتلى الاشتباكات الـ40 اضافة إلى 16 مفقوداً

على وقع أصوات قذائف الهاون وسيارات الإسعاف، قضى أهالي محافظة السويداء ليلتهم الماضية، إذ شهدت المحافظة السورية اشتباكات مسلّحة عنيفة، خلّفت عشرات القتلى، والجرحى، والمفقودين. واندلعت الاشتباكات الأولى ظهر يوم أمس الأربعاء، في منطقة براق على طريق دمشق - السويداء، عندما تعرّضت مجموعات من أهالي السويداء كانوا في طريقهم إلى بلدة صحنايا في ريف دمشق، لكمين من جانب فصائل محلية في منطقة اللجاة بمحافظة درعا، ما أدّى إلى مقتل وإصابة عدد كبير منهم، وفق شهود عيان تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فيما انسحب الناجون إلى مدينة السويداء حاملين جرحى وقتلى. كذلك وقعت في المقابل، خسائر بين صفوف القوات المهاجمة. جاء ذلك في وقت استولت فيه المجموعات المهاجمة التي تنتمي إلى عشائر بدوية ومجموعات متشدّدة على جثث بعض الضحايا، وفق مصادر محلية.

ومع حلول المساء، توسّعت المواجهات إلى بلدة الصورة الكبيرة عند المدخل الشمالي للسويداء، حيث شنّت المجموعات المسلّحة هجوماً بدأ بقصف بالهاون، تلاه اقتحام للبلدة واشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة استمرت لساعات، أدت إلى سقوط عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى، بينهم مدنيون، فيما فشلت فرق الإسعاف في الوصول إلى بعض المناطق بسبب استمرار الاشتباكات.  

ولم تتمكّن قوات الأمن العام من الوصول إلى بلدة الصورة الكبيرة إلا عند الساعة الثامنة مساءً، وفق مصدر من القرية لـ"العربي الجديد". استطاعت بعدها فك الاشتباك بين الأهالي المتجهين من قرية حزم والمجموعات المسلّحة، ومنع تقدم الأخيرة نحو قرى مجاورة. لكن الهجمات امتدت إلى ريف السويداء الغربي، حيث تعرّضت بلدتا رساس وكناكر لقصفٍ بالمدفعية الثقيلة من مجموعات مسلّحة انطلقت من قرى درعا المجاورة، فيما استطاع أهالي كناكر وعرى ورساس التصدّي لهجوم المسلحين وإجبارهم على التراجع.

وروى أحد سكان بلدة الصورة الكبيرة لـ"العربي الجديد" تفاصيل الهجوم، قائلاً: "لم نتوقع أن تتحول بلدتنا إلى ساحة حرب، أو أن نكون فريسة لهجوم غادر بالقذائف، اضطررنا إلى إخلاء النساء والأطفال تحت القصف"، مضيفاً: "لقد اشتبكنا مع المعتدين وسقط العديد من شبابنا وشاهدنا بأم العين قبل أن ننسحب إلى أطراف البلدة الإعدامات الميدانية لبعض أبناء البلدة، وكيف مثل المسلّحون بجثث القتلى، كما شاهدنا المركبات الكبيرة تدخل البلدة وتنهب المنازل" على حدّ قوله. 

وأعلنت مستشفيات السويداء العامة والخاصة، أمس، حالة الاستنفار القصوى، واستقبلت عشرات المصابين بإصابات بالغة، بينما أطلق بنك الدم نداءً عاجلاً للمتبرعين. ووفق مصادر طبية، تجاوز عدد القتلى الـ40، اضافة إلى 16 مفقوداً، بعضهم ظهر في مقاطع مصورة بثتها المجموعات المسلّحة.

وفي هذا السياق، قال الدكتور عماد رافع، أحد الأطباء المشاركين في عمليات الإسعاف: "نعيش لحظة تاريخية قاسية. لقد خذلنا شركاء الوطن، وتحولت أحلامنا بالعدالة الانتقالية إلى كابوس". وأضاف الطبيب الذي شارك سابقاً في مبادرات سياسية محلية: "حاولنا بناء دولة القانون، لكن السلطات الجديدة تكرر أخطاء الماضي، وتتعامل مع مفهوم الدولة كمشهد دعائي". ويضيف: "حاولنا جهدنا مشاركة الإدارة الجديدة وترفعّنا عن كل الأخطاء التي ارتكبتها وحتى المجازر التي وقعت بحق إخوتنا في الساحل السوري من أجل بناء وطن على أسس العدالة الانتقالية والتشاركية والقانون والمواطنة، ولكننا صُدمنا بإدارة تحابي التطلعات الإقليمية والدولية على حساب شعبها"، على حدّ تعبيره. 

ووسط تداعيات الهجمات، شهدت السويداء احتجاجات واسعة أعلنت خلالها غرفة التجارة والصناعة عن إضراب عام، تمثل بإغلاق المحال التجارية والورش الحرفية. وقال التاجر محمد نصر لـ"العربي الجديد": "هدفنا إيصال رسالة إلى السلطات وشركائنا التجار: لا استقرار دون عدالة حقيقية". وأضاف أن "الإضراب يهدف إلى تسليط الضوء على سياسات التهميش التي تعاني منها المحافظة". ورفض التاجر أن تُعاقب طائفة كاملة بسبب تسجيل صوتي منسوب إلى أحد أبنائها، ورفض ما لحق هذا من تحريض وتجييش.

الهجري يدعو إلى تدخل دولي

من جانبه، أصدر الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، اليوم الخميس، بياناً شديد اللهجة وصف فيه الهجوم بـ"المجزرة النكراء التي لم يشهد لها البلد ولا الأمة مثيلاً"، معتبراً أن ما حصل جريمة إبادة ممنهجة تهدف إلى القتل والترويع دون مبرر. واعتبر الهجري أن الضحايا "شهداء أبرار دافعوا عن أنفسهم وأرزاقهم"، رافضاً وصفهم بـ"العصابات". وأشار إلى مرور خمسة أشهر على "التحرر من عنف النظام السابق"، دون أن تتمكن الحكومة الجديدة من تقديم نفسها ضامناً لأمن مكونات الشعب السوري، منتقداً عجزها عن صياغة دستور عادل يحقق العدالة الاجتماعية ويكرّس فصل السلطات.

ووجّه الهجري انتقادات لاذعة للسلطة الحالية، واصفاً إياها بـ"الهيئة" لا الحكومة، مبرراً ذلك بالقول: "الحكومة لا تقتل شعبها بواسطة عصابات تكفيرية"، في إشارة إلى اتهامات باستخدام جماعات متطرفة لقمع المدنيين.

وطالب الهجري المجتمع الدولي ومنظماته بإنهاء ما وصفه بـ"التجاهل والتعتيم" إزاء الجرائم الممنهجة ضد الشعب السوري، معتبراً أن الأدلة على هذه الجرائم "واضحة وموثقة"، ولا تحتاج إلى لجان تحقيق جديدة على غرار تلك التي شُكّلت للتحقيق في مجازر الساحل. كذلك دعا إلى "تدخل فوري لقوات دولية لحفظ السلام"، معتبراً أن طلب الحماية الدولية "حق مشروع في ظل فشل النظام في تأمين الأمن".

ودعا الهجري السوريين إلى التوحد في مواجهة ما وصفه بـ"الفكر التكفيري" والممارسات القمعية، في ظل تصاعد العنف في عدد من المناطق السورية، وسط اتهامات متبادلة بين فصائل المعارضة والنظام الحالي بشأن استهداف المدنيين.

ردود متباينة

في المقابل، اعتبر الباحث السياسي وائل علوان في حديث لـ"العربي الجديد" أن بيان الهجري لا يعبّر عن مجمل موقف أهل السويداء، متهماً المجلس العسكري في المحافظة والشيخ الهجري بالارتباط بمشروع إقليمي. وأكد علوان وجود تواصل معقول، وإن لم يكن مثالياً، بين قيادات من السويداء والسلطة، معتبراً أنه يُعبّر عن تطلعات أهل المحافظة. ودعا الحكومة السورية إلى تعزيز شراكتها مع القوى الوطنية، وطالب في المقابل القوى المحلية باتخاذ موقف واضح من أي تدخل خارجي، خصوصاً المرجعيات الدينية.

ونفى علوان وجود فصائل مسلحة منظمة، مشيراً إلى أن ما يحدث نتيجة وجود مجموعات عشائرية وقبلية غير منظمة تُحسب خطأً على الدولة، وهي من تتسبب بالأحداث الأمنية، وفق تعبيره. وأرجع ذلك إلى 14 عاماً من الفوضى المسلحة وانتشار السلاح، مشدداً على ضرورة نزع هذا السلاح، ومعتبراً أن ضبط المشهد الأمني مسؤولية الدولة، لكنه يتطلب وقتاً وجهداً.