استمع إلى الملخص
- البحرية الأميركية أوضحت أن نشر الغواصة جزء من استراتيجيتها لتعزيز وجودها في المحيطين الهندي والهادئ للحفاظ على السلام، مشيرةً إلى أهمية غوام الاستراتيجية لقربها من نقاط اشتعال مثل شبه الجزيرة الكورية.
- خبراء يرون أن التحركات الأميركية تهدف لاحتواء التهديد الصيني، مما يزيد التوترات، بينما دعت الصين لتعزيز الاستقرار والتعاون وتجنب الإجراءات غير البناءة.
أثار نشر القوات البحرية الأميركية غواصة نووية في جزيرة غوام غرب المحيط الهادئ قبل أيام استياءً كبيراً لدى الصين التي اعتبرت الأمر اختراقاً للسلام والاستقرار الإقليميين. وقالت إنها لن تتسامح مع سلوك واشنطن المتهور بشأن هذه القضية، وشددت على التزامها بدعم وحماية السلام الإقليمي. وقالت وسائل إعلام صينية رسمية، اليوم الأحد، في تعليقها على الأمر: "من المفارقات العجيبة أن يتحدث الجيش الأميركي عن السلام بينما يلوّح برأس الحربة"، في إشارة إلى وصول أول غواصة هجومية نووية "يو إس إس مينيسوتا"، إلى جزيرة غوام قبل أيام.
وكانت البحرية الأميركية قد أصدرت بياناً قالت فيه إن هذا الانتشار هو جزء من خطة البحرية الأميركية الاستراتيجية لتوزيع القوات البحرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والحفاظ على سلمية المنطقة وازدهارها. وأكد البيان أن البيئة الأمنية في المنطقة تتطلب أن تضع البحرية الأميركية الوحدات الأكثر قدرة في المقدمة. ويحمل سكان جزيرة غوام الجنسية الأميركية، لكنهم لا يتمتعون بحق التصويت في الانتخابات الأميركية، وهم منحدرون من أصول ميكرونيزية من جزر المحيط الهادئ.
وقالت صحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية الصينية الناطقة باللغة الإنجليزية: "بينما يواصل الجيش الأميركي طعن السلام والاستقرار في المنطقة برأس حربته، فإنه يتحدث في الوقت نفسه عن تعزيز السلام والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. هذا المعيار المزدوج مثير للسخرية حقاً". وأضافت أن "نشر الغواصة مينيسوتا يظهر سعي الولايات المتحدة إلى تحويل غوام إلى سلاح يخترق السلام والاستقرار الإقليميين. كما يكشف نفاق ما يسمى إدارة الخلافات مع الصين عبر الحوار. كما يوضح أن نيّة واشنطن الحقيقية هي إجبار بكين على قبول إكراهها وقمعها بالكامل بدون أي رد، وبالتالي تقليل المخاطر والتكاليف المترتبة على أفعالها الاستفزازية".
واعتبرت الصحيفة أن "الولايات المتحدة تهدف إلى تعزيز انتشارها العسكري، لإقناع حلفائها بأن اتباع استفزازات الولايات المتحدة واحتواء الصين لا يشكل أي مخاطر، وبالتالي تسريع عملية تحويل حلف شمال الأطلسي إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ". وشددت على أن بكين "لن تتسامح مع سلوك واشنطن المتهور بشأن هذه القضية على وجه التحديد، كونها ملتزمة بدعم وحماية السلام الإقليمي".
يشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها نشر غواصة نووية أميركية في غوام، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تم نشر غواصتين نوويتين هجوميتين في الجزيرة. وقبل ذلك كانت تتمركز غواصتان نوويتان هجوميتان. وحسب تقارير أميركية، فإنه مع نشر الغواصة "مينيسوتا"، يصل العدد الإجمالي إلى خمس غواصات. وفي السنوات الأخيرة، خصصت وزارة الدفاع الأميركية أكثر من مليار دولار سنوياً لتعزيز جاهزية غوام العسكرية. وكانت واشنطن تروج بقوة لما يسمى "استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ" في منطقة آسيا، من خلال تعزيز "تحالف العيون الخمس"، وتعزيز "آلية الرباعية"، وإجراء تدريبات عسكرية متكررة في محيط الصين، في خطوة وصفتها بكين مراراً بأنها "محاولة لتجزئة منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى عدة كتل دفاعية".
غوام أحد الأركان الأساسية
في تعليقه على هذه الخطوة، أوضح المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جزيرة غوام أحد الأركان الأساسية في الاستراتيجية الأميركية بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، نظراً لموقعها الجغرافي وقربها من نقاط اشتعال محورية في المنطقة مثل: شبه الجزيرة الكورية ومضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، وبالتالي فإن تعزيز الانتشار العسكري الأميركي في الجزيرة يتيح للقوات الأميركية، بما في ذلك قوات التحالف، سرعة الوصول إلى الأهداف في حال حدوث صدامات عسكرية في المنطقة".
وأضاف أن الصين تتابع عن كثب هذه التحركات التي شهدت تسارعاً كبيراً في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، لافتاً إلى أن إرسال الغواصات النووية حدث في فترات متقاربة وخلال ولاية رئاسية واحدة، مما يشير إلى مدى تركيز إدارة بايدن على الاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين على حساب ملفات وقضايا أخرى ملحّة، مثل الأزمة الأوكرانية والحروب في الشرق الأوسط، ناهيك عن الأزمات الأميركية الداخلية، معتبراً أن ذلك كان سبباً في خسارة بايدن الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح منافسه الجمهوري دونالد ترامب.
"احتواء التهديد الصيني"
من جهته، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية في مركز النجمة الحمراء في العاصمة الصينية، جيانغ قوه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تحريك قطع نووية هجومية إلى جزيرة غوام، هو توجه خطير قد يؤدي إلى تداعيات مدمرة للمنطقة، لافتاً إلى أن بكين لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تتابع مثل هذه التحركات التي تتمحور جميعها حول ما تسميه واشنطن "احتواء التهديد الصيني". وأشار إلى أن الإدارة الأميركية الحالية تتطلع نحو تحويل غوام إلى ما يسمى "حاملة طائرات غير قابلة للغرق" على "سلسلة الجزر الثانية". وأضاف أن الأمر الأكثر أهمية هو أن هذا التحشيد العسكري يحمل شعوراً قوياً باستهداف عدو افتراضي والاستعداد للقتال الفعلي، مما يجعله أحد المحفزات المباشرة لتصعيد التوترات الإقليمية، وأن الصين ليست بمنأى عن هذه الأنشطة.
ولكن في المقابل، كان الخطاب الإعلامي الصيني بشأن التحركات الأميركية في جزيرة غوام متزناً، فيما يبدو أنه يحمل رسائل لإدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، فقد أشارت وسائل إعلام صينية اليوم الأحد إلى أنه في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، بما في ذلك العلاقات العسكرية، صعوداً وهبوطاً، وتم تحقيق اختراقات تسببت في حالة عامة من الاستقرار. ومع ذلك، اعتبرت أن هذا الاستقرار الذي تم تحقيقه بشق الأنفس يظل هشاً ويتطلب جهداً كبيراً من الجانبين للحفاظ عليه وتعزيزه. وأضافت أن الصين لا تكنّ أي عداء استراتيجي تجاه الولايات المتحدة، وتأمل أن يلتقي الجانبان في منتصف الطريق، وأن تمتنع واشنطن عن الإجراءات غير البناءة مثل نشر الأسلحة هنا وإنشاء قواعد عسكرية هناك. وبدلاً من ذلك، ترى أنه ينبغي التركيز على المبادرات التي تشتد الحاجة إليها وتحظى بالترحيب في المنطقة، والتي تجسد المسؤولية والسلوك المتوقعين من قوة كبرى مثل الولايات المتحدة.