استمع إلى الملخص
- تعرضت عائلة صندوقة لاعتداءات جسدية وتهديدات من المستوطنين والجنود الإسرائيليين، مما يعكس محاولة لإفراغ المنطقة من الفلسطينيين وتحويل المنازل إلى نقاط عسكرية.
- يواجه الفلسطينيون تحديات كبيرة بسبب التوسع الاستيطاني، مثل شق طرق جديدة وإنشاء غرف مراقبة، مما يعزل القرية ويزيد من معاناة سكانها.
تندرج عملية إحراق مركبتين فلسطينيتين في جبل حراشة في قرية المزرعة الغربية شمال غرب رام الله، فجر الأربعاء 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تعودان للفلسطيني حسن صندوقة؛ ضمن سلسلة أعمال إجرامية استيطانية، تكثفت بعد شن الاحتلال الإسرائيلي الحرب على غزة، ووصلت إلى حد طرد عائلة من منزلها، ومنع الأهالي نهائياً من الوصول إلى أراضيهم وعين ماء. وتهدف تلك الاعتداءات، كما يؤكد الأهالي، إلى زيادة مساحة ونفوذ البؤرة الاستيطانية ومعسكر "حورشة" على حساب استهداف جبل حراشة من أراضي القرية.
وبدأ الاعتداء بعد الثالثة فجراً؛ كما تقول هيلدا صندوقة، زوجة حسن، لـ"العربي الجديد"؛ اكتشفته زوجة ابنها عندما أرادت فجراً تحضير قارورة حليب لطفلتها، وتسمع أصواتاً غريبة في الخارج، لتوقظ زوجها، وتؤكد هيلدا ان أحد النوافذ قد تكسرت فيما يبدو من حجارة للمستوطنين.
وتقول العائلة إن ابنها عمر سمع صوت انفجار صغير ثم رأى النيران تحرق المركبتين؛ ومستوطنين يهربون، وربما كان لاكتشاف عمر وزوجته حركة المستوطنين السبب في عدم امتداد الاعتداء إلى أكثر من حرق المركبتين اللتين أكلتهما النيران تماماً بسبب عدم قدرة العائلة إطفاء الحريق وحتى أهالي القرية الذين هبوا لمساعدتهم، بسبب المواد سريعة الاشتعال التي يستخدمها المستوطنون في عملية الإحراق.
وهذه الحادثة، وإن كانت الأخطر، كما يقول حسن صندوقة لـ"العربي الجديد"، ليست منفصلة، حتى قبل السابع من أكتوبر /تشرين الأول 2023. وكانت الاعتداءات متكررة، لكنها تكثفت بعد ذلك التاريخ، فمراراً ألقى المستوطنون الحجارة على ابنته، وهي في طريقها إلى الجامعة، كما أطلقوا الرصاص عليه وهو يقطف الزيتون قرب منزله، وبشكل شبه يومي، يسلِّط المستوطنون أضواء الليزر تجاه منزله.
وتقول هيلدا صندوقة إن الجنود وليس المستوطنين فقط، منعوا العائلة وضيوفها من البقاء في باحة منزلها تحت تهديد السلاح، رغم أن الباحة تقع داخل أسوار المنزل وداخل بوابة خارجية. وقبل إحراق المركبتين بيوم واحد، اعتدى المستوطنون بإلقاء الحجارة على منزل مجاور، فرد أصحاب المنزل بالمثل، وتوقعت عائلة صندوقة أن يعود المستوطنون للاعتداء على جيرانهم، لكنه كان من نصيبها هي.
ويهدف المستوطنون إلى إفراغ كامل المنطقة من الفلسطينيين، كما تمكنوا من إفراغ منزل قبل عامين تحت وطأة الاعتداءات المتكررة، ومنزل آخر بقوة السلاح في يوم الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي. ويعود هذا المنزل لمحمد صالح (64 عاماً)، بناه في عام 1994، أي قبل إقامة معسكر وبؤرة "حورشة" الاستيطانية بعدة سنوات، على أرض ورثها عن أجداده، يروي صاحبه لـ"العربي الجديد" عملية طرد بالقوة صباح 8 أكتوبر /تشرين الأول 2023، حتى من دون أن تستطيع العائلة أخذ أي من مقتنياتها أو أوراقها أو ما تملكه من أموال وذهب، والمنزل الآن يرفع عليه علم إسرائيل، ومفتوح للجنود والمستوطنين بشكل دائم.
وفي السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، اقتحم جنود جيش الاحتلال منزله واعتلوا سطحه متخذينه نقطة عسكرية، مع منع العائلة من فتح النوافذ والأبواب، وقطعوا خطوط الكهرباء والماء عن المنزل، وبقي الجنود حتى قبل منتصف الليل بقليل، ليعودوا السابعة صباحاً، ويطردوا العائلة تحت تهديد السلاح. ولم يمنح الجنود العائلة وقتاً لأخذ شيء، بل كانت العائلة كما يقول صالح، ترتدي ملابس البيت، مضيفاً "خرجنا بالبيجامة والحفاية". ومُنع أبو صالح من إغلاق باب منزله، بل أخذ الجنود مفتاحه، وخرج على أمل العودة، فهو لم يكن يتوقع أن تكون تلك المرة الأخيرة له في منزله.
ومر صالح بوقت عصيب عاش خلاله عند أشقائه وأبنائه داخل القرية، حتى تمكن من الاستقرار في منزل مكون من غرفتين وحمام، فيما كانت مساحة منزله الذي بناه بعرق جبينه تقارب 300 متر مربع. صحيح أن صالح كان واجه الاحتلال في التسعينيات لتثبيت منزله، بعد إخطاره بحجة عدم الترخيص، لكنه استطاع في نهاية الأمر إبقاء منزله قائماً من دون أن يتم المساس به بعد الوصول إلى محكمة الاحتلال العليا في حينه، وصحيح أن توسعته للمنزل في عام 2000 تقدر بمئة وخمسين متراً مربعاً هدمها الاحتلال كان ينوي أن تكون سكناً لأبنائه، لكنه لم يمر بوقت عصيب كما هو العام الماضي، حيث فقد بيته، وكل ما بداخله ولم يستطع العودة لمرة واحدة إلى المنزل.
ويراقب صالح منزله من جبل مقابل، يقول إنه لا يعلم ما الذي جرى داخل منزله، لكنه يرى بشكل متواصل بابه مفتوحاً، يدخل ويخرج منه المستوطنون والجنود. وخلال العام الماضي، أغلق جيش الاحتلال الطريق بالكامل إلى المنزل وكل الأراضي المجاورة، بساتر ترابي قطع الطريق، وبوابة حديدية إلى الداخل قليلا، بل كتب المستوطنون كما يقول حسن صندوقة على الشارع عبارة "هذه منطقة إبادة" وكأنه وعيد من المستوطنين غير مكتفين بما يقوم به جيشهم من إبادة في غزة.
وخلال العام الماضي، شق المستوطنون أيضاً طريقاً يحيط بقرابة 300 دونم من الأراضي، كما يؤكد رئيس مجلس قروي المزرعة الغربية بسام الخطيب لـ"العربي الجديد". وينطلق الشارع من البؤرة الاستيطانية، ويلتف حول الأراضي مروراً بمنزل أبو صالح، وليكمل طريقه إلى أعلى قمة الجبل، فيما تبدو عملية ترسيم حدود للشكل المستقبلي الذي يريده المستوطنون، رغم أن تلك الأراضي تعود للمزارعين الفلسطينيين الذين كانوا دوماً يصلونها ويحرثونها ويقطفون ثمارها"، لكن الحظر على الوجود في الأراضي لم يقتصر على تلك المساحة خلف الشارع المستحدث، بل وصل إلى الضعف تقريباً، بما في ذلك عين حراشة، التي كانت مصدراً لرزق كثير من المزارعين لري أشجارهم من اللوزيات والحمضيات والرمان.
ويقول الخطيب إن جيش الاحتلال استحدث في المنطقة غرفتين للمراقبة، فضلاً عن الشارع الجديد، فيما تبدو عملية تخطيط لتوسيع نفوذ المنطقة الاستيطانية على جبل يعتبر أعلى قمة في القرية بل في المنطقة بشكل عام، مطل على كل رام الله، والساحل الفلسطيني والقدس، ليصبح هذا الجبل منطقة أخرى تحاصر القرية بالاستيطان، فسبعة آلاف دونم من أصل 14 ألفاً، يحظر على المواطنين دخولها، بسبب الاستيطان الذي يحيط القرية من ثلاث جهات، كما يقضم الأرض ويسبّب اعتداءات متكررة أدت إلى جرح واستشهاد العديد من الأهالي خلال تصدي الأهالي لاقتحامات المستوطنين وجيش الاحتلال، وخلال فعاليات شعبية مناهضة لسياسة الاستيطان.