استمع إلى الملخص
- دور "الجيش الوطني السوري" في تسهيل الانشقاقات: "الجيش الوطني السوري"، المدعوم من تركيا، يسهل انشقاقات عناصر النظام و"قسد" عبر معركة "فجر الحرية"، مؤكدًا على توفير آلية منظمة لتأمين الانشقاق وتنسيق المعلومات.
- الحرب النفسية وتأثيرها على قوات النظام: تسعى الفصائل المعارضة لتغيير قناعات قوات النظام عبر حرب نفسية، مما يساهم في توفير المجهود الحربي وزيادة حالات الانشقاق بسبب إنهاك النظام وغياب الدعم الخارجي.
في ظاهرة لافتة تتكرر في كل المناطق التي تتقدم إليها فصائل المعارضة المسلحة في زحفها السريع نحو مواقع قوات النظام السوري، من الملاحظ حرص إدارة تلك الفصائل (إدارة العمليات العسكرية) ما أمكن على تفادي التصادم العسكري المباشر مع قوات النظام السوري والموالين لها، وسعيها الى اكتساب المناطق دون قتال، مع منح فرص عديدة للموالين كي يسلموا أنفسهم أو ينسحبوا، مع إعطائهم الأمان الكامل.
ودعت "إدارة العمليات العسكرية" قوات النظام السوري في مدينة حمص "للانشقاق الجماعي والتوجه" إلى مدينة حماة. وقال مدير "إدارة العمليات العسكرية" التابعة للفصائل، المقدم حسن عبد الغني، عبر منصة تليغرام، أمس الجمعة: "ندعو القطع العسكرية في حمص للانشقاق الجماعي والتوجه إلى مدينة حماة ولهم منا الأمان".
دعوة للانشقاق عن قوات النظام السوري
ومنذ دخولها إلى حلب، أصدرت "إدارة العمليات العسكرية" بياناً موجهاً إلى ضباط النظام وقواته، دعتهم فيه للمبادرة للانشقاق. وقال البيان: إلى الضباط العاملين في القوات المسلحة التابعة للنظام، وإلى قادة الفرق والكتائب في المدن السورية كافة، تعلن إدارة العمليات العسكرية عن استعدادها الكامل لتأمين انشقاق أي ضابط يرغب في إلقاء السلاح والانتقال بأمان إلى مناطق سيطرتنا في الشمال السوري. كما أصدرت بياناً منفصلاً وجهته إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عرضت عليهم "الخروج من مدينة حلب بسلاحكم باتجاه شمال شرق سورية بشكل آمن".
وجهت "إدارة العمليات العسكرية" بياناً لضباط النظام وقواته دعتهم فيه للانشقاق
وبالفعل، بادر العديد من الضباط والعناصر في قوات النظام السوري إلى تسليم أنفسهم ومواقعهم للفصائل المسلحة، التي بادرت إلى تشكيل لجان لتسوية أوضاعهم، وإطلاق سراحهم بعد تسليمهم بطاقات تسهل مرورهم ووصولهم إلى مناطقهم. وقال عبد الغني، على موقع إكس، إن عدد المتقدمين لبطاقة الحماية المؤقتة من عناصر النظام في حلب بلغ خلال يومين أكثر من 1240 عنصراً. كما سمحت الفصائل المسلحة للمقاتلين التابعين لـ"قسد" بالانسحاب من الأحياء الشمالية والشرقية من مدينة حلب بسلاحهم إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شرق البلاد، تلافياً لأي تصادم مسلح معهم وحقناً للدماء.
كما اتبع "الجيش الوطني السوري"، المدعوم من تركيا، النهج نفسه في تعامله مع قوات النظام السوري و"قسد"، وسمح لعناصر قوات الأخيرة الموجودين في تل رفت، شمال حلب، بمغادرة المنطقة بسلاحهم نحو مناطق سيطرة هذه القوات. ووجه "الجيش الوطني"، الذي أطلق معركة "فجر الحرية" في شمال البلاد، نداء إلى عناصر قوات النظام السوري جاء فيه: "انشق ولا تكن داخل هذه الدبابة. ليست معركتك"، داعياً إياهم إلى التنسيق معه بهدف تأمين خروجهم.
وتحت عنوان "من قيادة غرفة عمليات فجر الحرية إلى شعبنا العزيز في المناطق السورية المحتلة"، أصدر "الجيش الوطني السوري"، بياناً عبر قناته على "تليغرام"، جاء فيه: "في ظل الهزائم المتلاحقة التي يتعرض لها نظام (بشار) الأسد وجيشه، ومع تزايد حالات الانشقاق في صفوف عناصر الخدمة الإلزامية والاحتياطية وحتى المتطوعين، نعلن عن إطلاق آلية منظمة لتأمين الانشقاق، وضبط تنسيق المعلومات من داخل مناطق النظام". وأعلن تشكيل فريق عمل متخصص تحت إشراف غرفة عمليات "فجر الحرية" لتأمين الخروج للراغبين في الانشقاق من المدنيين والعسكريين إلى مناطق سيطرة قوات المعارضة، ووضع أرقاماً للتواصل لمن يود الانشقاق من جيش النظام.
وخلال التحضير لاقتحام مدينة حماة، جهدت الفصائل على تجنب التصادم المباشر مع قوات النظام السوري المتحصنة على أطراف المدينة الشمالية، وخاصة منطقتي جبل زين العابدين، وبلدة قمحانة، واختارت الالتفاف على المدينة من الشرق والغرب، بينما بقي هذان الموقعان حتى الساعة الأخيرة، ولم يتم عملياً خوض مواجهات مباشرة مع قوات النظام السوري في هاتين المنطقتين، حيث جرى انسحاب عناصر قوات النظام من هناك بعد وساطة خارجية كما أفاد مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، لافتاً إلى "التسامح الواضح لفصائل المعارضة حتى مع أشد العناصر شراسة لدى قوات للنظام". واتبعت "ادارة العمليات العسكرية" الأسلوب نفسه للسيطرة على السلمية في شرقي حماة، حيث دخلتها بموجب اتفاق مع أهالي المدينة الذين دفعوا قوات النظام السوري للانسحاب منها.
حرب نفسية
ورأى الباحث في مركز "جسور للدراسات" رشيد حوراني أن ما تقوم به غرفة عمليات "إدارة العمليات العسكرية" من التوجه إلى جنود وضباط النظام، وخطابها إلى الشرائح المختلفة في المجتمع السوري، وحتى الموجهة إلى بعض دول الجوار، "تدخل في إطار الحرب النفسية، والتي بدأت منذ الإعلان عن بدء المعركة التي سميت رد العدوان، ما يشير إلى أنها معركة دفاعية ضد اعتداءات قوات النظام". وأضاف حوراني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه مع اندلاع المعركة، تكثفت هذه السياسة على أساس مدروس، خاصة مع بدء انهيار قوات النظام، وهو ما مكّن، وفق حوراني، من "توفير المجهود الحربي وحقن دماء الطرفين، وأدى إلى تغيير قناعات الخصم وتشجيعه على الاستسلام، خاصة في ظل الظروف الصعبة لتلك القوات وعدم الاهتمام من جانب قيادتها".
رشيد حوراني: ما تقوم به الفصائل يدخل في إطار الحرب النفسية
وقال حوراني، الذي أوضح أنه كان يخدم بصفة ضابط في إدارة الحرب النفسية لدى قوات النظام قبل انشقاقه عنها: "من هنا، نلاحظ أن قيادة العمليات العسكرية قدرت الموقف بشكل صحيح، وواظبت على هذه السياسة التي تساهم بشكل واضح في توفير الإمكانيات وحقن الدماء". واعتبر أن ما قامت به فصائل المعارضة يعد "نموذجاً يدرّس لما تضمنه من قواعد ناجحة في الحرب النفسية التي جرى انتهاجها في هذه المعارك حتى الآن".
والواقع أن محاولات استمالة قوات النظام السوري ودفع ضباطها وعناصرها للانشقاق، وتجنب خوض معارك غير مجدية، ليست جديدة، ولجأت إليها فصائل المعارضة منذ بدء التصادم مع قوات النظام السوري بعد العام 2011، لكن نتائجها لم تكن بالمستوى القائم اليوم، نظراً لاختلاف الظروف وحالة الإنهاك التي وصلت إليها تلك القوات في الوقت الحاضر، وغياب الداعمين الخارجيين، كما كان عليه الحال في السنوات السابقة.
ولا توجد إحصائيات دقيقة حول أعداد المنشقين عن قوات النظام السوري منذ 2011، لكن مركز حرمون للدراسات المعاصر قدّر عدد ضباط الشرطة المنشقين عن النظام بنحو 630، بينما بلغ عدد ضباط الصف والأفراد ما بين 12 و13 ألف عنصر، ما يشكل نسبة تقارب الثُلث من وزارة الداخلية تقريباً عند انطلاق الثورة. ويُقدّر عدد الضباط المنشقين عن جيش النظام السوري بين أربعة وخمسة آلاف ضابط، ما يشكل حوالي عُشر ضباط الجيش عند انطلاق الثورة. كما يُقدر عدد ضباط الصف المنشقين بين ستة آلاف و6500، بينما تشير التقديرات إلى أن عدد الجنود المنشقين بلغ عشرات الآلاف.