استقالة ومطالب بالتنحي: هل ينجو بوريس جونسون هذه المرة؟

استقالة ومطالب بالتنحي: هل ينجو بوريس جونسون هذه المرة؟

15 ابريل 2022
تحرك أمام مقر الحكومة للمطالبة برحيل جونسون (تولغا أكمين/فرانس برس)
+ الخط -

"ليس في نيّتي أن أستقيل"، هذا ما صرّح به رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من بيته الريفي، ردّاً على الغرامة التي أصدرتها الشرطة يوم الثلاثاء الماضي، بحقّه وبحقّ زوجته كاري وبحق وزير المالية ريشي سوناك.

لم يكن جونسون ينتظر ربما أن تصل إليه تلك الغرامة، وأن تنتشر الأحاديث حولها، بعد يوم واحد فقط من عودته من رحلة "بطولية" إلى كييف. فالغزو الروسي لأوكرانيا شكّل بالنسبة إليه فرصة لم يكن ليحلم بها للنجاة من مأزق داخلي يكبر يوماً بعد يوم، وتنضج تفاصيله أكثر فأكثر. إلا أن الخبر هذا غطّى سريعاً على رحلته وعلى الغزو الروسي وعلى كل النقاشات الداخلية الأخرى. أرفق رئيس الوزراء رفضه للاستقالة باعتذار "خجول"، وصفه بـ"الكامل"، عن انتهاكه لقواعد الإغلاق في فترة كورونا، والتي لم يكن يخطر في باله أنه يخترقها ذلك الحين.

اعتذار ناقص لبوريس جونسون

يأتي اعتذار جونسون هذا ناقصاً بالنسبة إلى البريطانيين المنهكين من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا ومن ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية. يعتذر منهم رئيس الوزراء، بعدما كان نفى سابقاً إقامة حفلات في "داونينغ ستريت" في فترة الإغلاق، مؤكداً أن التجمعات اقتصرت على لقاءات عمل سريعة، ومع التقيّد بالتدابير المفروضة لمواجهة الجائحة.

لم يكن جونسون ينتظر أن تصل إليه الغرامة، بعد يوم واحد فقط من عودته من رحلة إلى كييف

قد لا يكون جونسون أول رئيس وزراء يتحايل ويراوغ، لكنه بكل تأكيد أول رئيس وزراء ينتهك القواعد ويخرق القوانين وتصدر الشرطة بحقّه غرامة. من هنا يبرز السؤال عما إذا كان النواب المحافظون يقبلون أن يمثلّهم رئيس وزراء منتهك للقانون.

وجاءت أول استقالة ردّاً على "كسر القواعد وانتهاك القانون الجنائي" أول من أمس الأربعاء، من وزير العدل ديفيد ولفسون. كثيرون ينتظرون أو يتوقّعون استقالات أخرى في الساعات والأيام المقبلة. فالمحافظون باتوا أكثر إدراكاً لفقدان جونسون الشرعية الأخلاقية للبقاء في منصبه، ودعمه حتى اللحظة الأخيرة لن يكون بالنسبة إليهم سوى مغامرة بسمعة حزبهم.

في المقابل، يستعجل جونسون لطيّ هذه الصفحة، معلناً أنه قَبِلَ الغرامة التي فرضتها الشرطة، علماً أنه يمتلك وفق القانون 28 يوماً لقبولها أو رفضها. وفي حال رفضها، تعيد الشرطة التدقيق في نتائج تحقيقاتها، وإن اكتشفت أنه محقّ، تسقط التهمة وتلغي الغرامة. أما في حال التأكد من التهم، فتحال القضية إلى المحكمة. إلا أنه قَبِلَ بها على الفور وأتبعها بعدم نيّته الرضوخ للضغوط والمطالب بالاستقالة. هو الذي أنكر سابقاً إقامة تلك الحفلات واللقاءات.

يصعب ربما على من لا يعرف المجتمع البريطاني، تقدير حجم الكوارث التي أحدثها جونسون في اختراقه القانون وفي نفيه لذلك الاختراق، وفي اعتذاره تالياً عن خرقه، وفي قوله إنه لم يكن يدرك أن ذلك يشكل انتهاكاً للقواعد. المجتمع الذي لا يمتلك فيه الناس بطاقات شخصية تُثبت هوياتهم، تحتلّ فيه الثقة بالآخر وبصدق كل ما ينطق به من وقائع، مكانة يصعب المساس بها.

قد تبدو ثقة عمياء، إلا أنها لم تأتِ من السذاجة، بل من تاريخ طويل من المبادئ والقيم والمحاسبة أيضاً. جونسون خرق القانون في بلد القوانين. وهو عندما خرقه، لم يكن مجرّد بوريس جونسون، بل كان رئيس وزراء بريطانيا. أول رئيس وزراء تصدر الشرطة غرامة بحقّه.

الجائحة التي كانت الأصعب على العالم كلّه والتي ساوت بين مليارات البشر في المعاناة والخوف والفقد، كانت أيضاً امتحاناً جديداً وقاسياً للحكّام ولسياساتهم وللحكومات والأحزاب والتكتّلات. ليست مجرّد امتحانات سياسية واقتصادية، بل إنسانية أيضاً تتطلّب إنقاذ أرواح الملايين من دون تجاهل التداعيات الاقتصادية لعملية الإنقاذ تلك. تتطلّب حسّاً إنسانياً عالياً مرفقاً بالدراسات والتحليلات والحلول لمواجهة الانهيار الذي طاول القطاعات كافة.

من هنا تأتي أهمية التصريحات التي أدلى بها المتحدثون باسم عائلات ضحايا الجائحة، ومنهم من طالب باستقالة جونسون كإجراء بديهي بعد سنتين من المرارة والفقد. فجونسون وسوناك لم يكتفيا بخرق القانون، بحسب لوبي أكينولا المتحدث باسم جمعية الدفاع عن حقوق عائلات ضحايا الجائحة، بل "سخرا منّا" أيضاً.

إنها سخرية بالطبع أن تحتجز ملايين الناس في بيوتهم بقوة القانون، ثم تجتمع أنت وزملاؤك في ظنّ منك أن أحداً لن يعرف! وإن عرفوا، تُنكر. وإن لم ينفع الإنكار وجرى التحقيق في تلك الخروقات، تعتذر. وإن لم تكسب التعاطف، تتحايل على الأمر وتقول إنك لم تكن تعتقد أنه خرق للقانون. إلا أن التحايل على من فقد فرداً من عائلته من دون أن يتمكن من وداعه حتى كما يليق بالموت، سيكون مهمة صعبة، ربما أصعب من الوصول إلى كييف من بولندا في رحلة سرّية على متن قطار أوكراني.

يحاول المحافظون شراء الوقت حتى موعد الانتخابات المحلية في مايو/أيار المقبل

محرّكات البحث عن اسم بوريس جونسون منذ يوم الثلاثاء الماضي، لا تشير إلى الدعم غير المسبوق الذي قدّمته حكومته لأوكرانيا، ولا إلى خطته المقبلة لمواجهة المتحورات الجديدة. حتى أنها لم تعد تشير إلى الغرامة التي تلقّاها. لن يعثر جونسون لو بحث عن اسمه سوى على مطالب ملحّة بالاستقالة. سياسيون وإعلاميون وأهالي ضحايا "كوفيد 19"، كلّهم يطالبون باستقالته، يحثّونه عليها. لكنه يتحفظ عن التخلي عن مسؤولياته في الوقت الذي تضيق فيه الخيارات أمام حزب المحافظين أكثر فأكثر.

صحيح أن هناك في حزبه من يعتقد أنه الوحيد القادر على إدارة الأزمات الدولية، إلا أن هناك في المقابل من يدرك جيداً أنه يستغل تلك الأزمات واحدة بعد الأخرى، للبقاء في منصبه.

المحافظون... بين الضرورات الأخلاقية وشراء الوقت

في هذا السياق الذي تخيّم عليه محاولات المحافظين شراء الوقت حتى موعد الانتخابات المحلية في شهر مايو/أيار المقبل، كان النائب المحافظ نايجل ميلز، هو أول من دعا رئيس الوزراء للاستقالة، محذّراً من اكتشافات أسوأ لم تظهر بعد.

إلا أن مسألة المطالبة باستقالة جونسون لم تعد موقفاً شخصياً أو مهرباً أخلاقياً من الاتهام بخرق القوانين بالنسبة إلى المحافظين. باتت ضرورة ماسّة تفرضها الديمقراطية البريطانية وقوة القانون لانتشال الحزب من مأساة حقيقية يواجهها اليوم. كما أن شعبية جونسون الآخذة في التراجع أو حتى في الانهيار، تُضعف مستقبل حزبه.

ففي أثناء انتظار نتيجة التحقيق الذي تجريه كبيرة موظّفي الخدمة المدنية سو غراي حول خرق جونسون للقانون والذي سيصدر الأسبوع المقبل، تتبدل الصورة شيئاً فشيئاً ويتحوّل الخطأ الفادح الذي ارتكبه شخص رئيس الوزراء، إلى خرق غير مسبوق للقانون ارتكبه حزب بأكمله.

سيصعب على الأرجح التعويل على رصيد جونسون من "البطولات" في مواجهة الأزمات الدولية كالأزمة مع فرنسا حول حقوق الصيد أو المهاجرين أو أزمة أفغانستان والجلاء الكبير الذي أعد له وتضمّن الكلاب والقطط، حتى وصولاً إلى الغزو الروسي والدعم "غير المسبوق" الذي قُدم لأوكرانيا، مروراً طبعاً بأزمة كوفيد 19.

يبقى أن المحافظين في الواقع ليسوا بانتظار نتيجة تحقيق سو غراي للتأكد من خرق جونسون للقانون، بل لشراء وقت إضافي ريثما تتبدى لهم وقائع أقوى للاحتفاظ به أو للتخلي عنه. وفي هذه الأثناء، سيكمل جونسون الاتكاء على أوكرانيا، البلد الذي يعيش مرحلة مأساوية يحتاج فيها للاتكاء على غيره من البلدان، وليس لتوفير أرضية ملائمة للانتهازية.

 

 

المساهمون