استقالة حاكم ولاية نيويورك: سيادة القانون أم كبش فداء؟

استقالة حاكم ولاية نيويورك: سيادة القانون أم كبش فداء؟

11 اغسطس 2021
لا يقوى الحزب الديمقراطي على لفلفة فضيحة كومو خشية تداعياتها الانتخابية (Getty)
+ الخط -

بعد أسبوع من توجيه المدعي العام المحلي تهمة التحرش الجنسي إلى حاكم ولاية نيويورك، الديمقراطي أندرو كومو، أعلن الأخير استقالته أمس، ليتجنّب عزله من جانب كونغرس الولاية. وجاءت التهمة في أعقاب تحقيق استمر خمسة أشهر على إثر شكاوى 11 امرأة عملن معه من مضايقاته لهنّ بالملامسة غير اللائقة، مستقوياً بموقعه ونفوذه لانتهاك حرمة حياتهن الشخصية وخصوصيتهن.

استجمع كومو كل ما في ترسانته من مزاعم ودفاعات لوضع تصرفاته في خانة المداعبة "البريئة"، وبالتالي رد التهمة، لكن دون جدوى. انكشاف فضائحه التي تجاوزت الممنوع حكم عليه بالسقوط المحتوم. الحزب في الولاية، كما في واشنطن والبيت الأبيض والكونغرس، انقلب ضده وضغط لاستقالته. وفي النهاية بقي وحده، وقوته التي ورثها عن والده ماريو كومو، الذي كان من أركان الحزب الديمقراطي، لم تشفع له.

وكومو ليس الأول الذي وقع في مثل هذه السقطة ولم يقوَ على الخروج منها. فحكام ولايات وأعضاء في الكونغرس ورؤساء سابقون سلكوا الطريق ذاتها، لينتهوا إلى السقوط أو كادوا. حاكم للولاية ذاتها واجه ذات النهاية قبل عقدين، بعد أن انحرف في هذا الاتجاه. والرئيس بيل كلينتون لم يكن لينجو من العزل نتيجة سقطته الأخلاقية في فضيحة "مونيكا غيت" المعروفة، لو لم ينقذه في اللحظة الأخيرة مجلس الشيوخ الذي كان حزبه الديمقراطي يملك الأغلبية فيه آنذاك.

مغادرة كومو الاضطرارية، بهذه الطريقة الملطخة، مؤذية لحزبه ورئيسه. فضيحته هزّت صورة الاثنين. فحاكمية ولاية نيويورك موقع مهم من العيار الثقيل في المشهد السياسي الأميركي. الولاية هي الثانية في عدد السكان بعد كاليفورنيا، وهي العاصمة المالية في أميركا، ومن الولايات الثلاث الأغنى فيها، وعرين الحزب الديمقراطي. لكن بقدر ما كان سقوطه نكسة للحزب، كان انسحابه موضع ارتياح له.

وقد عبّر الرئيس بايدن عن الحالتين خلال مؤتمره الصحافي البارحة، حيث اكتفى بتأييد الاستقالة بكلمتين أعرب فيهما ضمناً عن انزعاجه من سلوك الحاكم، وفي الوقت نفسه عن ترحيبه بقراره الذي طوى صفحة كان من المؤكد أنها ستنعكس سلباً على رئاسته لو تشبث كومو وخاض معركة تؤدي إلى عزله. وما عوّض على الرئيس أنه في اللحظة ذاتها التي أعلن فيها كومو ذهابه مع فضيحته، كان مجلس الشيوخ يوافق على الشق الأول المهم من مشروعه التاريخي لتحديث البنية التحتية في أميركا.

لا تخلو الحياة السياسية الأميركية، وحتى الاجتماعية، بسلوكياتها وأخلاقياتها، من الفساد والانحراف، وأحياناً الفضائح على أنواعها. وفي السنوات الأخيرة ارتفع منسوب الهبوط فيها بدرجات قياسية. فخرق الأعراف والالتفاف على القانون على يد الموكل إليهم تطبيقه، صارا علامة فارقة، ووصلا إلى حدّ التحايل على الدستور ومحاولة كسره.

غزوة الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني الماضي كانت الذروة. لكن عندما ينكشف الشطط ويقع التجاوز في قبضة القانون، يصبح دفع الثمن أمراً لا مفر منه. كان الأمر كذلك من نيكسون إلى كومو، باستثناء حالتي كلينتون وترامب، حيث غلبت فيهما السياسة على القانون، غلبة تفاقمت مع احتدام الصراع السياسي الذي يهدد بتآكل القانون.

تمثّل ذلك أخيراً برفض الحزب الجمهوري في الكونغرس الموافقة على تعيين لجنة تحقيق مشتركة بحادثة اجتياح مقرّه. لا سابقة من هذا النوع في حدث بهذه الخطورة. حماية الرئيس ترامب أخذت الأولوية لدى الجمهوريين. سوء طالع كومو أن إدمانه الملامسة غير المقبولة انفضح، وبات بين فكّي كماشة القانون. دفاتره الشخصية انفتحت، مع علامة استفهام حول من فتحها، في قضية لا يتسامح فيها النص ولا العرف. وحزبه لا يقوى على لفلفة فعلته خشية تداعياتها الانتخابية.

المفارقة أنّ كلفة الانحراف الأخلاقي الممنوع باهظة في أميركا، ولا غرابة في ذلك. لكن الارتكابات السياسية الصارخة تبقى أحياناً دون محاسبة. وكأن النظام بحاجة أحياناً إلى كبش فداء.

المساهمون